ترتبط ظاهرة التطرف لدى الأفراد بإشكاليات تتمثل في عدم القدرة على التكيف مع الظروف المحيطة؛ سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، فلا يتمكنون من الاستجابة للمتغيرات الدائمة في البيئة التي ينتمون إليها، رغم أن المجتمع البشري لا يمكن أن يخلو من المشكلات التي تمثل رمز حياته الدائبة. وغياب القدرة على التكيف يؤدي إلى شعورهم بالإحباط والغضب.

وما تفعله التنظيمات المتطرفة أنها تستقطب هؤلاء الأفراد عن طريق تشجيع النزعات والاتجاهات التي تملأ عقولهم المحبطة الغاضبة. خصوصًا مع وجود نزعة لدى البشر في البحث خارج أنفسهم عن العوامل التي تصوغ حياتهم، ومن ثم تحميل العالم جريرة إخفاقاتهم. والمحبطون يشكلون غالبية الأتباع الجدد في الحركات المتطرفة، وهم ينضمون إليها بمحض إرادتهم، حيث إن الإحباط بحد ذاته يكفي لتوليد معظم خصائص الإنسان ذي الإيمان المتطرف المستعد للتضحية بنفسه في سبيل القضية المقدسة.

يشكل المحبطون غالبية الأتباع الجدد في الحركات المتطرفة، فالإحباط يكفي لتوليد معظم خصائص الإنسان المتطرف المستعد للتضحية بنفسه في سبيل القضية المقدسة.

إضافة إلى ذلك فإن التنظيمات المتطرفة تقوم بتأجيج الغضب الشخصي وربطه بالغضب الأخلاقي عن طريق تبني آلام الناس ومعاناتهم في مناطق الصراعات والحروب والكوارث، وتصوير الأمر على أنه جزء من التدهور الأخلاقي الحاصل في العالم. ويستخدمون في ذلك أيديولوجيا دينية مُعززة بالنصوص المقدسة. واعتماد الأفكار المتطرفة يوفر المبررات، لوقف تدهور المجتمع من خلال ارتكاب العنف.
636730456447857566.jpg
ويساهم الشعور بالظلم في زعزعة المعتقدات والأفكار لدى الفرد خصوصًا مع ما يصيبه من إحباط، ويكون الفرد حينها متهيئًا ومنفتحًا لقبول الآراء التي يتلقاها في منتديات النقاش والحوار والتواصل الاجتماعي في الإنترنت، والتي تعزز القناعات المسبقة لديه وتدعم الظلم الذي يشعر به.

يساهم الشعور بالظلم في زعزعة المعتقدات والأفكار لدى الفرد،وتشكل الأحداث الحرجة التي تترك شعورًا عميقًا بالظلم لدى الفرد أساسا للتطرف.

والأحداث الحرجة التي تترك شعورًا عميقًا بالظلم لدى الفرد هي أساس للتطرف، وهكذا تبني الأيديولوجيا المتطرفة قناة لتوجيه الإحباطات الشخصية، وتوجيه اللوم نحو الآخرين أو المجتمع. وفي المقابل فإن الإحباط من الظروف السياسية؛ من الممكن أن يزيد من صدى الأيديولوجيا المتطرفة، فعلى سبيل المثال نضال مالك حسن ، أصبح غاضبًا على نحو متزايد؛ مما اعتبره سياسة خارجية أميركية تستهدف قتل إخوانه المسلمين في الشرق الأوسط. وقد يرغب الفرد الذي عانى من صدمة أن ينفصل عن هويته ويلتمس وجهات نظر عالمية بديلة ليعوض عن خسارته، وهذه الأيديولوجيات المتطرفة الجديدة ترتكز في كثير من الأحيان على معتقدات تعطي معنى للألم، وتعطي متبنّيها هوية جديدة وشعورًا بالتقدير.

وإضافة إلى الشعور بالظلم نتيجة الصدمة الشخصية، فإن معاناة الآخرين في كثير من الأحيان تدفع المتطرف إلى العمل. وفي ذلك يقول الباحث في الحركات الجهادية سكوت أتران: لا يسلك الناس الذين ذلوا في الغالب سبيل العنف، ولكن أولئك الذين يبحثون عن الثأر من ذل الآخرين لأشخاص يهتمون بهم. مثل أبناء المهاجرين من الجيل الثاني والثالث الذين لديهم غضب شخصي من رجال الشرطة المعادين لهم، وثقافة الأغلبية التي ترتاب منهم، ومن العجز عن إيجاد عمل لائق ولو كانوا قد تلقوا تعليمًا جيدًا. وهم يشاهدون الذل يومًا بعد يوم الذي يتعرض له كبارهم من طرف البيروقراطيين الذين يعاملونهم كأطفال حمقى.

الغضب المغذي للكراهية

يتحول الغضب الشخصي والأخلاقي عند توجيهه إلى كراهية شديدة. فتجتذب الكراهية الشخص من نفسه، وتنسيه ما حوله، وتحوله إلى جزء لا هوية له، يتحرق بالرغبة إلى الالتحام بالأجزاء التي تشبهه؛ ليكون جمهورًا شديد الاشتعال. وتستطيع الكراهية الجماعية أن توحد العناصر المتنافرة. كما أنه بوسع الكراهية المتقدة أن تمنح الحياة الفارغة معنىً وهدفًا، ومن هنا فإن الأشخاص الذين يعانون تفاهة حياتهم يعمدون إلى البحث عن معنى جديد، لا عن طريق اعتناق قضية مقدسة فحسب، بل باحتضان ظلامات متطرفة. وتتيح التنظيمات المتطرفة للمحبطين تحقيق الهدفين.

يتحول الغضب الشخصي والأخلاقي عند توجيهه إلى كراهية شديدة تسيطر على الشخص، وتجعله يتحرق إلى الالتحام بالأجزاء التي تشبهه؛ ليكون جمهورًا شديد الاشتعال

وتعد الكراهية الشديدة من أكثر العوامل الموحدة شمولًا ووضوحًا؛ حيث لا تستطيع التنظيمات المتطرفة أن تبدأ وتنتشر دون الإيمان بـ"الشيطان" المُجسد في: الصليبيين، والظلمة، والصحوات، والكفار، والمنافقين...إلخ. ويمكن عادة قياس قوة التنظيمات المتطرفة بمدى نجاحها في إيجاد شيطانها وتجسيده. إن براعة الشخص الذي يعرف كيف يبدأ تنظيمًا متطرفًا ويطلقه، ويساهم في انتشار أفكاره؛ تتجلى في معرفة كيف يختار العدو الملائم، بقدر ما تتجلى في قدرته على اختيار العقيدة الملائمة ووضع برامج لتنفيذها. ومن المفارقة أن أتباع الأديان السامية يعانون شعورًا بالذنب عندما تتسع الهوة بين تعاليم دينهم وواقعهم المليء بالمعاصي. وعندما يدخل التطرف الصورة، فإن الشعور بالذنب يتحول إلى كراهية سافرة. وهكذا نجد أنه كلما ازداد التطرف عند أتباع مذهب ما- مهما كان المذهب نفسه ساميًا- نما لديهم الشعور بالكراهية. ففي الولايات المتحدة الأمريكية يمثل الدافع الديني 43% من هجمات الذئاب المنفردة.
636730444427035599.jpg

وطالبو الثأر والعدالة الذين يعتبرون أنفسهم جزءًا من مجموعة "المسلمين المضطهدين" التي يتم قمعها من قبل الغرب أو الأنظمة المستبدة، يرون أنه من الواجب عليهم الانتقام للضحايا. مثل أنيس العامري منفذ عملية الدهس في برلين بتاريخ 23/12/2016م، ومحمد رياض منفذ عمليات الطعن في قطار بين مدينتي ترويشتلينغن وفورتسبورغ في مقاطعة بافاريا – ألمانيا بتاريخ 18/7/2016م، ومايكل زهاف بيبو مطلق النار في البرلمان الكندي 23/10/2014م.

عوامل الاحتواء

يتطلب التصدي للتطرف والإرهاب العمل على فهم بُنيته وجذوره، والتي منها الغضب الشخصي المتفاقم والممتزج بالغضب الأخلاقي.

كما أن ﻤﺼـﺎدر اﻟﻤﺨـﺎطر الاجتماعية والثقافية ومنها التطرف، واﻟﺘﻬدﻴـــدات اﻟﺘـــي ﺘﺘﻀـــﻤﻨﻬﺎ؛ ﺘﺘطﻠـــب ﺒﻨـــﺎء شراكات ﻗوﻴـــﺔ وﺤﻘﻴﻘﻴــﺔ ﺒــﻴن اﻷطــراف اﻟﻔﺎﻋﻠــﺔ داخل المجتمع، وﻫــﻲ: اﻟﺤﻛوﻤــﺎت، وﻤﻨظﻤــﺎت اﻟﻤﺠﺘﻤــﻊ اﻟﻤــدني، واﻟﻘطــﺎع اﻟﺨﺎص، والمراكز واﻟﻤؤﺴﺴﺎت اﻷﻛﺎدﻴﻤﻴﺔ، واﻹﻋﻼم.

مع التركيز على مرحلتي الطفولة والمراهقة، حيث إنه كلما كانت التدخلات المناهضة للتطرف والإرهاب مبكرة؛ كانت قوة الكبح وتفريغ أزمة العنف من محتواها أجدى وأكثر كفاءة، والتدخلات الأسرية والمدرسية من التدخلات المبكرة، حيث يصبح تواصل الوالدين مع أبنائهم للحديث حول الثقافة العامة ذا تأثير بالغ في تشكيل قيم السلام، وقبول الآخر، وتغيير النفس لديهم، ومن شأن هذا التواصل أن يؤثر على سلوك المراهقين في المستقبل. ويعزز من قدراتهم على التكيف مع الظروف البيئية المحيطة المتغيرة والضاغطة، وبالتالي السيطرة على دوافع الغضب الشخصية والأخلاقية، وتفريغها في مسارات محددة بناءة، كما في ممارسة الفنون والألعاب الرياضية. وهذا ينطبق أيضًا على المدارس، حيث يمكن أن تقوم بمحاولة تحسين قدرة المراهقين على اتخاذ قرارات حكيمة ومنطقية بشأن استجاباتهم للتغيرات البيئية من خلال الربط بين التعليم والسلوك.