مقدمة:-
تتطلب الخطوة الأولى في مشروع محاربة الإرهاب واجتثاث جذوره من أي مجتمع، فهمًا جيدًا لهذه الظاهرة من جميع جوانبها، والوقوف على أسباب ظهورها، حتى يكون التعامل معها مبنيًا على أسس علمية صحيحة، وقد أدى اختلاف الدول في النظر إلى الإرهاب من حيث مفهومه ومعناه، إلى صعوبة اتفاقها على المستوى الدولي بشأن التعاون لمكافحة هذه الظاهرة. ويمكن تجسيد هذا الاختلاف في العبارة المختصرة التي تقول: "إن الإرهاب في نظر البعض، هو محاربة الإرهاب من أجل الحرية، وقد يختلف هذا المسمى في نظر الآخرين". وأدى ذلك إلى فشل أغلب الجهود الدولية في الوصول إلى تعريف دقيق لحقيقة الإرهاب، مما أثر سلبًا على التعاون الدولي لمحاربته، إلا أن هذا لم يمنع بعض المنظمات والوكالات الدولية من وضع مسميات مختلفة للإرهاب، حيث تبنت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تعريفًا للإرهاب عام 1980م، ينص على أن "الإرهاب هو التهديد باستعمال العنف، أو استعمال العنف لأغراض سياسية من قبل أفراد أو جماعات، سواء تعمل لصالح سلطة حكومية قائمة أو تعمل ضدها، وعندما يكون القصد من تلك الأعمال إحداث صدمة، أو فزع، و ذهول، أو رعب لدى المجموعة المُستهدفَة التي تكون عادة أوسع من دائرة الضحايا المباشرين للعمل الإرهابي". ويختلف الوصف الذي يطلقه رجال الإعلام على أعضاء المنظمات الإرهابية باختلاف الموقف السياسي الذي يتخذونه تجاههم، ومن ثم استخدمت أوصاف مختلفة عند الإشارة إليهم، فهم إما إرهابيون أو مخربون أو عصاة أو منشقون أو مجرمون، وإما جنود تحرير أو محاربون من أجل الحرية، أو مناضلون أو رجال حركة شعبية، إلا أن الحاجة أصبحت ملحة بعد انتشار ظاهرة الإرهاب؛ مما اضطر جميع الدول الأعضاء في هيئة الأمم للموافقة على الإستراتيجية العالمية لمحاربة الإرهاب.

عناصر الجهد الدولي لمكافحة الإرهاب

هيئة الأمم المتحدة ودورها المحوري في مكافحة الإرهاب:
إن مكافحة آفة الإرهاب أمر يهم كل الأمم، وقد ظلت المسألة على جدول الأعمال الدولي لعدة عقود. حتى دخلت مرحلة تاريخية في سبتمبر 2006 عندما وافقت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لأول مرة على إستراتيجية عالمية لتنسيق جهودها لمكافحة الإرهاب، وتقع المسؤولية الرئيسة لتنفيذ الإستراتيجية العالمية على عاتق الدول الأعضاء، وتعمل فرقة العمل المعنية بالتنفيذ في مجال مكافحة الإرهاب على ضمان أن تسعى منظومة الأمم المتحدة لتلبية احتياجات الدول الأعضاء، وتزويدها بالدعم اللازم في مجال السياسات، ونشر المعرفة المتعمّقة للإستراتيجية والتعجيل بتوصيل المساعدة التقنية عند الاقتضاء. كان رد المجتمع الدولي على الإرهاب قويًا وحازمًا خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001.

" هناك اتفاق عام جوهري حول الأهداف والخطوط العامة لمحاربة الإرهاب رغم وجود اختلافات حول التركيز على الأدوات العسكرية، وحول الجوانب المتعلقة بالوقاية من الإرهاب ومكافحته "وهناك اتفاق عام جوهري حول الأهداف والخطوط العامة، على الرغم من وجود اختلافات فيما يخص التركيز على الأدوات العسكرية وفرض (تنفيذ القانون) بشكل قسري، واختلافات أيضًا حول الجوانب المتعلقة بالوقاية من الإرهاب ومكافحته، وتلك التي تعني الظروف التي يمكن أن تشجع انتشار الدعاية المتطرفة وتجنيد الإرهابيين، وكذلك أهمية التفاعل بين الأدوار الجوهرية التي تقوم بها العناصر المختلفة المشكلة لهذا المنهج: التحريات الاستقصائية الاستخباراتية والبعد السياسي- الدبلوماسي، والحوار بين الثقافات والحوار بين الأديان، ومكافحة التمويل، وأمن النقل، وإستراتيجية مكافحة التجنيد، ونشر الفكر الراديكالي أو المتشدد، وأن يكون ذلك في ظل احترام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي وسيادة القانون.

التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب:
" من أسس التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب مجابهة التطرف والإرهاب في العالم الإسلامي، باتجاهات وأساليب مختلفة، تتجاوز المكافحة الأمنية، إلى وجود مكافحة فكرية وعسكرية وإعلامية، وبجهد إسلامي مشترك"إن الفشل الواضح في التحالف الأمريكي العالمي ضد الإرهاب، والذي تشكل بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وعدم فعالية التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش في العراق وسوريا، وزيادة تعقيد المشهد السوري بدخول العديد من الإرهابيين الأجانب، والانسحاب الأمريكي من مناطق الصراع في الشرق الأوسط، وعدم وضوح رؤية الخروج الإستراتيجي لها من أفغانستان والعراق، وعدم وقوفها موقفًا واضحًا في سوريا، وزيادة الاهتمام لصانعي السياسية الأمريكية بمنطقة المحيط الهادئ والصين، ومحاولة وجود تفاهمات مع جمهورية إيران، عبر موافقتها على الاتفاق النووي (بين دول مجموعة 5+1 وإيران) تسبب في إرباك الترتيبات الأمنية الإقليمية، مما جعل التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب بقيادة المملكة العربية السعودية أمرًا واقعًا، ويهدف التحالف الإسلامي العسكري، والذي أُعلن عنه في 3 ربيع الأول 1437 هجرية، الموافق 15 ديسمبر 2015، بقيادة المملكة العربية السعودية، إلى محاربة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره، أيًا كان مذهبه وتسميته، ويضم التحالف أكثر من 40 دولة مسلمة، ويملك غرفة عمليات مشتركة، مقرها الرياض. ويعمل على محاربة الفكر المتطرف، وينسق كافة الجهود لمجابهة التوجهات الإرهابية، من خلال مبادرات فكرية وإعلامية ومالية وعسكرية، وترتكز مجهودات التحالف على قيم الشرعية والاستقلالية والتنسيق والمشاركة، وبما يتوافق مع الأنظمة والأعراف الدولية. ومن أسس التحالف الناشئ مجابهة التطرف والإرهاب في العالم الإسلامي، باتجاهات وأساليب مختلفة، تتجاوز المكافحة الأمنية، إلى وجود مكافحة فكرية وعسكرية وإعلامية، وبجهد إسلامي مشترك، لتجفيف منابع الإرهاب المالية والفكرية والإعلامية، وتضييق هامش المناورة للجماعات الإرهابية، على التحرك عبر المشاركة والتعاون الاستخباري والأمني.

حلف الناتو:
" تتطلب مقاومة الإرهاب الدولي استجابة دولية شاملة ومتعددة الجوانب يعززها تنسيق للجهود والوسائل السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والقانونية والاجتماعية والعسكرية "لا يستطيع أن يدعي أحد عدم وعي الناتو بالمخاطر الناجمة عن الإرهاب، وليس أدل على ذلك من تصريح رؤساء دول حلف الناتو في نوفمبر 2006 بأن " الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل هما الخطران الرئيسان المرجح أن يتصدى لهما الحلف خلال العشرة أو الخمسة عشر عاماً القادمة". فقد أبدى الناتو تصميمًا قويًا على محاربة الإرهاب وأخذ على عاتقه "حماية المواطنين والأراضي والقوات والبنى التحتية في الدول الأعضاء، واستخدام كافة الوسائل الممكنة لمحاربة الإرهاب بشتى صوره وأنواعه". وجاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر كي تؤكد على ضرورة إعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب، إذ أظهرت الدول الأعضاء، سواء في إطار الحلف أو بشكل منفرد، عزمها على استئصال شأفة الإرهاب، وتمكن الناتو خلال فترة وجيزة من تحقيق تقدم كبير على هذا الصعيد من خلال تطوير الجوانب المختلفة لأعماله وأنشطته؛ لمواكبة هذا الخطر الهائل. ومع ذلك، فإن الحلف يفتقر إلى إستراتيجية تجمع بين قدرات محاربة الإرهاب التي يتمتع بها الناتو من أجل تحقيق هدف واضح؛ فالناتو يمتلك الوسيلة والهدف، ولكن تعوزه الرؤية والإستراتيجية للقضاء على الإرهاب. وتتطلب مقاومة الإرهاب الدولي استجابة دولية شاملة ومتعددة الجوانب يعززها تنسيق للجهود والوسائل السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والقانونية والاجتماعية والعسكرية، إن لزم الأمر. ولا شك أن بنية حلف الناتو تؤهله لأن يكون واحدًا من أفضل المنظمات الدولية لمواجهة الخطر الناجم عن ظاهرة الإرهاب الدولي.

ما الذي يمكن أن يقدمه الناتو؟

أولًا: - تمثل المادة الخامسة من بنود ميثاق الناتو حجر الأساس الذي ترتكز عليه جهود محاربة الإرهاب، حيث تنص هذه المادة على أن أي هجوم مسلح على دولة أو أكثر من دول الحلف يعدّ هجومًا على كافة الدول الأعضاء، ومن ثم فقد رأى مجلس الحلف عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر التي تعرضت لها الولايات المتحدة أن هذه المادة تظل نافذة وضرورية في عالم يعاني من ويلات الإرهاب الدولي، وقرر الحلف تطبيق هذه المادة إذا ثبت ضلوع جهات خارجية في هذه الهجمات.

ثانيًا: - يمثل الحلف منتدىً دائمًا لإجراء مشاورات سياسية لا تقتصر على الدول الأعضاء فحسب، بل تشمل الدول الشريكة والمنظمات الدولية الأخرى، الأمر الذي يؤدي إلى إيجاد جبهة موحدة لمكافحة الإرهاب الدولي؛ وذلك من خلال تبادل المعلومات والبيانات، وترسيخ أواصر التعاون إن لزم الأمر.

ثالثًا: - يتمتع الحلف بالقدرة على شن سلسلة متكاملة من العمليات العسكرية بمشاركة العديد من الدول، والتي تشمل القدرة على التخطيط العملياتي، وإمكانية استخدام سلسلة واسعة من الإمكانيات العسكرية في أوروبا وأمريكا الشمالية؛ وذلك لما يحظى به من بنية عسكرية متكاملة. ويحرص الحلف على الاستفادة من التجارب والخبرات التي اكتسبها خلال العمليات التي ترتبط بالحرب على الإرهاب بشكل مباشر أو غير مباشر.

يتضح من خلال ما تم عرضه في الطرح أعلاه أن محاربة الإرهاب مسؤولية دولية لجميع الدول مما يوجب تنسيق الجهود، وتبادل المعلومات، ووضع إستراتيجية موحدة تضمن الأمن والسلم الدوليين.