في الرابع من أكتوبر عام 2018، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خُطَّةً جديدة لمحاربة الإرهاب، قائلًا: "إنها تحدد نهج الولايات المتحدة في مواجهة التهديدات الإرهابية المتطورة، وتمثل أولَ خطة واضحة لمكافحة الإرهاب منذ عام 2011". تتبنى الإستراتيجية "وسائل أكثر مرونة واتساعًا، وتعالج الطيف الكامل للتهديدات الإرهابية للولايات المتحدة، ومن ذلك الأعداء في الخارج، والأشخاص الذين يسعَون للتأثير في الولايات المتحدة بالعنف. وتستخدم القوة الأمريكية الكاملة، وكل أداة متاحة لمكافحة الإرهاب في الداخل والخارج وفي الفضاء الإلكتروني". 

وتمنح الإستراتيجية الأولويةَ لمجموعة واسعة من القدرات غير العسكرية، كمنع التجنيد الإرهابي، وتقليل جاذبية الدعاية الإرهابية عبر (الإنترنت)، وبناء قدرة المجتمع على مواجهة الإرهاب.

ومن أبرز ملامح الإستراتيجية الأمريكية ما يأتي: 

أولًا: الخصم الإرهابي

تَعُدُّ الإستراتيجية من أسمتهم (الإرهابيين المتطرفين) الخطرَ الإرهابي الرئيس العابر للحدود على الولايات المتحدة ومصالحها، "لما لدى هؤلاء من أفكار متطرفة عنيفة توجِد هُويةً مشتركة تُستخدَم لإقناع المجنَّدين الجدد بأهداف الجماعات الإرهابية وتوجيهاتها، وتسمح لها بالحفاظ على التماسك وتسويغ استخدام العنف لتحقيق أهدافها".  

وقد أظهرت المنظمات الإرهابية البارزة، وبخاصة تنظيم داعش والقاعدة مرارًا، النيةَ والقدرة على مهاجمة المصالح الأمريكية، ومواصلة التخطيط لهجَمات جديدة، وإلهام الأفراد بارتكاب أعمال عنف في أمريكا. وتستغل هذه الجماعات الحكم الضعيف، وعدم الاستقرار، والمظالم السياسية والدينية، لتحقيق هدفها في القضاء على النفوذ الغربي في الدول المسلمة وإعادة تشكيل المجتمع الإسلامي.

وعلى الرغم من الجهود المدنية والعسكرية المستمرة التي تبذلها الولايات المتحدة والتحالف الدولي ضد داعش، التي قللت من أثر تنظيم داعش في العراق وسوريا، لا يزال التنظيم التهديدَ الأخطر العابر للحدود. فهو يحتفظ بالموارد المالية والمادية والخبرة اللازمة لشنِّ هجَمات خارجية، ويواصل كبار قادته الدعوةَ إلى استهداف الولايات المتحدة. وله ثمانية فروع رسمية، وأكثر من 24 شبكة في إفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط. وقد ألهم كل من التنظيمين أفرادًا لشنِّ هجَمات إرهابية في أمريكا، ومن المحتمل أن يظلَّ هذا هو السلوكَ الأكثر شيوعًا للإرهاب الأصولي هناك على مدار السنوات المقبلة. 

وتعد الإستراتيجيةُ إيرانَ أبرزَ دولة راعية للإرهاب، فهي تدعم الجماعات المسلحة والإرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وتزرع شبكة من العملاء الذين يهددون الولايات المتحدة والعالم. وتستخدم هذه الجماعاتُ، وأبرزها حزب الله اللبناني، الإرهابَ وغيره من الوسائل لتوسيع نفوذ إيران في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية وسوريا واليمن.

وهناك غيرُ قليل من الحركات الثورية والقومية والانفصالية في الخارج، غالبًا ما تعرِّض بعنفها استقرارَ المجتمعات الأمريكية للخطر. من ذلك: (حركة المقاومة الشَّمالية)، وهي منظمة قومية اشتراكية بارزة، معادية للغرب، نفذت هجَماتٍ عنيفةً تجاه المسلمين والجماعات اليسارية وغيرها. ومنها: (مجموعة العمل الوطنية النازية الجديدة) في أوروبا، ومنظمة بابار خالصة (Babbar Khalsa International) في الهند.

ثانيًا: تحديد الأولويات وتوفير الموارد 

إن تهديدات الإرهابيين متفاوتة في الخطر بحسب المنظمات والجماعات والمنطقة، لذلك تُوجَّه الأدوات والمناهج المستخدَمة في مكافحة الإرهاب عمومًا إلى الخطط الإقليمية والوظيفية، وتُعطى الأولوية للجماعات الإرهابية الأشد تهديدًا للمصالح الوطنية الحيوية.

ومن هنا يجب موازنة جهود مكافحة الإرهاب بدقة، بواسطة جميع أدوات القوة الوطنية، وأن تشمل جهودَ المتعاونين التقليديين وغير التقليديين. في حين يجب على الولايات المتحدة أن تحتفظَ بالقدرة على ضرب الإرهاب في جميع أنحاء العالم، فإن الأدواتِ غيرَ العسكرية - كإنفاذ القانون، والاستخبارات، والدبلوماسية، والتدابير المالية، وتحقيق الاستقرار والتنمية، والوقاية والتدخل، وإعادة الإدماج - ضروريةٌ أيضًا لمنع الإرهاب ومكافحته. لذا يجب الاهتمام بتطوير قدرات مكافحة الإرهاب غير العسكرية للمتعاونين المحليين والأجانب، ليتمكنوا من مواجهة الإرهابيين على نحو مستقل.

ثالثًا: متابعة التهديدات الإرهابية 

يستغل الإرهابيون المجتمع الحرَّ المفتوح في الولايات المتحدة لاستهداف المدنيين. فهم يستفيدون من التقنية مثل (الإنترنت) والاتصالات المُعمَّاة (المشفَّرة)، للترويج لأهدافهم ونشر أفكارهم المتطرفة. وفي خارج الولايات المتحدة يزدهرون في البلدان ذات الحكومات الضعيفة، التي يكون مواطنوها محرومين من حقوقهم، وكذلك يتكيف الإرهابيون في مواجهة ضغوط البلدان ذات الحكومات القوية.

الإجراءات ذات الأولوية:

1 - استخدام القدرات العسكرية وغير العسكرية في استهداف الإرهاب المهدِّد للمواطنين والمصالح الأمريكية، والضغط المستمرُّ لتعطيل الشبكات الإرهابية وإحباطها.
2 - تعزيز الوصول إلى المناطق ذات الكثافة السكانية في الخارج، التي لا يمكن الحضور المادي فيها لحماية المصالح المباشرة، فينبغي تطوير وسائل مبتكرة، والعمل مع المتعاونين لتحديد التهديدات الناشئة ومواجهتها. 
3 - التوسع في الاحتجاز لمحاربة الإرهاب؛ وذلك باحتجاز الإرهابيين لإزالة خطرهم، وتعزيز القدرة على جمع المعلومات الاستخبارية منهم، ريثما يُنقلون إلى الولايات المتحدة لمحاكمتهم جنائيًّا. 

رابعًا: عزل الإرهابيين عن مصادر الدعم 

أوجدت التطورات التقنية عالمًا مترابطًا، وسهَّلت نقل الأشخاص والأموال والمواد والمعلومات في جميع أنحاء العالم. والعمود الفِقري لهذا النظام المترابط هو تقنية المعلومات التي يستخدمها الإرهابيون لإدارة تنظيماتهم، والتخطيط لهجَماتهم، وجمع الأموال وشراء الأسلحة.

الإجراءات ذات الأولوية:

1 - تحديد هُوية الإرهابيين، واتخاذ الإجراءات القانونية تجاههم في بلدانهم الأصلية، مع احترام الخصوصية وحماية الحقوق المدنية والحريات.
2 - الاستمرار في جمع المعلومات وتبادلها عن سفر الإرهابيين وتحركاتهم، والعمل مع المتعاونين لتعزيز أمن السفر وحماية الحدود؛ لمنع الإرهابيين الفارِّين من مناطق النزاع التسللَ إلى مجتمع المدنيين. 
3 - التعاون بين القِطاعين العامِّ والخاصِّ في تبادل المعلومات عن المعاملات المالية للإرهابيين، وتطبيق العقوبات المالية، وإنفاذ القانون لحرمانهم جمعَ الأموال، وتعطيل تمويل الإرهاب، وتفكيك شبكات الدعم الإرهابي. 
4 - منع الإرهابيين من اكتساب المعارف أو الحصول على الموادِّ التي تُعينهم على تطوير أسلحة الدمار الشامل والأسلحة المتقدِّمة الأخرى، فضلًا عن تنفيذ هجَمات إلكترونية واسعة النطاق.
5 - تواصل بعض الدول استخدامَ الإرهاب أداةً علنية لسياستها الخارجية، وتقدم الدعم للإرهابيين سرًّا، مستغلةً الشبكات التجارية المشروعة. ولذلك تواصل الولايات المتحدة الحصولَ على أدلة على ممارسات هذه الدول والعمل مع الحلفاء والمتعاونين لمعاقبتها.

خامسًا: تحديث الأدوات والسلطات لمكافحة الإرهاب 

ينبغي المحافظة على استباق الهجَمات الإرهابية بواسطة تطوير قدرات الكشف، ومشاركة المؤشِّرات المبكرة مع الذين يمكنهم جمع معلومات عن المؤامرة واتخاذ الإجراءات اللازمة.

الإجراءات ذات الأولوية:

1 - تأمين الحدود من التهديدات الإرهابية، والتنسيق مـــع المتعاونين في الخــــارج لمنع الإرهابيين دخولَ الوطن.
2 - اعتماد تقنيات معالجة البيانات، وتعزيز القدرة على الوصول إلى الاتصالات الإرهابية، ومن ذلك استخـــدام التقنية وتطبيق القانون بالتعــــاون مع القطــــاع الخاص.
3 - إنشاء قاعدة بيانات لهُويات الإرهابيين، لدعم مكافحة الإرهاب وتوظيفها، ولا سيَّما البيانات البيولوجية، وتمكين المشاركة النشطة لهذه المعلومات، وتعزيز القدرات في التحليل والفرز.

سادسًا: حماية البنية التحتية وتعزيز التأهُّب

توفر البنية التحتية الحيوية في الولايات المتحدة - ومعظمها ملكٌ للقطاع الخاص - السِّلعَ والخِدْماتِ الأساسيةَ التي تُنعش الازدهار الأمريكي. وإن من الضروري تنسيق الجهود لتعزيزها وصيانتها. 

الإجراءات ذات الأولوية:

1 - تعزيز التدابير الدفاعية للبنية التحتية والأهداف اللينة، ووضع تدابيرَ للتعافي السريع للأنظمة في حالة حدوث هجوم.
2 - تعزيز التعاون مع المنظمات والأفراد وجميع مستويات الحكومة، لضمان استعداد المجتمع لمقاومة أي هجوم إرهابي والتعافي منه بسرعة، ومن ذلك احتمالُ وقوع هجوم بأسلحة الدمار الشامل.
3 - تطوير خطة الاتصالات العامَّة وتنسيقها لمكافحة الإرهاب، وتدريب المحاورين الاتحاديين والمحليين على الحوارات المجدية مع الجمهور لتعزيز ثقافة التأهُّب والمرونة.

سابعًا: مكافحة التطرف العنيف والتجنيد

على مدار الأعوام السبعة عشر الماضية أقيمت بنية قوية لمحاربة الإرهاب، وصدِّ الهجَمات، والقضاء على الإرهابيين. ولكن لم تُطوَّر بنيةٌ وقائية لإحباط التطرف وتجنيد الإرهابيين. وما لم يحدث ذلك ستمتد معركة محاربة الإرهاب إلى ما لا نهاية. لذا تقوم الإستراتيجية على إنشاء هيكل عالمي للوقاية، بمساعدة المجتمع المدني والمتعاونين من القطاع الخاص وصُنَّاع التقنية.

الإجراءات ذات الأولوية:

1 - دعم الحلول المحلية وتمكين أصحاب المصلحة وتزويدهم بالمعرفة والموارد التي يحتاجون إليها للتصدي للتهديدات الإرهابية. والعمل الوثيق مع المتعاونين الأجانب وقطاع التقنية والزعماء الدينيين وأصحاب المصلحة المحليين والدَّوليين؛ لتحديد أفضل الممارسات ومشاركتها وتعزيز أصوات التعددية والتسامح.
2 - تقويض قدرة الأفكار الإرهابية، وعرض بدائل للخروج من العنف، ومنع الأفراد أن يصبحوا أكثر التزامًا بهذه الأفكار ووسائلها العنيفة، والاستفادة من النجاحات التشغيلية والدبلوماسية والإنمائية لإظهار عدم جدوى العنف الإرهابي.
3 - زيادة قدرة المجتمع المدني على منع الإرهاب، ورفع الوعي بنشاط التطرف والتجنيد، وإبراز مناهج الوقاية والتدخل الناجحة في الداخل والخارج، ورفع قدرات المتعاونين المحليين بالتواصل والتدريب.
4 - دعم جهود التدخل الرامية إلى مكافحة الإرهاب بتحديد علامات التطرف العنيف، والعناية بها في العالم الحقيقي والافتراضي؛ لمنع الهجَمات الإرهابية، والحد من التطرف في السجون، ودعم إعادة دمج المقاتلين الإرهابيين الأجانب العائدين وأسرهم وأطفالهم في مجتمعاتهم.
5 - محاربة استخدام الإرهاب للفضاء الإلكتروني؛ لتسويق أفكارهم العنيفة، وجمع التبرعات، وتجنيد الأفراد وتعبئتهم في أعمال عنف. 
6 - إنشاء تصوُّر عملي مشترك لأنشطة دعايات الإرهابيين وسردياتهم ومكافحتها، وفهم الجماهير التي يحاولون التأثير فيها فهمًا أفضل، وإبراز أمثلة على الوسائل غير العنيفة لمعالجة المظالم.

ثامنًا: تعزيز قدرات المتعاونين الدَّوليين

بدعوة المتعاونين ذوي الموارد الجيدة (خبرات، عَلاقات في مناطق جغرافية محددة) إلى زيادة دعمهم البلدان التي تفتقر إلى الموارد والقدرات؛ لتدويل جهود محاربة الإرهاب، مع تقليل الاعتماد على مساعدة الولايات المتحدة.

الإجراءات ذات الأولوية:

1 - تأسيس مجموعات كبيرة لمكافحة الإرهاب تضم الدولَ المتحالفة، وقطاع التقنية، والمؤسسات المالية، والمجتمع المدني. 
2 - رفع قدرات المتعاونين الأجانب الرئيسين؛ بإضفاء الطابع الاحترافي على الخِدْمات العسكرية، وأجهزة إنفاذ القانون والقضاء، والمخابرات والأمن، حتى يتمكنوا من إجراء عمليات مكافحة الإرهاب بقوة وعدالة. 
3 - توسيع تبادل المعلومات مع المتعاونين؛ لتعميق فهم الطرق الإرهابية الناشئة، وتحسين القدرة على تبادل المعلومات والعمل مع المتعاونين.
4 - العمل مع أصحاب المصلحة المحليين والمجتمع المدني؛ لتخفيف المظالم التي يستغلها الإرهابيون، والعمل مع المتعاونين لتشجيع الروايات الإيجابية التي تعزز التسامح والأمن.

 بين الاستمرار والانقطاع

وصف الرئيس ترامب الإستراتيجية الأمريكية بأنها "تحوُّل في نهج الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة الإرهاب ومنعه"، إلا أنها في الواقع تُعَدُّ استمرارًا لنهج إستراتيجية إدارة الرئيس أوباما المبنية على ما قام به الرئيس جورج بوش من تكيُّف في خطته لمحاربة الإرهاب، في ولايته الثانية. وتستوعب إستراتيجية الرئيس ترامب التطورات الجديدة كظهور تنظيم داعش، وزيادة استخدام الإرهابيين وسائلَ التواصل الاجتماعي، وتحديات عودة المقاتلين الأجانب. لكن معظم الأهداف وخطط العمل تشبه كثيرًا تلك التي أصدرها الرئيس أوباما في الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب عام 2011. 

وتتبنى إستراتيجية ترامب نهجَ التعاون في محاربة الإرهاب، وتشير إلى "التعاون مع الحكومات الأجنبية بحيث تأخذ زِمامَ المبادرة ما كان ذلك ممكنًا، والعمل مع الآخرين على تحمُّل مسؤولية محاربة الإرهاب، حتى يتمكنوا في النهاية من التصدي للتهديدات الإرهابية". وهو نهج مستمرٌّ قبل مجيء الرئيس ترامب، إذ كان واضحًا بعد مدَّة من هجَمات 11 سبتمبر أن الحمَلات العسكرية الأمريكية الكبيرة لم تكن ذات أثر ناجح ومستمر في القضاء على الإرهاب. ومع توسع القاعدة في أعقاب الغزو الأمريكي للعراق، بدأت إدارة بوش في الاهتمام أكثر ببناء قدرات القوات المتعاونة لمساعدتها على محاربة القاعدة والتصدي للتهديدات الإرهابية. واستمر الرئيس أوباما على هذا النهج، وجعل من العمل مع الدول الشريكة حجرَ الزاوية في خطته لمحاربة الإرهاب. ورغم أن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تؤكد الشراكات في محاربة الإرهاب، لكنَّ كثيرًا من المراقبين يرَون الممارساتِ الحقيقيةَ لإدارة الرئيس ترامب نسفت أيَّ فرص لهذه الشراكات! فلغة الشراكة الواردة في الإستراتيجية بعيدة كل البعد عن الخطاب الشائع للرئيس ترامب، ولا سيَّما مع حلف الناتو، وفي توبيخ الحلفاء ومطالبتهم بفعل المزيد! وهو يناقض صراحةً المعارضةَ لكل الأشياء المتعددة الأطراف التي تجسدها تلك الإدارة. وهو ما أوجد حالة من عدم اليقين لدى حلفاء الولايات المتحدة والمتعاونين معها. فقد عبَّر صُنَّاع سياسة محاربة الإرهاب في أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط وجنوبِّ آسيا عن قلقهم بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة لا تزال معهم في هذه المهمة، مع أن الإستراتيجية تؤكد أن "أمريكا أولًا، لا تعني أمريكا وحدَها" فإن كثيرًا من حلفاء الولايات المتحدة يخططون للاحتمال الذي تصبح فيه "أمريكا أولًا" في الواقع يعني "أمريكا وحدها". 

وكشف التقرير السنوي الأخير الذي أصدرته وكالة تطبيق القانون الأوربية (يوروبول) عن واقع الإرهاب وتوجهاته في الاتحاد الأوربي عن هذه المخاوف، مؤكدًا أن إدارة ترامب تهتم بالصراع مع المنافسين الدَّوليين أكثر من اهتمامها بمحاربة الإرهاب والشراكة مع حلفائها في هذه المحاربة. 

 كي تنجح الشراكات

لم تغفل الإستراتيجية ما ينبغي على الولايات المتحدة عمله مع الدول الشريكة لمعالجة عوامل الخطر المجتمعية للتطرف والتجنيد، كسوء الإدارة، وفِقدان سيادة القانون، والحرمان الاقتصادي، بتعزيز الإصلاحات السياسية والتنمية الاقتصادية، وهي أمور مكلفة، وتتطلب استثماراتٍ كبيرةً من الولايات المتحدة وشركائها لا يُتوقَّع أن تقدمها في ظل سياسة ترامب القائمة على قطع المساعدات التنموية.

وتتمثل إحدى نِقاط ضعف الإستراتيجية في عدم قدرتها على الاعتراف الكامل بمتطلبات الاعتماد الأقل على الجيش في محاربة الإرهاب بمعالجة الأسباب الجذرية للإرهاب. ولا تناقش الإستراتيجية كيف ستعمل الحكومة الأمريكية على مواجهة التحديات، وكان عليها أن تُعنى جدِّيًّا بمظالم السكان المحرومين، وتقدم المساعدات وغيرها من الأدوات المدنية لتمكين الحكومات والمجتمع المدني من الاستجابة بقوة لهذه المظالم، قبل قيام الجماعات الإرهابية بتجنيد الأفراد.

وتظهر الفجوة مرة أخرى بين نصوص الإستراتيجية وسياسة الولايات المتحدة، فعلى عكس محاربة الإرهاب حيث تظهر الحكومات وقوات الأمن وأجهزة الاستخبارات منظومةً متعاونة مع الولايات المتحدة، فإن منع الإرهاب يتطلب التعاون مع منظمات المجتمع المدني والجهات النشطة غير الحكومية الأخرى. ومع هذا لم تفعل إدارة ترامب شيئًا مجديًا لدعم المجتمع المدني في البلدان الأخرى.

الإرهاب المحلي

اعتنت الإستراتيجية بتهديدات الإرهابيين المحليين، وتشير الوثيقة إلى أن "الإرهاب الداخلي يمثِّل تهديدًا حقيقيًّا"، لكن بسبب جعل الرئيس ترامب المتشدِّدين الإسلاميين موضعَ اهتمامه، ومغازلة اليمين المتطرف في الولايات المتحدة، لا يُتوقَّع أن تتخذ إدارته من الإجراءات ما يتفق مع متطلبات مواجهة هذا التهديد. ويورد الدكتور ستيفن تانكيل، المستشار السابق في البنتاغون وزميل مركز الأمن الأمريكي الجديد، تحديين يحولان دون تطبيق ما ورد في الإستراتيجية عن مواجهة تهديدات الإرهاب الداخلي هما: تحدٍّ قانوني؛ إذ يعرِّف القانون الأمريكي الإرهاب المحلي، لكنه لا يحدد أي عقوبات مرتبطة به. لهذا السبب أُدين تيموثي مكفي منفِّذ تفجيرات أوكلاهوما سيتي بالقتل، وأُدين ديلان ستورم روف المعتدي على كنيسة للسُّود في تشارلستون بولاية كارولاينا الجنوبية بجرائم كراهية اتحادية، مع أن جرائم الرجلين تفي بوضوح بالتعريف الأمريكي للإرهاب. وهذا النقص في الوضوح يقيِّد إنفاذ القانون في الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب المحلي بأكبر قدر ممكن من النشاط، ويتطلب تصحيح هذا النقص من الكونغرس تعديلَ القانون، وهو أمر لا يبدو سهلًا. إن اعتراف الإستراتيجية بالإرهاب الداخلي أمرٌ يستحق الثناء، لكنه لن يكون ذا معنى إلا إذا تبعه اتخاذ إجراءات عملية، كتخصيص مزيد من الموارد الحكومية لمكافحته، ومنح جهات إنفاذ القانون الأدوات التي تحتاج إليها لملاحقة الإرهابيين المحليين ومؤيديهم. 

أما التحدي الآخر فهو سياسي، وتحديدًا سياسة الرئيس ترامب الذي يُعَدُّ المتطرفون اليمينيون من أبرز مؤيديه. إن عددًا من الجهات النشطة التي تعمل تحت مظلة التطرف اليميني أو تشارك في أعمال عنف متطرفة في الولايات المتحدة نشطت أو زاد نشاطها بانتخاب الرئيس ترامب، إذ قام أعضاء (كوكلوكس كلان) وأعضاء الميليشيات اليمينية والنازيون الجدد، بمسيرات جنبًا إلى جنب في التجمعات المؤيدة لترامب.

 مسارات متضاربة

تسلك الإستراتيجية مسالكَ متضاربة عندما تجعل الحرب على الإرهاب على غِرار الحرب الباردة، بوصفها حربًا ضد ما تصفه بأنها "أفكار شمولية شرِّيرة تتحدى الطريقة الأمريكية للحياة". في حين يتحدث جزء آخر من الإستراتيجية عن منع الإرهاب، والحاجة إلى بناء تحالف أوسع لمكافحته. وتقول الدكتورة جيسيكا تريسكو داردن، زميلة معهد أمريكان إنتربرايز (AEI): يصعُب التوفيق بين هذين المنظورين في مكافحة الإرهاب. وتضيف: إن أكبر عيب في الإستراتيجية هو عنايتها المفرطة بالأفكار وتحديد "الجماعات الإرهابية الإسلامية المتطرفة" كونها تهديدًا وجوديًّا للولايات المتحدة، وتأطير مواجهته بوصفه حربًا باردة جديدة "ستهزم الولايات المتحدة أعداءنا فيها، مثلما هزمنا مزودي القمع والفاشية والشمولية في الحروب السابقة". 

وتؤكد جيسيكا تريسكو أن اهتمام الإستراتيجية الكبير بالإسلام السياسي وحدَه هو مشكلة لعدَّة أسباب:

أولًا: تبالغ الإستراتيجية في تقدير درجة التهديد الذي يتعرض له المواطنون الأمريكيون والمصالح الوطنية من قِبَل جماعات مثل داعش والقاعدة.
ثانيًا: عندما ترى الإستراتيجية أن مكافحة الإرهاب جزء من نزاع ثقافي واسع، فإنها تشتطُّ في تقدير تأثير الدعاية والاتصالات، كونها مصادرَ للتعبئة الإرهابية وحلولًا لها، وهو ما يسهم في الإهمال المستمرِّ للمظالم الحقيقية التي تدفع كثيرًا من الناس في البلدان النامية إلى الإرهاب.
ثالثًا: من المرجَّح أن يؤديَ الاستهداف الصريح للجماعات الإسلامية إلى تعقيد التعاون في مكافحة الإرهاب في عدد من البلدان، إذ تؤدي الجماعات الإسلامية عملًا مهمًّا في العملية السياسية، وقد يتسبب ربط الإسلام "بالأفكار العنيفة والمتطرفة والملتوية التي تدعي تسويغَ قتل الضحايا الأبرياء" في توقف التعاون مع كثير من البلدان المسلمة في محاربة الإرهاب.