لا شك أن للإعلام دورًا مهمًا وكبيرًا في تكوين القناعات ووجهات النظر في الحياة المعاصرة، ولم يعد التأثير حصرًا على الإعلام الرسمي للدول، ولا على مراكز صنع القرار الإعلامي السياسي الدولي أو الإقليمي أو المحلي، بل أصبح كل حزب أو تجمع أو تنظيم - مهما كان صغيرًا - صاحب منصّة أو موقع إعلامي يخاطب أتباعه وأعداءه والعالم أجمع، بل أصبح الأشخاص مهما كانت هويتهم الفكرية أو القومية أو الإثنية أو الدينية أو السياسية، أصحاب مواقع إلكترونية مفتوحة على كافة الناس، المقصودين بالخطاب أو غيرهم، وهذه الصورة الإعلامية المعاصرة تحمل مبشرات وإنذارات كبيرة، فقد تستخدم هذه المواقع بما ينفع الناس ويرشدهم للخير، وقد تستخدم بما يضُرُّ الناس ولا ينفعهم ويعود عليهم بالشر والهلاك، ولذلك ينبغي النظر إلى الساحات الإعلامية اليوم على أنها ميادين مواجهة إعلامية، فبعضها يخوض معاركه الفكرية أو الدينية أو الحضارية أو السياسية على مواقع التواصل الإلكترونية أكثر مما يخوضها على أرض الواقع، وخطورته أنه قد يتسبب بسفك الدماء وصناعة الأعداء، والعداء بين المتخاصمين أكثر مما لو كان في أرض المعركة، فكيف يكون الحال والعالم المعاصر مليئًا بالدعوات إلى العنف والصراع وإلغاء الآخر :الديني أو الحضاري أو الجغرافي، سواء باسم كراهية الشرق أو صراع الحضارات أو كراهية الإسلام لذاته باسم الإسلاموفوبيا، أو كراهية الغرب أو دوله أو شعوبه أو غيرها، فأصحاب الدعوات الإرهابية ليست حصرًا على أتباع دين معين أو قومية أو قارة في العالم.


إن المسؤولية الإعلامية تزداد أهمية عندما تصبح المواجهة مع الأحزاب والتنظيمات الإرهابية، التي تتبنى الأعمال الإرهابية وتشرعنها بوجهة نظر طائفية -وليست دينية- من خلال رسالتها وأجهزتها الإعلامية، سواء التي تجد دعمًا رسميًا من الدول الراعية للإرهاب، أو التي تخترق الدول وتقيم على أراضيها معسكرات إرهابية أو تدعي إقامة إمارات أو دول وهمية، لا تمارس من خلالها إلا الإرهاب الذي يضعف تلك الدول ويرهق شعبها ويدمر اقتصادها، فهذه الأحزاب والتنظيمات والمليشيات الإرهابية لها رسالتها وأجهزتها الإعلامية أيضًا، والمواجهة معها لا تتوقف على ميادين الحرب العسكرية والملاحقات الأمنية، بل لا بد من تأسيس الأجهزة الإعلامية المختصة، وتكوين الخبراء الإعلاميين الفنيين، ووضع الخطط الإعلامية العلمية التي تخوض معها المعارك الإعلامية أيضًا، فالتنظيمات الإرهابية تمتلك اليوم أجهزة إعلام إلكترونية ومواقع على الإنترنت استطاعت استخدامها لكسب الأنصار والمؤيدين والأتباع في السنوات القليلة الماضية، أكثر مما كانت تتوقعه الأجهزة الأمنية المتابعة لهم، وهذا يفرض على أجهزة دول التحالف الإسلامي التي تواجه الأحزاب والتنظيمات الإرهابية معرفة أسباب نجاح الإعلام الإرهابي في إيصال رسالته أولًا، وأسباب كسبه للمؤيدين والأتباع من مواطني تلك الدول ثانيًا، ووضع الخطط التي تواجه تلك الحملات الإعلامية الإرهابية بما يتفوق عليها إعلاميًّا ثالثًا، ودحض أفكارها الإرهابية وتقديم البديل المقنع عنها رابعًا، فمجرد ادعاء دحض الأفكار الإرهابية من دون تقديم البديل عنها لا يجعل العلاج شافيًا ولا كافيًا.

لقد كان تشكيل التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب خطوة ضرورية وحكيمة لحماية شعوب دول التحالف والأمة الإسلامية من الأحزاب والتنظيمات الإرهابية، واهتمام قيادة التحالف الإسلامي العسكري بإطلاق البوابة الإلكترونية التي تعنى بالجانب الإعلامي في هذه الحرب على الإرهاب، هو دليل على توجه حكيم وناجح، فيمكن القول :إن تجاهل الجانب الإعلامي يعد تجاهلًا لجزء مهم من أرض المعركة في الحرب على الإرهاب، كما أنه يعطي الإرهابيين ساحات واسعة للانتصار فيها، مستخدمين العاطفة المذهبية الطائفية والأفكار المتطرفة والمنحرفة والحاقدة؛ لتمرير مشاريعهم وتجنيد أتباع لهم، يحملون نفس الأفكار والأطماع والانحراف الفكري والعاطفة الطائفية الإرهابية.

ويعدّ رسم معالم العلاقة بين الإعلام والإرهاب ذا أهمية بالغة، ومكتسبة من أهمية الانتصار في هذه المعركة العامة ضد الإرهاب، ومن المعركة الإعلامية الخاصة ضد الإرهاب والإرهابيين، فإعلام التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب بحاجة إلى خطاب إسلامي معاصر، مبنيّ على عقيدة إسلامية وسطية واضحة ومقنعة، وتدعو إلى النهج النبوي المدني السلمي، القائم على الرحمة بالناس جميعًا، وتقبل المخالف في الانتماء الديني داخل المجتمع الإسلامي، أو مع الدول والمجتمعات والحضارات التي لا تعتدي على المسلمين، بل إن الاسلام أمر المسلمين أن يبرّوا بمن لا يعتدي عليهم ولا يقاتلهم على دينهم، وأن يعاملوهم بالحسنى دون كراهية ولا صدام ولا صراع حضاري، بل بالدعوة إلى التعارف والتعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان.


إن على دول التحالف الإسلامي العسكري المطالبة بالدعوة إلى الحوار العالمي لنبذ الكراهية الدينية بين الدول في العالم، والمطالبة بأن تسمع موقفها لزعماء الدول التي تتهم الإسلام بالإرهاب ومطالبتهم بعدم زج اسم الإسلام في تصريحاتهم السياسية والأيديولوجية التي تحارب الإرهاب، لأن هذه التصريحات تخدم الإرهابيين في العالم، فضلًا عمّا فيها من مغالطة علمية وتاريخية وحضارية، فقد كان الإسلام محور العلاقات الدولية الحسنة في التاريخ أولًا، والإسلام ينبغي أن يكون أفضل سلاح في مواجهة التوجهات الطائفية المنحرفة عن الإسلام في الحاضر، والتي ترتبط اليوم بكافة الأحزاب والتنظيمات والمليشيات الإرهابية في الشرق الأوسط والعالم.


إن أخطر ما في الحملات الإعلامية الدولية التي تربط الإرهاب بالإسلام أنها توفر للإرهابيين قدرة إعلامية على جمع الأنصار والمؤيدين الإعلاميين لمواقفها، بوصفها تدعي الدفاع عن الإسلام، فالأصول الفكرية الأولى لدعوات التنظيمات الإرهابية المعاصرة أنها تدعي تبني محاربة الدول الغربية الكبرى التي تعادي الإسلام والمسلمين، وأنها هي التي تدافع عن الإسلام والمسلمين ضد المشاريع العالمية الغربية والصهيونية التي تحارب الأمة الإسلامية، وسواء كانت تلك الأحزاب والتنظيمات الإرهابية صادقة أو كاذبة، فإنها سرعان ما تنحرف في سلوكها وإعلامها لتصبح أحزابًا وتنظيمات ضد الدول الإسلامية وشعوبها، وسرعان ما تصبح أهدافها قتل المسلمين أكثر مما تقتله من أعدائها الأصليين، وهذا انحراف كبير، لا يقبل به عقل ولا شرع ولا دين.


إن البوابة الإعلامية الإلكترونية لدول التحالف الإسلامي العسكري مطالبة بفتح محاور نقاش ودراسة لأفكار كل الدعوات والتنظيمات الإرهابية بطريقة معرفية وعقلية وعلمية وشرعية، وإسقاط ادعاءاتها بالحجة والبينة والدليل الشرعي والعقلي والسياسي، حتى لا يقع الشباب المسلم ضحية الخطاب الديني الذي يحرض على استخدام القوة المسلحة والعنف في محاربة الآخر بكل أشكاله وأنواعه، وهنا تبرز أهمية التركيز على توصيف التحالف الذي يواجه الإرهاب بالتحالف الإسلامي؛ لأن هناك من يريد حصر خطابه الإعلامي بترويج أن الإسلام مصدر الإرهاب العالمي، بينما الواجب التحالف مع الإسلام في محاربة الإرهاب، ولذلك كان من الحكمة تسمية التحالف العسكري ضد الإرهاب بالتحالف الإسلامي، وإبراز الإعلامي المسلم للهوية الإسلامية في التحالف العسكري ضد الإرهاب أمر أساسي لتحقيق اهدافه، والرد على أعدائه.