لا يمكن مقارنة التطرف بما فيه من انحرافات وما يتمخَّض عنه من عنف، بحجم ما يحدُث في بعض دول غرب إفريقيا، ولا سيَّما غانا التي تعد واحدة من أهمها. فقد مُنيت هذه الدولُ بمشكلات كثيرة منها: ارتفاع أعداد الشباب، وتفشِّي البَطالة في صفوفهم، وانتشار الفقر، وضعف التعليم، وضعف مؤسَّسات الشرطة التي أرهقتها عمليات التسييس في البلاد، فضلًا عن الفضاء السيبراني العشوائي. وكلُّ هذا من شأنه أن يعرِّضَ الشباب للتطرف والتطرف العنيف، مما يفقدها أس وأساس النهضة والتقدُّم والاستقرار ما لم تعالج هذه المشكلات.

الأسباب الجذرية للتطرف
تأثرت غانا مثل باقي الدول في غرب إفريقيا بالتطرف والتطرف العنيف، وتُعزى الأسبابُ الجذرية للتطرف العنيف فيها، في المقام الأول، إلى تضخُّم أعداد الشباب وتفشِّي البطالة في صفوفهم. يقول مولر الباحثُ في مجال التطرف العنيف: "إن تضخم أعداد الشباب العاطلين من العمل من الناحية النظرية يمكن أن يؤدِّيَ إلى زعزعة استقرار البلدان". وتشير الإحصاءاتُ إلى أن عدد سكَّان غانا بلغ 31 مليون نسمة هذا العام 2020م، وتبلغ نسبةُ الشباب الذين هم دون 25 عامًا نحو %57. 

وفي هذا السياق كشف تقريرُ البنك الدَّولي عام 2018م حقائقَ عن الوظائف في غانا، مفيدًا أن نحو %48 من الشباب في البلاد، ممن أعمارُهم بين 15 و24 عامًا، ليس لديهم وظائف. يُذكر أن غياب الوظائف لهذه الفئة من السكان، وهم في أوائل الصِّبا وبواكير الشباب، يُعَدُّ عاملًا محفِّزًا للانزلاق في هاوية التطرف العنيف. وإن العجز في الوظائف يشيرُ إلى ضآلة الدخل للشباب، ما يخلِّفُ آثارًا بيِّنة في مستوى الفقر في البلاد.

ومع أن مستويات الفقر انخفضَت في جميع أنحاء البلاد في العِقدَين الماضيين، من %56.5 عام 1992م إلى %24.2 عام 2013م، لا يزال الفقرُ يخيِّم بثقله بإجحاف دونما توازن على فئة الشباب، ويضرب شمالَ البلاد أكثر من جنوبها. ويُسعف التقرير المعني برسم خرائط الفقر في غانا عام 2015م المقاطعاتِ الشماليةَ بالدعم والتحليل لتلبية الحاجات الأساسية؛ من ذلك على سبيل المثال، بلغت نِسَب الفقر في شرق جونجا %84.2، وفي بولي %74.4، وفي كبانداي %76.9، وفي غرب باوكو %68.1، وفي غرب ووا %92.4، وهذا ممَّا يفتح البابَ على مصراعيه لرياح التطرف العنيف التي تُغير على مواطن الضعف النسبية شمالَ البلاد، لينهشَ الصراع المحتمَل فئةَ الشباب.

وإن استغلال الشباب للفضاء الإلكتروني عاملٌ آخرُ يُلهب سعيرَ التطرف العنيف. والحق يُقال: إن الفضاء الإلكتروني يتيح فرصًا تجارية متنوعة، إلا أن الشباب ترنَّحت عقولهم في متاهة التطرف عبر الإنترنت، وأغوتهم مُغرِيات التجنيد في المنظمات المتطرفة خارج البلاد. من ذلك مثلًا: انضمَّ ثلاثة أفراد إلى صفوف داعش عام 2015م؛ وهم رفيق وشاكيرا محمد ونذير نورتي عليما (خريج جامعة كوامي نكروما للعلوم والتقنية). وكشفت إحدى المقابلات أن خروج هؤلاء الأفرادِ من مجتمعاتهم والانضمام إلى داعش تأثر ببدهان ديالو، الطالب الأصولي في جامعة غانا من ليغون، الذي انضمَّ سابقًا إلى داعش في 2015م. لقد مسَّ هؤلاء الأفرادَ المجنَّدين نصيبٌ كبير من غسل الأدمغة، وانزلقت أرجلهم في لجَّة التطرف، في شبكات التواصل الاجتماعي. وتُظهر هذه الحوادثُ مستوى ضعف الفضاء السيبراني، ومدى تحوُّل مؤسَّسات التعليم العالي إلى أرض خِصبة لحمَلات التبشير، وتجنيد الشباب الأبرياء، والزجِّ بهم في شبكات متطرفة وإرهابية خارج البلاد.

مظاهر التطرف العنيف 
تتمتع غانا بالتعدُّدية العِرقية، ويقدَّر عددُ سكَّانها بنحو 31 مليون نسمة. وبحسَب تقديرات عام 2010م، تبلغ الطائفةُ المسيحية ما نسبته %71.2، والمسلمون %17.6، ومعتنقو الديانات التقليدية %5.2، ومعتنقو الديانات الأخرى %0.8، والملحدون %5.2. ويسود التعايشُ السِّلمي عمومًا في أوساط أتباع الديانات المختلفة، وقد يشوبُ هذا الانسجامَ كيلُ الاتهامات المتبادلة عرَضًا، فضلًا عن المضايقات والاعتداءات المتعلِّقة بإجبار غير المسلمات على ارتداء الحجاب في المدارس الإسلامية، وإجبار المسلمين على حضور قُدَّاس الكنيسة في المدارس التبشيرية المسيحية، والشكاوى من الضوضاء والصخَب الصادر عن أنشطة الطوائف الدينية المختلفة. 

ومن القضايا الرئيسة التي باتت تؤرِّق المجتمعَ الغاني في الآونة الأخيرة قضيةُ الحجاب في المؤسَّسات من المستوى الثاني. ونتيجة لذلك، أشعلت شكاوى التحرُّش بالفتيات المسلمات فتيلَ الاحتجاجات، وتجمهرت الحشودُ في الوقت نفسه في أكبر ثلاث مدن في غانا وهي: أكرا، وكوماسي، وتامالي، في 12 أكتوبر 2019م. وانتهت هذه الاحتجاجاتُ والاتهامات المتبادلة إلى التهدئة، وجنحَ المحتجُّون إلى السِّلم، ولم تبلغ هذه الاحتجاجاتُ مبلغَ العنف. 

ومع ذلك، فإن ما كان مصدرَ قلق أمني في الماضي هو تبنِّي وجهات النظر المتطرفة والهجَمات العنيفة التي بدأت تتأجَّج بين طائفتين من المسلمين؛ الطائفة التجانية الصوفية وأهل السنَّة والجماعة. والسبب الرئيسُ لهذا النزاع هو الاختلافُ في العقيدة وفي تأويل كلام الله لدى كلِّ جماعة.

وتضمُّ غانا أيضًا جماعات دينيةً من غير أهل السنَّة مثل الحركة الأحمدية والشيعة، ولم يرد في تاريخها سوى تصدُّعات محدودة من التطرف العنيف. بدأت حركة أهل السنَّة والجماعة والحركة التجانية تتراشقان بالتعابير المحمومة بالعنف من أواخر الستينيات إلى التسعينيات الميلادية. في حين إن الدعوة للعودة إلى جادَّة الإسلام الحنيف الحقِّ كانت مهمَّة جدًّا، إلا أنها تحدَّت الوضع الحاليَّ للحركة التجانية الصوفية، مع اعترافها أيضًا بالتقاليد جزءًا من الممارسة الإسلامية. وتلقَّت حركة أهل السنَّة والجماعة صفَعات في موجات المقاومة؛ نتيجةً للمنهج الذي تبنَّته في الوعظ والإرشاد الديني، وأحدثت بذلك سلسلةً من الهجَمات المتبادلة كان العنفُ في رأس الحربة في عدد من المدن والبلدات في جميع أنحاء البلاد مثل كوماسي، وتامالي، وتيكيمان، وأتيبوبو، وأسوكور، وأجورا. على سبيل المثال: سُجِّلت في تامالي سلسلةٌ من المواجهات بين أهل السنَّة والجماعة والحركة التجانية في الأعوام 1969م، و1976م، و1977م، و1997م، و1998م. ومع أن هذه المواجهاتِ العنيفةَ قد تراجعت تراجعًا كبيرًا في العِقدَين الماضيين بسبب الهياكل المؤسَّسية، مثل إنشاء تحالف المنظمة الإسلامية، والتغيُّرات في منهج الوعظ والإرشاد الديني، لا تزال تتكرَّر حوادثُ العنف بين حين وآخرَ عرَضًا في شمال البلاد، ولا سيَّما في تامالي.

في أروقة السياسة والانتخابات
حمَّى التنافس في السُّلطة السياسية في غانا ترفع شعارًا كُتب عليه بالحبر الأبيض "النجاح أو الموت"، وهو شأنٌ سياسي بخِيارين لا ثالثَ لهما. ومردُّ ذلك إلى تفشِّي البطالة وضعف التعليم في صفوف الشباب إلى حدٍّ كبير، وبذلك تتغلغل في عقول الشباب مُغرِيات تجنيدهم، وإساءة استخدامهم كبلطجية وحرَّاس أمن شخصيين للسياسيين، في أثناء الحمَلات الانتخابية وأيام الاقتراع. وباتت هذه المجموعاتُ الشبابية (مثل الجزيرة وقوَّات الناتو والقاعدة وشباب قندهار وقوَّات دلتا) توصَفُ بأنها مجموعات أهلية، تبثُّ الرعب وتنشر الخوفَ في قلوب المعارضين السياسيين في جميع أنحاء البلاد. 

في فبراير من عام 2019م، انتظم حرسٌ من الشباب تربطهم عَلاقاتٌ بالحزب الوطني الجديد الحاكم في هجَمات وُصِمت بالعنف، في أثناء انتخابات أياواسو الغربية ووغون. وعلى غِرار هذا ارتكبت الجماعاتُ الأهلية المرتبطة بالمؤتمر الوطني الديمقراطي المعارض أعمالَ عنف في شيريبوني 2009م، وفي أتيوا 2010م، وأكواتيا 2012م، وتالنسي 2016م. وفي معظم هذه الحالات لم تُظهر الشرطة القدرةَ والكفاءة المهنية لاعتقال الجناة ومحاكمتهم، بدعوى أنهم ينتمون إلى الحزبين السياسيين المشاركين في السُّلطة. ونتيجة لذلك دخل قانونُ الحراسات الأمينة والجرائم ذات الصِّلة (القانون 999) حيِّزَ التنفيذ عام 2019م للحدِّ من هذا التهديد. ومع ذلك فإن عملية تسجيل الناخبين في المدَّة بين 2 يوليو و6 أغسطس 2020م، شابتها أعمالُ عنف شديد على أيدي جنود المشاة من كلا الحزبين، ما ألحق أضرارًا جسيمة بالممتلكات، وتسبَّب في حوادث إطلاق نار، وقتل أحد المدنيين الأبرياء في باندا بمنطقة بونو الشرقية.

الاستجابات وردود الفعل 
إن قانون مكافحة الإرهاب عام 2008م وُضع لمكافحة الإرهاب وكشف الأعمال الإرهابية وقمعها في غانا، إلا أن هذا القانونَ لم يستبصِر طرقًا خاصَّة للتعامل مع التطرف. ومن ثمَّ، وإدراكًا لخطر التطرف وما ينطوي عليه من تعابيرَ تضرب أمن البلاد، وافقت وزارةُ الأمن القومي على وثيقة "الإطار الوطني لمنع التطرف العنيف والإرهاب في غانا" لتُظهرَ طبيعة التهديد وخفاياه في البلاد. وتتألف هذه الوثيقة من أربعة أسُس، هي: المنع، والاستباق، والحماية، والاستجابة. 

ويهدِفُ المنع في هذا البرنامج إلى معالجة الأسباب الجذرية للتطرف الذي يسرطن خلايا الفكر والسلوك، ويفجِّر الألغام المزروعة على طريق التطرف العنيف؛ بتقليل نِقاط الضعف، وبناء القدرة على الصُّمود، ويشدِّد على رفع مستوى التعليم والوعي بين أطياف المجتمع. في حين تسعى الإجراءات الاستباقية إلى إنشاء أنظمة إنذار مبكِّر وطنية، ومركز لتقييم مخاطر الإرهاب؛ لاكتشاف التهديدات المتطرفة، والحيلولة دون وقوعها في البلاد.

وتحدِّد هذه الوثيقةُ بأسُسها الأربعة الحاجةَ إلى إشراك منظمات المجتمع المدني المحلِّية، ووسائل الإعلام، وزعماء الطوائف الدينية بجميع أطيافها في هذه الجهود.

وضمن مؤسَّسات الدولة، تُبدي الشرطة تعاونًا وثيقًا مع الأجهزة الأمنية الأخرى، مثل القوَّات المسلَّحة الغانية، ودائرة الهجرة في غانا، وقسم الجمارك في هيئة الإيرادات الغانية، ومكتب التحقيقات الوطنية، وإدارة التحقيقات الجنائية، ومركز الاستخبارات المالية، ووحدة الاستخبارات المالية؛ لإنشاء وسائلَ وقائية واستجابة للحوادث. ومع ذلك فإن هناك مَعُوقات تُرهق مسارَ التعاون كالافتقار إلى الانسجام التشريعي، ونقص التدريب والتمارين المشتركة، والغرور الشخصي، والشعور بالتفوُّق المؤسَّسي، والسعي وراء المصالح الشخصية والتضحية بالمصالح الوطنية. وفي ضوء هذه التحدِّيات يشارك مجلسُ السلام الوطني ومنظماتُ المجتمع المدني مثل شبكة غرب إفريقيا، في بناء السلام، ورصد النزاعات، ونزع فتيل الصراعات، وتشخيص المصادر المحتملة للتطرف ومعالجتها في البلاد.

خاتمة القول
لا يخامر العاقلَ البصير أدنى شك في أن التطرف ومظاهره العنيفة، مهما تخفَّى تحت عباءات السلوك، لا يزال مصدرَ قلق حقيقي في البلاد؛ لمستوى الضعف الذي يُنهك البلادَ، ويضرب أسُسها وأركانها. ولا يمكن إنكارُ وجود وسائلَ تشريعية ومؤسَّسية لكبح التهديد وتقليم مخالبه، لكن يجب بذلُ مزيد من الجهود الجادَّة والمنهجية لمعالجة الأسباب الجذرية للتطرف؛ أي لاستنباط حلول لمعالجة تفشِّي ظاهرة البطالة المنتشرة بين صفوف الشباب، ووضع سياسات إصلاحية وتنفيذ خطط علاجية تُسعف الأسرَ الفقيرة، وتهدم الممارسات التي بُنيت على عدم المساواة؛ تحقيقًا للعدل. ومع ذلك لن تؤتيَ هذه الحلوُل ثمارها إلا عندما تنأى المؤسسةُ السياسية بنفسها عن عمليات الشرطة المهنية في البلاد.