البيعةُ عند الجمـــاعات الإرهابيــــــة هي تعهدٌ بالولاء للمنظمات وقياداتها. وتُعَدُّ البيعة تعبيرًا طوعيًّا من الأعضاء المنتمين إلى هذه الجماعات عن استعدادهم التامِّ للاستجابة لأي أوامرَ تُصدرها قياداتهم. ومن هنا كانت مبايعةُ أبي مصعب الزرقاوي لأسامة ابن لادن في أواخر عام 2004، التي أثارت حفيظةَ بعض أنصاره لدى تقديمه فروضَ الطاعة والولاء. وفي عام 2012 أعلنت جماعة الشباب الصومالية الإرهابية الولاءَ لتنظيم القاعدة. وفي سنغافورة أعلن إبراهيم معادن الولاءَ لأبي بكر باعشير الإندونيسي، أحد مؤسسي الجماعة الإسلامية الإرهابية في جنوب شرقّ آسيا، وتربطها عَلاقات مع تنظيم القاعدة.

أما تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، فقد أكَّد أبو محمد العدناني، المتحدث الرسميُّ للتنظيم، أهميةَ توثيق بيعة أي جماعة بعيدة قبل الاعتراف بها رسميًّا بوصفها ولايةً أو محافظة تابعة لداعش. ولكي تبقى البيعة نافذةً ينبغي ألا يستغرقَ اختيار خليفة لأبي بكر البغدادي مدةً طويلة بعد وفاته. لذا سارع التنظيم إلى اختيار أمير محمد عبد الرحمن المولى الصلبي، الذي ينحدر من الأقلية التركمانية في العراق، خلفًا للبغدادي، لضمان استمرار أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية على نهجهم القائم على تقديم فروض الطاعة والولاء إلى الجماعة.
 
لقد أساء تنظيم داعش فهمَ تطبيق نهج البيعة، ولذلك جاء هذا المقال ليؤكِّد أنه ليس كلُّ مَن بايع داعش ملزمًا بطاعة الجماعة والالتزام بأوامرها لتنفيذ فظائعَ لا تمتُّ إلى تعاليم الإسلام وسماحته بصلة! ويتناول المقال الجماعات المختلفة التي كانت ملزمةً بحكم تنظيم الدولة الإسلامية، ويبحث في الحكم الشرعي الإسلامي للبيعة، والحل الذي يؤدِّي إلى نقض البيعة من طرف مؤيدي داعش.
 
البيعة والمؤيدون
يتجلَّى تأثير البيعة بوضوح في الجماعات المختلفة نوعًا وموقفًا وأفرادها المرتبطين بتنظيم الدولة الإسلامية، في السجون، وفي مخيَّمات النزوح التي أقيمت منذ سقوط داعش في العراق والشام، في أوائل عام 2019.
وعمومًا، تعيش ثلاث جماعات ضمن هذه التجمُّعات السكنية: 
 
الجماعة الأولى: أنصار داعش المتشددون، الذين ما زالوا موالين لبيعتهم. فهؤلاء قبلوا على مضض هزيمةَ التنظيم، لكنهم استمروا في إحياء نضالهم بنشر تعاليم داعش والترويج لها. وأدى ذلك إلى إظهار نساء داعش وأطفاله الأجانب سلوكًا عنيفًا تجاه نظرائهم من السوريين أو العراقيين، واصفين إياهم بالكفَرة، على حدِّ زعمهم وفهمهم غير الصحيح، مثل رشقهم بالحجارة وشتمهم وتهديدهم. وقد لجأ بعضهم إلى استخدام علب الطعام ذات الأطراف الحادة لقطع خيامهم وترويعهم. وتشير التقارير الميدانية أيضًا إلى أن بعض النساء التحقنَ بلواء الخنساء، وقُمنَ بعمل المجنَّدات ومروِّجات الدعاية لصالح الجماعة.
 
والجماعة الثانية: أنصار داعش السابقون، الذين أدركوا أن التنظيم قد أخفق في إقامة (الخلافة الإسلامية) المزعومة. وكان هذا الإدراك نتيجةً لمشاهدة الفظائع والقسوة والظلم والفساد الذي حدث في أثناء تأسيس (الخلافة). وقد أبدى هؤلاء مزيدًا من الحرص على التخلِّي عن هذه الجماعة والابتعاد عنها. ومع ذلك، فقد كانت البيعة التي عقدها بعضُهم في الماضي حاجزًا منعهم من المضيِّ قدُمًا. فقد ضُلِّلوا بالتفاسير المغلوطة والفهم المنحرف لحديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "مَن خرجَ من الجماعة قِيدَ شِبر، فقد خَلَع رِبقَةَ الإسلامِ من عُنقِه حتى يُراجعَه، ومَن ماتَ وليس عليه إمامُ جماعةٍ فإن موتتَه موتةٌ جاهلية".
 
وتمثل البيعة لهذه الجماعة فخًّا نفسيًّا يقع في براثنه أيُّ فردٍ يترك الجماعةَ أو يخالف أوامرَ قادتها. وعلى هذا يكون قد ارتكب إثمًا كبيرًا ونزل به سخَط الله، ويمكن أن يُوصف بالخيانة، وقد يعرِّضه ذلك إلى مخاطرَ أخرى، فتجتمع عنده هذه الأسباب كلُّها، وتمنعه من نقض البيعة والتراجع عنها. 
 
والجماعة الأخيرة: هم الذين قُدِّر عليهم أن يقعوا تحت حكم داعش، ووجد غيرُ قليل منهم أن الانضمام إلى داعش هو الطريقة الوحيدة لحفظ أرواحهم. وأظهرت التحقيقات أن تنظيم داعش أجبر كثيرًا من المدنيين على الانضمام إلى الجماعة قهرًا.
 
حكم الشريعة
 شهد الناس في زمن رسول الله محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ثلاثَ بيعات، هي: بيعة العَقَبة الأولى، وبيعة العَقَبة الثانية، وبيعة الرضوان. وتُؤكِّد الرواياتُ التاريخية الصحيحة مدى حرص المسلمين على مبايعة القائد الذي يسعى إلى النهوض بشعبه. وكانت البيعاتُ الثلاث جميعًا تسعى إلى نشر التوحيد والخير، ومنع الباطل والشر، وكانت متفقةً مع مبدأ قانوني قائم على الفقه الإسلامي. 
 
وهناك نوعان للبيعة، الأول: البيعة المطلقة، وهي البيعة المؤكَّدة غير القابلة للتراجع عنها، مثل التي بايع فيها المسلمون الأوائل خاتمَ الرسُل محمدًا صلى الله عليه وسلم. وإن الدِّينَ الإسلامي بيَّن أن الله سبحانه قد اجتبى أنبياءه ورسُله من صفوة خَلقه المتصفين بكريم الصفات، ومنها: أن يكون النبيُّ جديرًا بالثقة، ومشهورًا بالصدق والأمانة، وحكيمًا عاقلًا، ومعصومًا من الزلل والخطأ في تبليغ الشريعة. وهذه الصفات تُظهر بوضوح مدى صحَّة ما أتى به الرسُل من تعاليم. 
 
والنوع الآخر هو البيعة المقيَّدة أو البيعة المشروطة. وهي بيعةٌ قابلةٌ للنقضِ والتراجعِ عنها، أقرَّ بها المسلمون لفردٍ غيرِ معصوم، بخلاف نبي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. والمبدأ المعتبَر في هذا الأمر هو قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: "لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالق". وفي هذا النوع يتوقف أيُّ شخص عن تقديم فروضِ الطاعةِ والولاءِ للقائد عندما يتَّضح أن أوامرَه تتعارضُ صراحةً مع ثوابت الشريعة الإسلامية الأصيلة.
 
 المضيُّ قدُمًا
ينبغي بذلُ مزيدٍ من الجهود لتقديم المعنى الصحيح للبيعةِ الشرعية، وفهمها فهمًا سليمًا، وتبصير عموم المسلمين بها. وقد تكون تلك الخطوةَ الأولى لتحرير أتباع داعش من الفخِّ النفسي الذي وقعوا فيه. وأهم من ذلك، يجب أن يكونوا مقتنعين تمامًا بحقيقة أن مبايعةَ زعماء جماعة داعش أو أي فرد يخالف تعاليمَ الإسلام هي بيعةٌ غيرُ صحيحة، ولا تمتُّ إلى الإسلام بأيِّ صلة. وعند اقتناعهم بهذه الحقيقة البيِّنة يمكنهم نقضُ هذه البيعة، ليكون ولاؤهم لله ورسوله وللحقِّ والحقيقة ليس غير.