تتسم تجرِبةُ باكستان في مكافحة الإرهاب بالتنوُّع والغنى، لذا أعدَّت الحكومة الباكستانية مشروعَ إجراءات مكافحة الإرهاب بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدِّرات والجريمة. يتضمَّن المشروعُ زيادةَ معارف القضاة والمدَّعين والمسؤولين عن إنفاذ القانون، والارتقاء بمهاراتهم، مع تعزيز التنسيق بين السلطات الإقليمية والسلطات الاتحادية، إضافة إلى الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب، وإدارة شرطة مكافحة الإرهاب، وشرطة إقليم العاصمة الباكستانية إسلام أباد.

أهداف المشروع

وُضعت أهدافٌ ثلاثة خاصَّة بعمليات التحقيق واستخدام أدلَّة الطب الشرعي من قِبَل إدارة مكافحة الإرهاب التابعة لقسم الشرطة، وتعزيز قدرة النيابة العامَّة والسلطة القضائية على ملاحقة القضايا الإرهابية والفصل فيها بدقَّة، وتحسين التنسيق بين الأقاليم والمقاطعات لرفع القدرة الشاملة على التحليل الإستراتيجي. وجميعُ هذه التدابير والإجراءات تزيد من مستوى نزاهة القضاء والامتثال لحقوق الإنسان من طريق العمليات القضائية في قضايا الإرهاب.

وليس بالإمكان تجاهلُ السبب الرئيس للتعرُّض للإرهاب ألا وهو الحدودُ مع إيران وأفغانستان، التي من السهل اختراقها للدخول إلى باكستان من قِبَل الجهات المؤثرة غير الحكومية. ومن هنا كان الحرصُ على تحسين حالة القانون والنظام بناءً على اندماج المناطق القبَلية الخاضعة للإدارة الاتحادية مع الولاية، وفقًا للتعديل الدستوري رقم 25. وأُنشئت مراكزُ إعادة التأهيل تحت إدارة الجيش لتعزيز الإجراءات السِّلمية في الولاية، وإلحاق عدد كبير من المقاتلين السابقين بها ضمن إطار مشروع ساباوون The Sabawoon-project في قيادة الجيش؛ لتلقِّي دورات في الدِّين الإسلامي، ودورات في التعليم الأساسي والتدريب المهني، فضلًا عن العلاج النفسي للتطرُّف؛ ليكونوا أعضاءً منتجين في المجتمع قادرين على الاندماج مع أبناء وطنهم. وقد استحقَّت هذه المبادرةُ من الحكومة الباكستانية الكثير من الإشادة والثناء. 

الخطة الوطنية

صاغت الحكومةُ الباكستانية في يناير 2015م خطةَ عملها الوطنية بوصفها جزءًا من إستراتيجية شاملة للقضاء على الإرهاب. وتضمَّنت الإستراتيجية إطارَ التعديل الحادي والعشرين في دستور باكستان الذي أنشأ محاكمَ عسكريةً سريعة للنظر في الجرائم المتعلقة بالإرهاب، وأعاد عقوبةَ الإعدام إلى التنفيذ، والتحقُّق الإلزامي بمعرفة بصَمات الأصابع لجميع أصحاب الهواتف المحمولة. 

وتسمح خطةُ العمل الوطنية لوِزارتي الخارجية والمالية وغيرهما بالتواصل مع الدول الإسلامية الصديقة لقمع مموِّلي الشبكات الطائفية والإرهابية التي تعمل ضد باكستان. وهنا تكمن قوة باكستان بقَبول التحدِّي وجعله فرصةً للنمو؛ بالاستفادة من الشباب الذين يبلغون قرابةَ %60 من إجمالي السكَّان. ويواجه الشباب الباكستانيون حاليًّا بعض المشكلات الخطِرة، منها الفقر وارتفاع معدَّل الأمِّية، في حين %15 من الشباب عاطلون من العمل، ما يجعلهم عرضةً للإرهاب وتعاطي المخدِّرات وغير ذلك من الرذائل والشرور.

وبالتعاون مع الحكومة على مدار أكثر من 35 عامًا، طوَّر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدِّرات والجريمة برنامجه الوطني الثاني لضمان توجيه دعمه نحو الأولويات الإستراتيجية وتلبية الاحتياجات الوطنية لباكستان، ويحرِص على مواجهة التحدِّيات الخاصَّة بالحوكمة والأمن والصحَّة العامَّة في باكستان بعزم وثبات. وتحقيقًا لهذه الغاية، يُعنى المكتب بثلاثة مجالات جوهرية هي: الاتجار غير المشروع وإدارة الحدود، والعدالة الجنائية والإصلاحات القانونية، وخفض الطلب على المخدِّرات والوقاية والعلاج، إضافة إلى موضوعين اثنين لا يقلَّان أهميةً هما التعليمُ الإلكتروني والبحث والتحليل. يقول مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدِّرات والجريمة على موقعه في الإنترنت: إن هذه الجهودَ عبر وسائل الإعلام المطبوعة والشبكات الاجتماعية والإنترنت ستؤتي لا بدَّ ثمارَها.

ولعلَّ نقطة التحوُّل في تاريخ الإرهاب في باكستان؛ هي الهجوم على مدرسةٍ يشرف عليها الجيشُ في بيشاور بتاريخ 16 ديسمبر 2014م، وقد أسفر عن مقتل 150 طفلًا، وأعلنت حركةُ طالبان الأفغانية مسؤوليتها عنه. فإن ذلك الهجومَ جعل رئاسة الوزراء بقيادة الرئيس نوَّاز شريف آنذاك تضع إستراتيجيةً جديدة لمكافحة الإرهاب، وهي خطة العمل الوطنية المكوَّنة من 20 بندًا. إلا أنها أثبتت بعد ستة أشهر، وفي خِضَم الهجَمات الإرهابية المستمرَّة، أنها وُضِعَت للتنفيذ الفوري المؤقَّت. وساد شعورٌ بأن هناك شرخًا عميقًا بين الدولة والمجتمع بسبب العناصر المناهضة للدولة، واقتُرح بأن تكونَ لكلِّ منطقة في باكستان وَحدةٌ خاصَّة لمكافحة الإرهاب.

 الشراكة الدَّولية

ومن أهم ما تميَّزت به تجرِبة باكستان في مكافحة الإرهاب شراكتها الوثيقة مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وقد استفادت من المساعدة الاقتصادية والعسكرية، ونجحت في استعادة عضوية باكستان في (الكومنولث) التي عُلِّقت بعد الانقلاب العسكري في أكتوبر 1999م. ولكنها أيضًا دفعت ثمنًا باهظًا لمشاركتها في الحرب العالمية على الإرهاب، ووفقًا لكتاب "النمو وانعدام المساواة: أجندة برامج الإصلاح" للمؤلِّف والاقتصادي الشهير الدكتور حافظ باشا، تكبَّدت باكستان خسائرَ جسيمة قدرها 252 مليار دولار بسبب الحرب الأمريكية على الإرهاب. وهذا المبلغ أعلى ثماني مرات من المساعدة المالية التي تقدِّمها الولايات المتحدة لباكستان!

وإذا نظرنا إلى المسار الزمني، نرى أن باكستان عانت كثيرًا من التهديدات الإرهابية عام 2017م، التي استخدمت طرقًا مختلفة لمهاجمة الأهداف. ففي 16 فبراير 2017م قتل انتحاري أكثر من 88 شخصًا وجرح أكثر من 300 شخص عند مزارٍ لضريح لال شهباز قالندر في مقاطعة السِّند. وفي الواقع تعرَّضت باكستان لسلسلة من الهجَمات الإرهابية منذ عام 1979م مع احتلال الاتحاد السوفيتي أفغانستان. ووفقًا لمؤشِّر بوابة جنوب آسيا للإرهاب، انخفضت الهجَماتُ الإرهابية في باكستان بنسبة %89 في عام 2017م بعد أن بلغت ذروتها في عام 2009م. 

أما الجماعاتُ الإرهابية الرئيسة العاملة في باكستان فهي حركة طالبان الباكستانية، وجماعة الأحرار، والجماعة الطائفية لاشكار إي جانغفي. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية في مقاطعة خُراسان مسؤوليتَه عن عدد من الهجَمات، إضافة إلى جماعات مثل شبكة حقَّاني، ولاشكار طيبة، وجيش محمد، وقد استخدمت طرقًا مختلفة لمهاجمة المؤسسات الحكومية والمؤسسات الأكاديمية، والأسواق وأماكن العبادة والأفراد، ونفذت الأعمالَ الانتحارية باستعمال التفجيرات والقذائف الصاروخية والأجهزة المتفجرة. 

قانون مكافحة الإرهاب

واصلت الحكومة الباكستانية تنفيذَ قانون مكافحة الإرهاب لعام 1997م، والتعديلات عليه عام 2014، وقانون الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب، وقانون التحقيق لعام 2014م للمحاكمة العادلة، التي تسمح جميعها بمزيد من السلطات لوكالات الحكومة الباكستانية في محاربة الإرهاب. ويُذكر أن القانون يسمح بالاعتقال الوقائي، ويجيز عقوبةَ الإعدام للإرهابيين، وينشئ محاكمَ خاصَّة للإرهاب. وجدَّدت الحكومة لمدَّة عامين آخرين تعديلًا دستوريًّا يسمح للمحاكم العسكرية بمحاكمة المدنيين بتهم الإرهاب. 

وقد حظيت هذه الجهودُ القانونية بدعم قوَّات الأمن العسكرية وشبه العسكرية والمدنية. ويتمتَّع مكتب الاستخبارات في باكستان بالولاية القضائية على الصعيد الوطني، وهو مفوَّض للتنسيق مع وكالات مكافحة الإرهاب الإقليمية. وتتبع وزارةَ الداخلية في باكستان أكثرُ من عشَرة كِيانات مرتبطة بإنفاذ القانون تعمل تحت ولايتها القضائية، وتعمل الهيئةُ الوطنية لمكافحة الإرهاب بوصفها نقطةً محورية لأعمال التنسيق. وتُجمَع المعلومات المهمَّة الجنائية عند المعابر البرِّية مع نظام الأمن الدَّولي لإدارة الحدود، وتتضمَّن خطة العمل الوطنية لمكافحة الإرهاب جهودًا لمنع تمويل الإرهاب بتعزيز التنسيق بين الوكالات. 

ولم تقُم حكومة باكستان بعمل بارز في مطاردة عناصر القاعدة ومؤيديهم فحسب، ولكنها تعاملت بشدَّة وحزم مع الجماعات الإرهابية الطائفية الضالعة في الإرهاب داخل باكستان. فقُتل زعيما جماعة عسكر جنجوي في عام 2002م، وقُتل عدد من الأفراد المرتبطين بهذه المنظمة في مواجهات مع الشرطة، وكثيرٌ منهم معتقلون في السجون في أنحاءٍ شتَّى من البلاد. 

وفي الآونة الأخيرة، أوضحت بعضُ التقارير والمؤشِّرات تحسُّنَ الوضع الأمني في جميع أنحاء البلاد. ووفقًا لتقرير صادر عن المعهد الباكستاني لدراسات السلام، تراجعت الأنشطة الإرهابية في باكستان بنسبة تزيد على %85. ويمكن أن يُعزى هذا إلى ما تتحلَّى به الحكومة الباكستانية من عزم وثبات في مكافحة خطر الإرهاب. وقد عملت باكستان على مراجعة سياستها الخارجية مع أفغانستان، وعانت باكستان انتكاساتٍ دبلوماسيةً عندما دعمت النضالَ من أجل الحرية في كشمير، وواجهت تحدِّيات من سكانها المدنيين، في حين ظلَّ اقتصادها ضعيفًا وهشًّا. لذلك يمكن القول: إن باكستان كانت خاسرةً في تحالف الإرهاب العالمي الذي برز عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001.

خطر النفوذ الهندي

وعلى المستوى الإقليمي يُعَدُّ النفوذ الهندي المستمر في أفغانستان خطرًا مقلقًا لسياسة باكستان الخارجية. وإن العلاقاتِ المتطوِّرةَ بين الهند وأفغانستان، والانتظام الهندي في أفغانستان، مع افتتاح أربع قنصليات هندية في أفغانستان، كلها عواملُ خطِرة على أمن باكستان. وهذه العواملُ أتاحت إمكانيةَ حصول عمليات صراع داخل باكستان من جهة حدودها الغربية. وبرزت الاشتباكاتُ الهندية الأفغانية في أعقاب 11 سبتمبر لتكونَ نقطةً رئيسة للصِّراع بين باكستان والهند. وتجدر الإشارة هنا إلى أن روح التعاون على المستوى الإقليمي، ولا سيَّما بين باكستان والهند وأفغانستان، تكاد تكون مفقودةً تمامًا. ومن الأمثلة على ذلك: رفضُ أفغانستان تسليمَ باكستان أسلم فاروقي زعيمَ جماعة داعش الإرهابية في مقاطعة خُراسان، لإجراء مزيد من التحقيقات في أوائل أبريل الماضي.

ومن المهم ملاحظةُ أن باكستان قد عززت قوَّتها باستمرار في مكافحة الإرهاب على الرغم من العوائق، ووضعت خطةَ العمل الوطنية لتفكيك الشبكات الإرهابية ومحاكمة الإرهابيين، وقدَّمت العمليات العسكرية. وفي هذا السياق تحدَّث أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة، عن باكستان وجهودها في مكافحة الإرهاب، قائلًا: إن باكستان انتقلت من دولة الإرهاب إلى دولة السياحة. ودعا الأمين العام إلى ضرورة الاعتراف بجهد باكستان والثناء على أعمالها المبذولة على المستوى الدَّولي. إنها لحظةُ فخر لباكستان، لكنها لا تزال بحاجة إلى تشديد قبضتها الأمنية للقضاء على خطر الإرهاب نهائيًّا. ويتضح من المراجعة الأمنية الشهرية للمعهد الباكستاني لدراسات السلام أن نحو 21 هجومًا إرهابيًّا قد وقع في باكستان في الشهر الأول من عام 2020م، وكانت حدَّة هذه الهجَمات في الغالب محصورةً في مقاطعة بلوشستان، ونُفذت معظم الهجَمات الأخيرة على يد الجماعات المتشدِّدة، مثل جماعة تهريك طالبان الباكستانية، وحزب الأحرار، وجماعة الأحرار، وطالبان المحلِّية، وتنظيم الدولة الإسلامية. 

ولا يزال الإرهابُ في باكستان يُمثل تهديدًا كبيرًا للشعب واقتصاد البلاد، لكنَّ الدولة باتت أكثرَ استعدادًا اليوم للتعامل مع أي أحداث إرهابية. وبعد أكثر من عِقدَين من الاقتتال المستمر مع الإرهاب، يجب قياسُ النجاح الحقيقي لباكستان بإحباط هجوم إرهابي وشيك. وتمتلك القوات المسلَّحة الباكستانية، ولا سيَّما مجموعة الخِدْمات الخاصَّة (الكوماندوز)، قدرةً استثنائية في عمليات مكافحة الإرهاب، وتتمتع بمزايا فريدة للقضاء على التهديدات في مثل هذه الأزَمات بطريقة سريعة وحاسمة.