تأسست النواة الأولى لجماعة بوكو حرام عام 1995م في شمال نيجيريا كمنظمة دينية توعوية تحت مسمى "منظمة الشباب المسلمين" على يد شاب هوساوي يُدعى ملام لاوال. وبعد مرور عدة سنوات أُعيد تأسيسها رسمياً في يناير عام 2002م، بقيادة رجل آخر يُدعى محمد يوسف بمسمى "جماعة أهل السُنّة للدعوة والجهاد" واتخذت من مسجد ابن تيمية المشهور مقراً لها في مدينة مايدوغوري عاصمة ولاية بورنو شمال شرق نيجيريا. غير أنّ الوجود الفعلي للحركة بدأ خلال العام 2004م بعد أن انتقلت إلى ولاية يوبي على الحدود مع دولة النيجر، حيث بدأت عملياتها المسلحة. وأطلقت عليها وسائل الإعلام "بوكو حرام." 


وقد ظهرت هذه الجماعة مع تأسيس مجموعة من الشباب النيجيري المسلم لتنظيم حركي يهدف لمناهضة  التوجه نحو التعليم العلماني الغربي بدعوى أنّه المسؤول عن حالة الأوضاع المتردية في البلاد،  ويستشهدون في ذلك بأنّ كل القيادات التي تولت المناصب الإدارية في البلد من صناعة وإنتاج هذا النوع من التعليم، وأنّ المتورطين في حالات الفساد والنصب في البلاد على مختلف انتماءاتهم السياسية والدينية والقبلية كلهم من خريجي المدارس العلمانية الغربية، كما ترى أنّ الجرائم والسرقات والأعمال الإجرامية تتفاقم وتتزايد مع ازدياد أعداد خريجي تلك المدارس والجامعات المعتمدة على المنهج الغربي ، لذا دعت الحركة إلى العمل بكل قوة وعبر كافة الوسائل لمنع انتشار هذا التعليم ووقف محاولات فرضه على أبناء المسلمين. أطلقت هذه الحركة على نفسها اسم طالبان نيجيريا ورفعت شعارها عند أول ظهور منظّم لها عام 2002م، وذلك للإشارة إلى وجود اتصال معنوي، وأنّها امتداد للأفكار الدينية المتشددة التي تعتنقها حركة طالبان أفغانستان.


  خلفيات ظهور حركة بوكو حرام
ثمة مجموعة من الدوافع التي أدت إلى ظهور هذه المجموعة الإرهابية المسلحة يتعلق بعضها بالأوضاع السائدة في نيجيريا ومن أبرزها:
-    عدم وجود مؤسسة إسلامية ذات مرجعية علمية معتبرة تأخذ على عاتقها تكوين الأطر والكوادر العلمية العاملة في مجال العمل الإسلامي تأطيراً وتأهيلاً بكفاءة.
-    فشل حركة الإسلام السياسي في تقديم البديل الناجح لمشكلات التنمية بعد دخول العامل الديني بوصفه متغيرًا فاعلًا في الساحة السياسية الإفريقية، خاصة ظاهرة تطبيق الشريعة الإسلامية في نيجيريا، إذ رأت فصــائل وجماعات إسلامية عدة من الشباب بعد مضي عقد على اعتماد الشريعة الإسلامية في أكثر من اثنتي عشرة ولاية في مناطق شمال نيجيريا أنها مجرد شعــار اتخذ بوصفه ورقة ضغط استخدمت لتحقيـــق مكاسب سياسية وجهوية وشخصية. 
-    التوتر المذهبي بين المسلمين بسبب العلاقات المضطربة والمتوترة التي تسود الساحة الإسلامية الإفريقية لدى الجماعات الصوفية من جهة والجماعات السلفية العلمية والجهادية من جهة أخرى، وقد شهدت نيجيريا صراعاً مريراً بين الطرفين. كما تطورت المواجهات بين السنة والشيعة لاغتيال رموز الطرفين.
-    ضمور الخطاب الإسلامي الرسمي المعتدل أو غيابه التام بلهجات تناسب المقام أمام محاولات النيل من التيارات الشبابية المتحمسة للدين لدى الجهات الرسمية والأجنبية الأمر الذي ولد ردود أفعال متطرفة حيال تلك المؤسسات.
-    الوضع السياسي المتأزم في البلد، حيث تشهد الأوضاع السياسية حالة من الاضطراب والتوتر على خلفيات وأسباب حزبية وطائفية وقبلية وغيرها، الأمر الذي وجدت معه هذه الجماعة أرضية خصبة للنمو والتمدد بدواع وذرائع دينية إسلامية.
-    سوء إدارة التعددية القبلية والجهوية والإثنية التي تتسم بها نيجيريا، مما سهّل على المستغلين استخدامها وتوظيفها في ظروف ومراحل مختلفة.
-    الصراع المحموم بين المسلمين والمسيحيين الذي يمثّل عاملًا آخر يلهب حماس العناصر المتشــددة من التنظيمـــــــات الشبابية نحو العنف المسلّح. وفي ظل هذا الصراع التاريخي يعاني المسلمون في أكبر بلد إفريقي على الرغم من كثافتهم العددية من حالة الحرمان من التعليم والاقتصار على تلقي الثقافة الإسلامية واللغة العربية، ويتم مصادرة أموال بعض المسلمين بهدف إضعافهم اقتصادياً. وهدم المساجد وإقامة الكنائس على أنقاضها بدعاوى وحجج التنظيم، كما تجد النشاطات التنصيرية إمدادات وتسهيلات إدارية مقابل التضييق على جمعيات إسلامية خيرية، وهوما وجده تنظيم (بوكوحرام) مبرراً لممارسة العنف المسلح بوصفه واجبًا دينيًا مقدسًا.
-    الوضع الاقتصادي والمعيشي السيئ للمواطنين وحالة التأزم والإحباط التي يعيشها الشعب من جراء الفقر والتخلف، والفجوة الواسعة بين الطبقات، إذ يعاني ثلث السكان من الجوع، ولا يتجاوز نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في نيجيريا 300 دولار أميركي، وتقدر تقارير البنك الدولي عدد من يعيشون على دولار واحد في اليوم بنحو 80 ٪ من السكان، بمعنى أن عدد الفقراء يفوق 100 مليون شخص.


  العوامل الخارجية
بالإضافة إلى العوامل الداخلية في نيجيريا التي أدت إلى ظهور بوكو حرام، هناك عوامل خارجية أسهمت في ذلك أيضاً، منها: التمدد الغربي الأمريكي والأوروبي في البلدان الإفريقية انطلاقاً من الأطماع الخارجية الاستعمارية في ثرواتها وفي موقعها الإستراتيجي.


المبادئ الفكرية للجماعة
ترتكز الملامح الفكرية لجماعة بوكو حرام، على عدد من الأصول والمبادئ أهمها:
 العمل على تأسيس دولة إسلامية في نيجيريا بالقوة المسلحة، والدعوة إلى التطبيق الفوري للشريعة الإسلامية، وتحريم العمل في الأجهزة الحكومية في الدولة وفي كل الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى تحريم التعليم الغربي ومظاهر الثقافة الغربية، مع الدعوة إلى تغيير نظام التعليم العام في نيجيريا إلى نظام متشبع بالخلفية العربية، وتطرح جماعة بوكو حرام نفسها بوصفها مدافعة عن الإســــــــــــلام والمسلمين، مما يولّد نوعاً من التعاطف لدى بسطاء المسلمين تجاه الجماعة.


الامتداد الإفريقي للحركة
ظلت حركة بوكو حرام منذ بداية ظهورها محلية التدبير والتوجه، إلا أنّه مع تطورات الأحداث وتتابعها أصبحت ضمن التنظيم الدولي للقاعدة، إذ بايعت عناصرها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وانضوت تحت لواء "إمارة الصحراء"، وهي أحد أفرع التنظيم الدولي للقاعدة التي تعمل في مالي والنيجر ونيجيريا وليبيا وموريتانيا وتشاد. وقد أطلقت على تلك المناطق اسم "صحراء الإسلام الكبرى"، ويتولى إمارتها يحيى أبو الهمام قائد كتيبة الفرقان. 
وقد تطورت الجماعة في نوعية عملياتها العسكرية المسلحة على خلفية عمليات التنسيق والتدريب التي تلقتها على أيدي تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، ومما ساعد في ذلك الطبيعة الجغرافية للمناطق التي تتمركز فيها، حيث الصحراء الجرداء القاحلة الممتدة، التي تصعّب مراقبتها مما يسهل عملية الاختراق، بالإضافة إلى أنّ الحدود في معظمها مفتوحة بسبب التداخل القبلي والامتداد العرقي للسكان الذي جعل من الصعب معرفة عدد مسلحي جماعة بوكو حرام في نيجيريا، أو عدد مقاتلي حركة الشباب في الصومال، وكذلك الجماعات الجهادية في إقليم أزواد في مالي. وتشير بعض التقارير إلى أنّ عناصر الحركات الثلاث المذكورة لم تكن تتجاوز الثلاثة آلاف مقاتل قبل ظهورها، ولا شك أن هذا العدد قد تضاعف كثيراً، إذ انضمت هذه العناصر مع بعضها من تشاد والنيجر وبوركينافاسو فضلاً عن عناصر من بلدان المغرب العربي الخمسة.


التعاطي الحكومـــــي مع بوكو حرام
لم تتسم التحركات الرسمية للسلطات الاتحادية في نيجيريا لمواجهة (بوكوحرام) بالقدر الكافي والمطلوب منذ البداية، إذ اعتمدت فقط على التعامل الأمني والاستهداف العسكري لتلك العناصر والمتعاطفين معها. ومع مرور الأيام أدركت أهمية الأخذ بأسلوب المقاربة من المنظور المجتمعي الشامل، بحيث تشرك معها كل الأطراف من الأجهزة الحكومية الرسمية والجهات الشعبية الدينية وغيرها، مع وضع خطة قومية شاملة تغطي كافة الجوانب الفكرية والسياسية والاقتصادية والعسـكــــرية والمخابراتيـــــــة...إلخ، فاعتمدت خطة التصدي الإعلامي التي استخدمت فيها مختلف القنوات الإعلاميــــــــة التي خاطبت ضمير المواطن النيجيري أياً كانت معتقداته الفلسفية والسياسية، وفضحته بأساليب صريحــــــة بشــــاعة وهمجية الجرائم. يضاف إلى ذلك التصدي عبر التشريعات القانونية بمحاولات دؤوبة لتشريع قانون خاص يأخذ في الحسبان كل أنواع العمليات الإرهابية والتعاون مع مختلف الجهات والهيئات الوطنية لإنفاذ هذا القانون.
وهناك أيضًا التصدي الاستخباراتي الأمني إذ يقوم جهاز الأمن النيجيري بالعديد من العمليات الأمنية ضد عناصر الجماعات الإرهابية مثل بوكو حرام.  وتتعاون مع أجهزة الأمن والاستخبارات الدولية لتضييق الخناق على تحركات تلك الجماعة إلى الدول المجاورة مثل: تشاد والنيجر والكاميرون، كما نشير إلى التعاون الخاص مع الاستخبارات الأمريكية وحكومة الولايات المتحدة الأمريكية والاتفاقية الخاصة بـ"أفريكوم" والمعنية بمكافحة الإرهاب في منطقة جنوب الصحراء في إفريقيا.  
ولعل من أبرز المحاولات التي قامت بها السلطات النيجيرية الأخذ بالمسار التفاوضي إذ استجابت لدعوات وطنية تطلب فتح مسار سياسي آخر لمواجهة تداعيات الجماعات الإرهابية عبر التفاوض مع عناصر تلك التنظيمات في محاولات لإقناعها بالتخلي عن العنف وممارسة الإرهاب. وبالفعل أُعلن عن سلسلة من جولات التفاوض منذ العام 2010م أتى بعضها بنتائج إيجابية من خلال تراجع بعض قياداتها عن هذا المسار العنيف والسلوك الإرهابي بعد حوار فكري مباشر مع المثقفين والعلماء.
كما قامت المؤسسات الإسلامية بمجموعة من الإجراءات والترتيبات لمواجهة الفكر المتطرف عبر المساجد والمحاضرات والدروس العامة.


تعامــل إدارة بخـــــاري مــــع ملف بوكو حرام
شهد التعامل الحكومي لمواجهة حركة بوكو حرام  نوعاً من التحسن والتطور الإيجابي للحملات المضادة التي يقوم بها الجيش النيجيري، بالإضافة لجهود القوات المشتركة متعددة الجنسيات، إذ تراجعت العمليات الإرهابية مقارنة بالسنوات الماضية، ولا سيما مع  تولي الرئيس محمد بخاري حكم البلاد منذ عام 2014م. فقد اتسم نهج إدارة بخاري بجدية ومصداقية في مواجهة حركة بوكو حرام، ولعل الخبرة العسكرية والقراءة المتفحصة ساعدتا على ذلك، فقد عمدت إلى زيادة أعداد الجنود على نحو ضخم، إذ  قفزت أعداد القوات المكلفة بعمليات مكافحة الإرهاب في شمال شرق  البلاد من 3 آلاف جندي عام 2012 إلى 8 آلاف جندي في عام 2013، ثم بلغت 20 ألف جندي  عام 2014 لترتفع مع بداية عام 2015 إلى 25 ألفًا، ولتصل في العام 2017 إلى ما بين 40 و50 ألف جندي. وكان من نتائج ذلك بعض النجاحات لقوات الجيش النيجيري في حربها ضد الجماعة، إذ تمكنت من قتل عناصرها وتدمير قواعد التمرد وتعطيل شبكاته اللوجستية، بالإضافة إلى تحرير الرهائن.
ولجأت الحكومة الفيدرالية أيضًا إلى التفاوض ودفع فدًى مقابل الإفراج عن 103 فتيات اختُطفن من مدرسة شيبوك عام 2017، و104 فتيات أخريات اختُطفن من مدرسة دابشي عام 2018، كما عرضت عفوًا عن عناصر بوكو حرام التائبين. وقد أثار سعي الحكومة إلى التفاوض مع المتمردين العديد من الانتقادات والسخرية والتشكيك لدى البعض.


رهانات المواجهة
وعلى الرغم من هذا الانحسار النوعي لامتداد العمليات الإرهابية لبوكو حرام، فإنّ الرهان الحقيقي لمواجهة الغلو والأفكار المتطرفة يكمن في النهج الشامل والارتكاز على المداخل التكوينية الأساسية للفرد والوقوف على الخلفيات والأسباب الحقيقية المغذية لهذه الظاهرة.
 وإذا كان الحد من تصاعد هذه الظاهرة يتطلب اعتماد مقاربة شمولية، فإن اعتماد سبل تربوية تسمح بتحصين شخصية الفرد ضد أي فكر متطرف أو عنيف، وتجعله مؤمنًا بالحوار والاختلاف والتسامح، هو مدخل حيوي لمواجهة هذه الظاهرة. ، ومن تلك الرهانات إعطاء مزيد من الاهتمام لجوانب الاستثمار الحقيقي في التنمية البشرية خاصة في الشمال الشرقي للبلاد، ومعالجة أهم المشكلات والقضايا المهمة التي شكلت منطلقات للانضمام لحركات التطرف والعنف، مثل الفقر والتهميش والعزل وغيرها من جوانب الضعف التي استغلتها التيـــــارات المؤدلجة والمتشبعة بالتطرف.
وتتطلب عملية المواجهـــة من الجهــــات المعنية والسلطـــات النيجيرية وقوات الأمن تفعيل مبدأ الشفافية والمحاسبة والمهنية في متابعة عملياتها العسكرية، والحرص على تطوير قدراتها في جمع المعلومــــــات الاســتخبـــاراتيــــة. بالإضــــافة إلى رفع مستوى التعاون بين نيجيريا ودول الجوار في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز عمليات المراقبة على الحدود المشتركة، مع مواصلة دعم المجتمع الدولي لتلك الجهود.