​​​حققت الجهودُ التي بذلتها الشرطةُ الغانية في العِقد الماضي، بالتعاون مع الوكالات الأمنية والاستخباراتية المتحالفة معها؛ لمنع التطرف العنيف ومكافحته نتائجَ محدودة، مما ألجأ منظمات المجتمع المدني إلى إكمال جهود وكالات إنفاذ القانون والوكالات الاستخباراتية.

تتناول هذه المقالةُ إسهام منظمات المجتمع المدني في منع التطرف العنيف ومكافحته في جمهورية غانا، والتحدِّيات التي تواجه هذه المنظمات والوكالات ذات العَلاقة؛ باستخدام البيانات الأساسية والثانوية، واختيار منظمات مجتمع مدني محدَّدة. ويظهر للمراقب أن الشكوك وغياب التوافق بين منظمات المجتمع المدني ووكالات إنفاذ القانون قد أسهم في بُطء التقدُّم المنشود في مكافحة التطرف العنيف ومنع حدوثه، ولا بدَّ من تعزيز التعاون للوصول إلى الهدف المرجو في مكافحة التطرف العنيف في غانا.

جهود المنظمات

على الرغم من تباين المفاهيم لدى الكِيانات المكوِّنة للمجتمع المدني، تسعى مجموعاتُ المراقبة والمساندة في تقديم المعلومات عن المهدِّدات المتنامية التي تعزِّز التطرف المقترن بالعنف في غانا، وتقوم بتثقيف الناس وتدريبهم لرفع مستوى وعيهم بمخاطر التطرف العنيف، وتُسهم في إجراء البحوث والمساندة في تحليل السياسات المتعلقة بمكافحة التطرف العنيف هناك. ومن ذلك ما تقدمه شبكة غرب إفريقيا لبناء السلام من مشاركات في مجالات الإنذار المبكِّر، وتحليل البيانات، وتقديم المعلومات الاستخباراتية للجهات الأمنية ذات الصلة؛ من أجل تحقيق الاستجابة السريعة. ففي عام 2019م أوضحت جهود الإنذار المبكِّر وتحليل البيانات محاولة الجماعات المتطرفة اختراق الحدود الشمالية الواهنة بين غانا وبوركينا فاسو للدخول إلى غانا، وقد تأكد ذلك باعتقال متطرف بوركيني يبلغ من العمر 55 عامًا.

كذلك تتولى منظمات المجتمع المدني إجراء البحوث في المجتمعات الضعيفة في غانا؛ من أجل إدراك القوى الدافعة إلى التطرف. وقد قام مركز غرب إفريقيا لمكافحة التطرف بإجراء بحوث وتنظيم مجموعة من حلَقات العمل في مناطق نيما وماموبي وأشيمان ودامانجو وبولغا. والهدف من هذه الأنشطة كشف دوافع التطرف من أجل مكافحته ومنعه؛ ففي الأقاليم الخمسة الشمالية ما يربو على 350 حالة من نزاعات الرئاسة التي لم تُعالج، وباتت دوافعَ أساسية للأصولية والتطرف العنيف. وقد كشفت المقابلات الشخصية أن مكامن الضعف المرتبطة بنزاعات الرئاسة، والفهم الضعيف لمفهوم الجهاد عبر الفضاء السيبراني، قد أسهمت في تحول فئة من الشباب المسلمين إلى الغلو والأصولية. ذلك ما وجَّه شبكة غرب إفريقيا لمكافحة التطرف ومركز غرب إفريقيا لمكافحة التطرف إلى وضع برامجَ للقضاء على الأصولية، وجعلوا نجاح هذه البرامج مقياسًا مهمًّا للنجاح في مكافحة التطرف ومنعه في غانا. وقد أفاد موتارو المدير التنفيذي لمركز غرب إفريقيا لمكافحة التطرف أن أحد الأصوليين كان على وَشْك الانضمام إلى داعش؛ لكنه ترك الأصولية بسبب برنامج إسلامي أسبوعي على القناة التلفازية بعنوان (اقرأ)، فبعد مشاهدته البرنامج قام بعرض تجرِبته وذكر الأسباب التي حرَّرته من الأصولية. وقد اعتمد المركز على هذه الحادثة في معالجة حالات أفراد آخرين، مما أدى إلى عدول 21 منهم عن الأصولية بعد أن كانوا مستعدِّين للسفر للانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي.

ومن منظمات المجتمع المدني في غانا التي تعمل في قضايا الأمن والسلام ومكافحة العنف والتطرف شبكة غرب إفريقيا لبناء السلام، ومركز غرب إفريقيا لمكافحة التطرف، ومركز كوفي عنان الدَّولي للتدريب في مجال حفظ السلام، ونُظُم المعلومات الاستشارية الإقليمية، ومؤسسة الأمن والتنمية في إفريقيا، وجمعية تنمية مجتمعات غانا.

عقبات وتحدِّيات

مع أن الأثر الحيويَّ لمنظمات المجتمع المدني في غانا في الأعمال الرقابية؛ لمنع التطرف ومكافحته، واضح جلي، نجد أن الجهاتِ الأمنيةَ تنظر إليها بريبة، وتتعامل معها بتحفُّظ؛ لأنها تُبرز ضعفها وفِقدانها المهنية في الحفاظ على القانون والنظام عمومًا. ولذلك لا تفتح الجهات الأمنية في الدولة مجالًا للتعاون مع منظمات المجتمع المدني في مناقشة برامج منع التطرف العنيف ومكافحته وتنفيذها. أما المجتمعات المحلِّية فتثق بمنظمات المجتمع المدني أكثرَ من ثقتها بالجهات الأمنية، لكنَّ مقابلة جرت مع شبكة غرب إفريقيا لمكافحة التطرف بيَّنت أن بعض المجتمعات لا تزال متردِّدة في الانفتاح ومشاركة المعلومات الضرورية لمساعدة منظمات المجتمع المدني في كشف الدوافع الحقيقية للتطرف العنيف. ويُعزى ذلك إلى الشكوك في بواعث منظمات المجتمع المدني.

ويعدُّ التمويل تحدِّيًا مهمًّا تواجهه منظمات المجتمع المدني، بخلاف مؤسسات الدولة كالشرطة ومكتب التحقيقات الوطني التي تتلقَّى تمويلًا منتظمًا من الحكومة للأنشطة الوقائية. وذلك جعل منظمات المجتمع المدني كشبكة غرب إفريقيا لمنع التطرف ومكافحته، ومركز غرب إفريقيا لبناء السلام، ومركز غرب إفريقيا لمكافحة التطرف تعتمد اعتمادًا كبيرًا على التمويل الخارجي لتنفيذ المشروعات، وذلك يؤدي إلى الهيمنة الخارجية أو التأثير الخارجي، ويُضِرُّ بالمبادرات المحلِّية لمنع التطرف العنيف ومكافحته.

وعلى الرغم من التمويل المقدَّم من المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وكندا لمركز غرب إفريقيا لمنع التطرف ومكافحته، عجَز المركزُ عن إتمام تنفيذ أنشطة البرامج الرئيسة. وقد أُكِّد ذلك في أعمال نشرها عام 2015م معهد غرب إفريقيا للمجتمع المدني، تناولت استدامةَ منظمات المجتمع المدني في غانا. وقد ذكر التقرير أن كثيرًا من المنظمات تعاني نقصًا كبيرًا في التمويل بسبب الأعباء التي أرهقت المانحين، وغياب التمويل المتنوع. ومن المحتمل أن يزداد الأمر تعقيدًا بسبب وباء فيروس كورونا (كوفيد- 19) فمعظم الدول المانحة في أوروبا انتشر فيها الوباء.

إضافة لما سبق فإن منظمات المجتمع المدني تواجه تحدِّيًا في إيجاد الموارد البشرية المدرَّبة تدريبًا جيدًا، والقادرة على تكوين فرق بحثية لإجراء البحوث في مجال التطرف العنيف. وفي معظم الحالات فإن جزءًا من تمويل المانحين يُخصَّص لتنفيذ المشروعات دون توظيف الأفراد المؤهَّلين. 

ختام القول 

إن الوكالات الأمنية والاستخباراتية قد أخفقت في تحقيق أهدافها، وكان لمنظمات المجتمع المدني أثرٌ كبير في منع التطرف العنيف ومكافحته في غانا. وأبرز إسهامات تلك المنظمات في مجال الإنذار المبكِّر، وتحليل البيانات، والبحوث، وتنظيم حلَقات العمل، والوقاية، والتوعية. ونجحت في تحرير أكثر من عشرين من الشباب الغانيين من الأصولية، ممن كانوا على وَشْك الانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي، وغيره من التنظيمات المتطرفة في العالم. 

وعلى الرغم من كلِّ العقبات التي تعترض منظمات المجتمع المدني؛ من ارتياب الجهات الأمنية وتحدِّيات التمويل والموارد البشرية، تظل هذه المنظمات مؤثرةً وأساسيةً في منع التطرف العنيف ومكافحته. وليس بوسع الجهات الأمنية العمل في عُزلة عنها، فغياب التعاون في الحصول على المعلومات الاستخباراتية من منظمات المجتمع المدني سيجعل معظم الاستجابات المتعلقة بمكافحة التطرف مفتقرةً إلى الاتجاه العملي، وستصبح غيرَ منتجة، ولا تحقق شيئًا من الأهداف العملية المنشودة.