​لا يزال الإرهاب يشكل تهديدًا للسلم والأمن الدَّوليين لما له من تأثير عابر للحدود، حيث يستهدف المدنيين الأبرياء والمؤسسات الحكومية والأماكن العامة بغرض زعزعة الأمن وترويع الناس أدى ذلك الى أن العالم أصبح ينادي ويشجع على التعاون الدولي لمواجهة هذه الآفة والتي لا تخص فقط الدول التي حدث فيها العمل الإرهابي، بل يمتد تأثيره إلى البلدان الأخرى. وبسبب هذا التأثير العابر للحدود، فإن التعاون الدولي ُ يعَد امرًا ضروريًا للتصدي لهذه الجماعات الإرهابية ومنع انتقالها وتجنيدها وتمويلها.

كما إن التعاون الدولي لمحاربة الإرهاب هو تعاون لتحقيق أهداف مشتركة ومواجهة التحديات وتعزيز التواصل والتنسيق بين الدول لتبادل المعلومات الاستخباراتية، مما يساهم في تحليل البيانات والتعرف على مصادر التهديدات وخلايا الإرهاب. وكذلك يساعد التعاون الدولي في تبادل الخبرات والمعرفة وتطوير التقنيات الحديثة في مجال محاربة الإرهاب، مما يعزز القدرة على التصدي للتهديدات الإرهابية المتطورة.

علاوة على ذلك، يلعب التعاون الدولي دورًا حاسمًا في القضاء على مصادر تمويل الإرهاب وقطع خطوط التمويل. فالجماعات الإرهابية تعتمد بشكل كبير على التمويل للقيام بأنشطتها وتنفيذ هجماتها، وبالتالي فإن منع تدفق التمويل المالي إليهم سيقلص قدرتهم على القيام بأعمال إرهابية.

ولقد أعلنت العديد من المنظمات الدولية والإقليمية عن الأهمية الكبيرة للتعاون الدولي لمحاربة الإرهاب، مثل الأمم المتحدة ممثلة في مركز ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدِّرات والجريمة، والشرطة الجنائية الدولية (الإنتربول) والتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب وتشكل هذه المنظمات والهيئات الدولية القنوات التي تربط الدول المختلفة وتتيح لها التعاون لمحاربة الإرهاب بشكل فعال.

وأيضاً تظهر أهمية التعاون الدولي في التصدِّي للإرهاب عبر استخدام العديد من الوثائق ومذكرات التفاهم والمعاهدات والاتفاقيات الدَّولية والإقليمية وجميعها تهدف الى تعزيز التعاون الدولي وتنسيق الجهود وتبادل المعلومات وتوحيد السياسات والإجراءات لمواجهة التهديد الإرهابي بكفاءة وفاعلية

وتختلف هذه الوثائق في الأهداف والمحتوى والتزامات الدول الموقعة عليها ووضعها القانوني ولكن تتفق جميعها في إنها تتوافق مع القوانين والأعراف الدولية وتحترم حقوق الإنسان، وتعمل على تحقيق السلم والأمن العالميين. بحيث تكون هذه الوثائق أدوات فعالة لتحقيق التعاون الدولي وتعزيز جهود محاربة الإرهاب في جميع أنحاء العالم.

 

 مذكرات التفاهم والاتفاقيات

مذكرات التفاهم والاتفاقيات هما نوعان من الوثائق الدولية التي تستخدم لتنظيم التعاون بين الدول في عدد من المجالات ومنها مجال محاربة الإرهاب. ومع ذلك، هناك فروقات قانونية بينهما تتعلق بطبيعة الاتفاق ومدى التزام الأطراف بها.

مذكرات التفاهم

مذكرات التفاهم (Memorandum of Understanding) عبارة عن اتفاقيات غير مُلزْمة قانونياً بين الدول أو بين دولة ومؤسسة أو منظمة، وهي صك دولي ذو طابع أقل رسمية. إذ يحدد غالباً الترتيبات التنفيذية المندرجة في اتفاق إطاري دولي. وتُستخدم كذلك في تنظيم المسائل التقنية والتفصيلية. وتتخذ عادة شكل صك واحد ولا تحتاج إلى تصديق.  وتجعلها دول أو منظمات دولية حيز النفاذ. وتبرم الأمم المتحدة عادة مذكرات تفاهم مع الدول الأعضاء بغية تنظيم عمليات حفظ السلام الخاصة بها أو ترتيب مؤتمرات الأمم المتحدة. كما تبرم الأمم المتحدة مذكرات تفاهم بشأن التعاون مع منظمات دولية أخرى.

بالإضافة إلى ذلك، تحتوي مذكرات التفاهم على بنود تهدف لتعزيز قدرات الدول المشاركة في محاربة الإرهاب، من خلال تقديم التدريب والتكنولوجيا والمعدات اللازمة لتعزيز القدرات الأمنية.

وتحدد مذكرات التفاهم شروطًا للتعاون والتنسيق في مجالات معينة، بما في ذلك مجال محاربة الإرهاب. وعلى الرغم من أن مذكرات التفاهم غير ملزمة قانونياً، إلا أنها تعد وثيقة مهمة تؤسس للتعاون بين الدول في مجالات مختلفة.

​الاتفاقيات
أما الاتفاقيات (Treaties) فهي وثائق قانونية ملزمة قانونياً بين الدول، وتنص على الحقوق والالتزامات التي يجب على الدول الوفاء بها. وتحتوي الاتفاقيات على بنود محددة وملزمة، وتحتاج إلى عملية التصديق من جانب الدول الموقعة عليها لتصبح سارية المفعول.

وللاتفاقيات معنى عام ومعنى خاص.

أ. الاتفاقيات كمصطلح عام: هي "اتفاقيات دولية" للصكوك التي لا تستوفي تعريف "المعاهدة". فبحسب موقع منظمة الأمم المتحدة "دليل المعاهدات" يظهر الفرق بين التعريفين في كون "الاتفاقية" يمكن أن تُبرم بين جهات مختلفة فبالإضافة الى الدول، تكون بين شركات أو منظمات أو أفراداً، في حين أن المعاهدات تبرم بين الدول، ويوقع عليها قادتها، بما يجعل لها شكلاً أكثر رسمية وإلزاماً.

 ب. الاتفاقيات كمصطلح خاص: تتسم بطابع أقل رسمية من "المعاهدات" وتتناول مجموعة أكثر تحديداً من الموضوعات. وثمة نزعة عامة إلى إطلاق مصطلح "الاتفاق" على المعاهدات الثنائية الأطراف أو المعاهدات المتعددة الأطراف المحدودة النطاق. ويُستخدم هذا المصطلح بوجه خاص للصكوك ذات الطابع التقني أو الإداري وتتناول الاتفاقيات مسائل التعاون الاقتصادي والثقافي والعلمي والتقني. كما تتناول الاتفاقيات كثيراً مسائل مالية لضمانات الاستثمار والأمور المالية.

https://treaties.un.org/Pages/Resource.aspx?path=Publication/TH/Page1_en.xml

 

 مذكرة التفاهم والاتفاقية والفروقات بينهما

على الرغم من ان مذكرة التفاهم والاتفاقية وثائق رسمية قانونية إلاَ أن هناك فروق جوهرية بينهما من حيث النطاق والقوة القانونية والالتزام والتفاوض والتعديل

​النطاق:
- مذكرة التفاهم: تستخدم عادة كمستند تحضيري لاحتمالية توقيع اتفاقية في المستقبل. قد يتم استخدامها لتحديد الأهداف والمبادئ العامة للاتفاق ولتوضيح الإجراءات اللازمة للتفاوض والوصول إلى اتفاقية رسمية.

- الاتفاقية: تعتبر عقدًا رسميًا وقانونيًا يحتوي على شروط وتفاصيل محددة للاتفاق بين الأطراف المعنية. قد تشتمل الاتفاقية على التزامات قانونية للأطراف، بما في ذلك حقوق والتزامات قانونية وتعديلات محتملة.

القوة القانونية:
- مذكرة التفاهم: ليست لديها قوة قانونية قطعية، وعادة ما تكون قابلة للتفسير وتنفيذ التفاهم المتبادل.

- الاتفاقية: عادة ما تكون لها قوة قانونية قاطعة وتخضع للعقود والقوانين الوطنية والدولية. تعتبر الاتفاقية ملزمة وقابلة للتنفيذ قانونيًا.

الالتزام:

- مذكرة التفاهم: الأطراف عادة ما تلتزم بالعمل وفقًا لما تم الاتفاق عليه في المذكرة، ولكن الالتزامات غير قانونية.

- الاتفاقية: الأطراف مُلزمةَ قانونيًا باحترام وتنفيذ الشروط والتفاصيل المنصوص عليها في الاتفاقية.

التفاوض والتعديل:

- مذكرة التفاهم: يمكن تعديل مذكرة التفاهم بسهولة خلال عملية التفاوض المستمرة قبل توقيع الاتفاقية رسمياً.

- الاتفاقية: على وجه العموم من الصعب تعديل الاتفاقية بعد توقيعها، وقد يُشترط التوافق بين الأطراف لإجراء أي تعديلات.

في الختام، فإن التعاون الدولي لمحاربة الإرهاب يعد أمرًا حاسمًا للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة والحفاظ على الأمن والاستقرار العالميين. وتظهر أهميةُ التعاون في التصدِّي للإرهاب عبر مذكرات التفاهم  والمعاهدات والاتفاقيات الدَّولية والإقليمية إذ إنه يتطلب التعاون  المشترك والشراكة بين الدول المختلفة لتنسيق الجهود وتبادل المعلومات وتوحيد السياسات والإجراءات لمواجهة التهديد الإرهابي بكفاءة وفاعلية، إضافة إلى تأسيس وتكوين  منظمات ومراكز محاربة الإرهاب منها على سبيل المثال: مركز ومكتب  الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدِّرات والجريمة، والتحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب الذي يهدف إلى تنسيق الجهود المشتركة للدول الأعضاء في مواجهة التهديدات الإرهابية.