استطالت مخالبُ تنظيم داعش في خُراسان في السنوات الأخيرة، وتمدَّد إلى جنوبي آسيا، مع بقاء الرأسِ المدبِّر مُستأسِدًا في مَعقِله الأول في الشرق الأوسط، واستمرار ذراعِه الطُّولى في باكستان وأفغانستان، أو (خُراسان الكبرى، وَفقًا لمصطلحات داعش)، تمارس فيها أعمالَ التجنيد والقتل والتدمير والتخريب على نطاقٍ واسع. ويسعى تنظيمُ داعش الإرهابي إلى جعل خُراسان التي تضمُّ أجزاءً من آسيا الوسطى وأفغانستان وإيران وباكستان مركزًا للخلافة. وقد ظهرت ذراعُ داعش في مشهد معقَّد حقًّا؛ وهي تتنافسُ مع تنظيمات إرهابية أخرى؛ سعيًا إلى بسط النفوذ والهيمَنة على المنطقة. 

وهذا المقال يُظهر بدايةَ نشوء فرع تنظيم داعش في خُراسان، والأسس الفكرية التي يبني عليها رواياتِه وخُطَطه، وعَلاقاته بالقيادة والهيكل التنظيمي والقيادي في خُراسان، والأساليب التي ينتهجها في استقطاب المقاتلين الجدُد وتجنيدهم، والعمليات الإرهابية التي يمارسها في المنطقة، وردود الفعل الدَّولية والمحلِّية تجاه التنظيم.

الهيكل التنظيمي والقيادة
من مسجد الزِّنكي في المـَوصِل عام 2014م، نصَّب «أبو بكر البغدادي» نفسَه خليفةً، وسَرعان ما قدَّمت له كثيرٌ من الجماعات المنشقَّة في مِنطَقة جنوبي آسيا وما حولها فروضَ الولاء والطاعة. وتضمَّنت هذه الجماعاتُ الفصائلَ المنشقَّة عن حركة طالبان الأفغانية، ومجموعةَ شهيد الله الباكستانية، وجندَ الله، والحركةَ الإسلامية في أوزبكستان التي كانت جزءًا من تنظيم القاعدة، وغيرَها من المجموعات التي هي أصغر حجمًا.

وعقبَ إعلان الخلافة المزعومة من العراق، أعلن تنظيمُ داعش سياسةً تبنَّاها لمدَّة خمس سنوات، وأصدر خريطة تُظهر مِنطَقة باكستان وأفغانستان جزءًا من ولاية خُراسان.

وقد انتزع مقاتلو فرع تنظيم داعش في خُراسان موطئ قدم تحت شعار (باقية وتتمدَّد)، بدعم من المتعاطفين من مختلِف الجماعات المنشقَّة. ولعلَّ هذا يلخِّص نهَم التنظيم وتعطُّشه لالتهام المزيد من المناطق؛ لتأسيس دولة الخلافة في منطقة مترامية الأطراف. وفي العاشر من يناير عام 2015م نشر «حافظ سعيد خان» القائدُ السابق لحركة طالبان في باكستان، و«شهيد الله شهيد» المتحدِّثُ السابق باسم الحركة، مع أربعة من قادة الحركة، مقطعًا مصوَّرًا أكَّدوا فيه ولاءهم لأبي بكر البغدادي، ثم أُعلن رسميًّا أن ولاية خُراسان تابعة لتنظيم داعش. 

وفي 26 يناير 2015م أيَّد «أبو محمد العدناني» كبيرُ الإستراتيجيين في تنظيم داعش، هذا الإعلان، وبذلك عُيِّن «حافظ سعيد خان» أولَ أمير وقائد لولاية خُراسان تحت لواء تنظيم داعش. وأظهر تنظيم داعش في خُراسان نشاطه البارز في مقاطعات: ننجرهار، وزابول، وفارياب، وهلمند، وغزني، وقندوز، وسعى جاهدًا لتوسيع سيطرته في جلال أباد، وكونار، ونورستان. ومنذ نشأته كان فرعُ التنظيم في خُراسان من أعنف الجماعات المسلَّحة التي قادت الهجَمات على المدنيين وقوات الأمن والأقلِّيات في أفغانستان وباكستان.

يتكوَّن تنظيم داعش في خُراسان من هيكل قيادي بزعامة أمير، ولجنة استشارية في مجلس الشُّورى، وقائد لكلِّ ولاية من الولايات التابعة. ومع تصاعُد المواجهات في المنطقة، قتلت القواتُ الأمريكية والأفغانية عددًا من أُمراء لفرع التنظيم في عامي 2016 و2017م، منهم: «حافظ سعيد خان»، و«عبد الحسيب لوغاري»، و«أبو سعيد غالب». وفي مارس 2020م اعتقَلت قواتُ الأمن الأفغانية أمير التنظيم في خُراسان «أسلم فاروقي»، مع عددٍ من القادة في ولاية قندهار. وعُيِّن «شهاب المهاجر» أميرًا لتنظيم داعش في يونيو 2020م، وهو أول أمير عربي يُعيَّن من خارج المنطقة، ولا يزال أميرًا للتنظيم حتى كتابة هذه السطور.

أعداد المقاتلين
وَفقًا لدراسة بحثية أجراها المركزُ الدَّولي لدراسة التطرف والعنف السياسي، توجَّه نحو 300 إلى 400 مقاتل من باكستان وأفغانستان إلى العراق وسوريا؛ للقتال تحت راية تنظيم داعش الإرهابي، لكنَّ الأرقام الرسمية التي قدَّمتها السُّلطات الباكستانية تؤكِّد أنهم نحو 650 مقاتلًا منذ أغسطس 2017م. وتتباينُ الآراء بشأن أعداد مقاتلي تنظيم داعش في خُراسان والعاملين في أفغانستان. فوَفقًا للمعهد الملكي للخِدْمات المتحدة، هناك ما بين 7000 و8500 من مقاتلي تنظيم داعش في خُراسان، ومن يناصرهم في أفغانستان. في حين قالت وِزارةُ الدفاع الأمريكية عام 2016م: إن هناك ما بين ألف إلى ثلاثة آلاف مقاتل في المنطقة. وأكَّد تقريرُ الأمم المتحدة الصادر في الأول من يونيو 2021م، أن عدد مقاتلي تنظيم داعش ما بين 1500 و2200 مقاتل، ينتشرون في مقاطعتَي كونار وننكرهار. 

وفي 24 من مارس 2017م، قال وزيرُ الخارجية الأمريكي «ريكس تيلرسون»، في الاجتماع الوِزاري العاشر للتحالف العالمي لمحاربة تنظيم داعش في واشنطن: إن التنظيم يُكثِّف عمليَّات التجنيد بين الشباب، ولا سيَّما شباب باكستان وأفغانستان والعراق، ثم يدفعُهم للانخراط في المعارك والقتال، ويلجأ إلى تنفيذ كثير من الهجَمات الإرهابية الشَّرسة في هذه الدول، وأماكنَ أخرى في أوروبا، لبثِّ رسالة مُفادها: إن التنظيم لا يزال قويًّا وصامدًا.

العقيدة الفكرية 
يُعَدُّ تنظيم داعش في خُراسان حالةً لشبكة إرهابية عابرة للحدود؛ إذ تنتهج بعضُ الجماعات والأفراد بأفكارها الأصولية المتطرفة، نهجَ روايات تنظيماتٍ متشدِّدة وقتالية من دول أخرى، وتتبنَّى مذاهبَها وعقائدَها الفكرية. وفي هذا الصَّدَد عزَّزت التحدِّياتُ الأمنية على الصعيد الداخلي، التي واجهتها باكستان وأفغانستان على مدى العقود الماضية، من خطَر الإرهاب في منطقة جنوبي آسيا وفي جميع أنحاء العالم. على سبيل المثال: أعلن «أبو بكر البغدادي» مفهومَ الدولة الإسلامية في مسجد في العراق، وسَرعان ما تفشَّت مزاعمه من شمالي العراق وغربيِّه، إلى شمالي سوريا وشرقيِّها، والشرق الأوسط، وشمالي إفريقيا، وأوروبا، وجنوبي آسيا وشرقيِّها. 

وبهذا انتشرت عقيدةُ تنظيم داعش الإرهابي القائمة على التشدُّد والتطرف، والقتال والعنف، ومفهوم إقامة الخلافة المزعومة في أرجاء العالم. ونتيجةً لذلك تلتزم كثيرٌ من الجماعات المسلَّحة العابرة للحدود بالعقيدة الفكرية لتنظيم داعش. وبهذه الطريقة يمكنُ لهذه العقيدة أن تتسرَّب عبر الحدود إلى أبعد مدًى، وإن لم يُقِم التنظيم في تلك المناطق باستمرار. ومن الأمثلة التي تُثبت صحَّة هذا المنهج: أن الهجَمات التي شُنَّت في باكستان وأفغانستان وباريس وبروكسل وألمانيا وبرشلونة ولندن ومانشستر وتركيا، والتي زُعم أنها مستوحاةٌ من تنظيم داعش، قد خُطِّط لها تخطيطًا مستقلًّا في أجزاءٍ أخرى من العالم. وبعدما طرقت التقنيةُ أبواب هذا العالم الحديث بقوة وإصرار، أصبح لشبكة الإنترنت ووسائل التواصُل الاجتماعي أثرٌ رئيس في تسهيل تفشِّي هذه العقيدة الفكرية في العالم.

السياسة والخطة 
اعتمد تنظيمُ داعش منذ تأسيسه في خُراسان، على سياسة وخُطة عسكرية مختلفة؛ للسيطرة على المزيد من المناطق. وتتخذ القيادةُ المركزية لتنظيم داعش من العراق وسوريا مقرًّا مركزيًّا، ولدى التنظيم فروعٌ متشدِّدة في أنحاء العالم، ولا سيَّما منطقتي باكستان وأفغانستان. وهناك بعضُ الجماعات المسلَّحة المنشقَّة في المنطقة التي تتفقُ في أفكارها وسياساتها وخُططها مع تنظيم داعش، من حيثُ استخدامُها التقنيَّة، والمساعدات المالية، وأعمالها الهمجية العنيفة. 

وقد سبَّب توغُّل تنظيم داعش ونفوذه في منطقة جنوبي آسيا اضطرابَ المشهد الإرهابي؛ إذ رفضَ كلٌّ من تنظيم القاعدة، وحركة طالبان الأفغانية، وحركة طالبان في باكستان، علنًا، مفهومَ تنظيم داعش للخلافة الإسلامية، خلافًا لبعض الجماعات المتمرِّدة الصغيرة المنشقَّة والمتشدِّدة. وكتبت حركةُ طالبان في باكستان رسالةً من 60 صفحة انتقدت فيها ادِّعاء البغدادي أنه الخليفةُ الجديد للمسلمين. وفي عام 2014م كتب أميرُ طالبان الأفغانية في ذلك الوقت، المـُلَّا منصور أختار، رسالةً من 14 صفحة إلى أبي بكر البغدادي، حذَّره فيها من البقاء خارج أفغانستان، قائلًا: تُناضل الجماعاتُ في جميع أنحاء العالم الإسلامي من أجل الإسلام، ولديها هيكلٌ تنظيمي خاصٌّ بها، وإذا تدخَّلتَ في شؤونها وبثثتَ بذور الفُرقة بين صفوفها؛ فسيؤدِّي ذلك إلى إراقة الدماء داخل هذه التنظيمات.

وهناك مدرستان مختلفتان في تقويم وجود تنظيم داعش في خُراسان، أما المدرسةُ الأولى فترفض فكرة الوجود المنظَّم لداعش في خُراسان وتأثيره في المنطقة، مُستندةً إلى أربعة أسباب تَعُوق محاولات التنظيم تحقيقَ أهدافه، وإثباتَ وجوده على أرض الواقع، وهي:
  1. أن تنظيم داعش في خُراسان دخيل على منطقة جنوبي آسيا، وقد عاقت الحواجزُ اللغوية والثقافية والجغرافية انضمام التنظيم إلى الجماعات الإرهابية القائمة هناك. 
  2. لم تترك التنظيماتُ المسلَّحة والمنظمة، مثل: تنظيم القاعدة، وحركة طالبان الباكستانية، والجماعات الإرهابية الكشميرية، سوى مساحةٍ صغيرة جدًّا ليكون لتنظيم داعش في خُراسان موطئُ قدم. 
  3. مفهوم الخلافة المزعومة لا يمتُّ بأيِّ صلة للحقائق على الأرض، والصراعات المحلِّية في المنطقة.
  4. أن تنظيم داعش في خُراسان جماعة لها عقيدتها التكفيرية، في حين أن معظم الجماعات المتطرفة في المنطقة من أتباع «ديوبندي حنفي».

وبتحليل وجهات النظر هذه، يبدو أن المساحة المتاحة للفكر السلفي المتطرف في باكستان وأفغانستان ضئيلة جدًّا. وأما المدرسةُ الفكرية الأخرى فترى أن التقليل من شأن وجود تنظيم داعش في جنوبي آسيا سيُفضي إلى خطر أمنيٍّ كبير؛ إذ إن التنظيم سيجد قاعدةً من المؤيِّدين والأنصار بين الجيل الجديد في المنطقة. وكثيرًا ما نجد هؤلاء المؤيِّدين والأنصارَ والمتعاطفين في الكلِّيات والجامعات التي يدرسُ فيها الشباب المتشدِّد المتعلِّم من الطبقات الوسطى والعليا في المناطق الحضرية. على سبيل المثال: تبنَّى تنظيم داعش في خُراسان سياسة تجنيد مختلفة مع شباب أفغانستان؛ إذ اهتمَّ بالجماعات المسلَّحة، ولا سيَّما الفصائلِ المنشقَّة، والجماعات والأفراد المسلَّحين المحرومين من حقوقهم.

الأنشطة الإرهابية 
أدَّى وجودُ تنظيم داعش الإرهابي في خُراسان، وانتشاره في باكستان وأفغانستان، وتقديمُ فروض الولاء والطاعة له من قِبَل الجماعات المسلَّحة المنشقَّة والجماعات التي هي أصغرُ حجمًا؛ إلى اتساع سيطرة التنظيم في خُراسان، وتنفيذ هجَمات إرهابية في المنطقة على نطاق كبير وشرس. وتبنَّى التنظيم سلسلةً من الهجَمات البارزة في باكستان خلَّفت آلاف القتلى والجرحى، ودمَّرت كثيرًا من المنشآت والمباني الحيوية ودُور العبادة، وكلُّها تشير إلى حضور التنظيم بقوة على أرض الواقع. ومن هذه العمليات على سبيل المثال: هجومٌ انتحاري على مستشفى كويتا في 8 أغسطس 2016م، أدَّى إلى مقتل 70 شخصًا وإصابة 120 آخرين. وأسفر هجومٌ آخرُ في 24 أكتوبر 2016م، في أكاديمية الشرطة للتدريب في كويتا، عن مقتل 61 من طلاب الشرطة وإصابة 165 آخرين.

وفي نوفمبر عام 2016م أدَّى هجوم على ضريح «شاه نوراني» في خوزدار بلوشستان، إلى مقتل 52 شخصًا وإصابة مئة آخرين. وفي يوليو 2018م وفي أثناء تجمُّع انتخابي في كويتا، خلَّف هجوم انتحاري 149 قتيلًا و186 جريحًا. وفي 3 يناير 2021م اختطف تنظيمُ داعش 11 شخصًا من عمَّال مناجم الفحم من طائفة «الهزارة» الشيعية في بلوشستان، ونقلهم إلى جبل قريب وقتلَهم بوحشية.

وبرز فرعُ داعش في أفغانستان بتنفيذ سلسلة من الهجَمات الشرسة، منها الهجومُ على القنصلية الباكستانية في جلال أباد في 13 يناير 2016م، الذي أسفر عن مقتل 7 أشخاص. وهجوم آخر على مستشفًى عسكريٍّ في كابول في 8 مارس 2017م، أسفر عن سقوط 30 قتيلًا و50 جريحًا. وأدَّى هجومٌ على مطار كابول إلى مقتل 23 شخصًا وإصابة 107 آخرين. وفي أغسطس 2018م وقع هجومٌ انتحاري في مسجد في باكتيا قتل 48 شخصًا وأصاب 70 آخرين. وفي الثاني من أغسطس 2020م، أدَّى هجومٌ على أحد السُّجون في جلال آباد إلى مقتل 24 من أفراد قوَّات الأمن الأفغانية. وأدَّى الهجومُ الأخير على مطار حامد كرزاي الدَّولي في كابول، في أغسطس 2021م، إلى مقتل نحو 170 شخصًا، منهم 13 جنديًّا أمريكيًّا. 

وكانت وقعَت الهجَماتُ التي أعلنها تنظيمُ داعش في خُراسان لأول مرة في أفغانستان عام 2015م، وقبل ذلك شنَّ التنظيم هجَمات إرهابية في باكستان. ويُذكر أن عدد الهجَمات التي تشنُّها الجماعات المرتبطة بتنظيم داعش ليست كثيرة، ومع ذلك فإن الوجود الفعلي لتنظيم داعش في باكستان وأفغانستان أصبح تهديدًا خطِرًا للمنطقة بأسرها، مما يستلزم تحمُّل المسؤولية الجماعية لدول جنوبيِّ آسيا في تبنِّي سياسة شاملة تجاه هذا الخطر المـُحدِق.

الردود الإقليمية والدَّولية 
برزت جهودٌ إقليمية ودَولية؛ لمكافحة الإرهاب في هذه المنطقة، ولكسر شوكة تنظيم داعش في خُراسان. وقد شنَّت قواتُ الأمن الباكستانية عمليَّتين عسكريتين على معاقل التنظيم، وهما عمليةُ (زرب العزب) في يناير 2015م، وعملية (رد الفساد) في فبراير 2017م. وقد انطلقت العمليةُ الأولى في منطقة وزيرستان الشَّمالية التي كانت تحت قيادة طالبان في باكستان، وتنظيم القاعدة والجماعات التابعة له، والحركة الإسلامية لأوزبكستان، وجماعة «لاشكر جهانغفي»، وتنظيم داعش في خُراسان، والجماعات المسلَّحة المرتبطة به. 

وأسهمت هذه العمليةُ في الحدِّ من حوادث العنف والإرهاب في البلاد، ووَفقًا للمدير العام السابق للعَلاقات العامَّة للخِدْمات الباكستانية، الفريق «عاصم باجوا»: قُتل قرابة 3500 مسلَّح، في حين لقيَ 490 جنديًّا حتفهم في العملية، ودُمِّرت 992 خلية نائمة، وأُبطل مفعول 7500 قنبلة، وأُزيل 2800 لَغَم، واستُعيدَ 3500 صاروخ، وعثرت القواتُ الباكستانية على 253 طُنًّا من المتفجِّرات في أثناء عملية تطهير بلغت مساحتها 4304 كيلومترات مربعة. وأضاف «باجوا»: كان لدى المسلَّحين ما يكفي من المتفجِّرات لمواصلة القصف مدَّة 15 عامًا، بمعدَّل سبع عمليات تفجير في كل يوم.

وفي غُضون ذلك، تمكَّنت الولاياتُ المتحدة وقوات الأمن الأفغانية من تقليص توسُّع تنظيم داعش في خُراسان، وإعادة السيطرة على أجزاءٍ كبيرة من الأراضي في أفغانستان، والقضاء على %75 من قادة تنظيم داعش في خُراسان؛ في أثناء الضرَبات الجوِّية والعمليات التي شنَّتها الولاياتُ المتحدة وقوات الناتو. وفي أبريل 2017م، هاجمت القواتُ الأمريكية نقطةَ تجمُّع لتنظيم داعش في ننجرهار، وشنَّت هجومًا شرسًا يسمَّى (أم القنابل)، أسفر عن قتل عددٍ كبير من مقاتلي داعش. وقد تعهَّد الرئيس الأمريكي جو بايدن، ردًّا على هجوم مطار كابول في 26 من أغسطس 2021م، الذي تبنَّاه تنظيمُ داعش، بملاحقة المسؤولين المتورِّطين، مضيفًا أن التنظيم سيدفع ثمنَ الهجوم الوحشي، وأن الولايات المتحدة ستردُّ بقوة وحزم في الوقت الذي تحدِّدُه، وفي المكان الذي تختاره. وصنَّفت لجنةُ الجزاءات التابعة لمجلس الأمن، في 14 مايو 2019م، تنظيمَ داعش في خُراسان منظمةً إرهابية. وقبل ذلك في سبتمبر 2015م، صنَّفته الولاياتُ المتحدة مجموعةً إرهابية عالمية، وَفقَ الأمر التنفيذي رقم 13224، وفي يناير 2016م صنَّفته منظمةً إرهابية وَفقَ المادَّة 219 من قانون الهجرة والجنسية. وصنَّفت الحكومةُ الأسترالية تنظيم داعش في خُراسان منظمةً إرهابية في 3 نوفمبر 2017م وَفقَ قسم من القانون الجنائي (102).

الخلاصة
منذ أن أعلن أبو بكر البغدادي الخلافةَ عام 2014م، وفرعَ تنظيم داعش في ولاية خُراسان الجديدة عام 2015م، وتصريحُ داعش في خُراسان برغبته في دخول منطقة جنوبي آسيا، والبياناتُ الأولية تؤكِّد قدرةَ التنظيم على استقطاب المجنَّدين، سواءٌ من الشباب الجدُد أو الفصائل المنشقَّة عن التنظيمات المسلَّحة الأخرى. وقد شنَّ التنظيم عددًا كبيرًا من الهجَمات الإرهابية الشرسة في باكستان وأفغانستان؛ لكي يثبتَ بها وجودَه على أرض الواقع. وفي الوقت نفسه لا يزال اختراقُ تنظيم داعش للمشهد العسكري في المنطقة محدودًا نسبيًّا.

وعلى أن وجود تنظيم داعش في خُراسان يُعَدُّ محدودًا نسبيًّا في الوقت الحالي كما ذكرنا؛ لا ينبغي التقليلُ من مخاطره المحتمَلة؛ إذ لديه القدرةُ على التوسُّع والتمدُّد؛ ليصبحَ قوة ضاربة في المستقبل، لامتلاكه القدرةَ على جذب عدد كبير من المجنَّدين من جيل الشباب في قرى المنطقة ومدُنها.

إن تنظيم داعش الإرهابي أصبح أشبه بمنظمة إرهابية مؤسسية، أعاد العقيدة المتطرفة التكفيرية إلى جنوبي آسيا؛ لذا يجب التعاملُ معه على أنه تهديد للمنطقة بأسرها، وليس على أنه مشكلة تؤرِّق بعضَ الدول بمعزِل عن الدول الأخرى. وأخيرًا، فإن تعامل الحكومة الأفغانية الجديدة مع تهديد داعش يعتمدُ على خططها الإستراتيجية السياسية والعسكرية، والتزامها باحترام اتفاق الدوحة، الذي يقضي بعدم السَّماح لأي تنظيم مسلَّح استخدام الأراضي الأفغانية للقيام بأنشطة إرهابية.