​أسفر تمرُّد الطوارق عام 2012م عن أزمةٍ في دولة مالي، وشبَّت نيرانها بجذوة الأنشطة العنيفة لتحالفٍ لم يلبث أن ترعرعت فيه الجماعاتُ الانفصالية والمتطرفة العنيفة، التي تضاربت مصالحها فقوَّضَت أركانَ ذاك التحالف. فأنشأت جماعةُ أنصار الدِّين، وهي فرعٌ لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في غرب إفريقيا، وكتيبةُ ماسينا، والمرابطون، تحالفًا جديدًا عُرف باسم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عام 2017م. 

ومع أن أعضاء التحالف الجديد قد عملوا مدَّة طويلة في مالي، فإن أنشطتهم العنيفةَ منذ نشأة التحالف قد كثرت وزادت حدَّتها. ويبدو أن تحالف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين كان ردَّ فعل على الأعمال العسكرية التي استهدفت أعضاءَ الجماعة بعمليات مشتركة للقوات الدَّولية والإقليمية والوطنية، مثل عملية برخان، إضافةً إلى الرغبة في توسيع أنشطة التحالف خارج حدود مالي. 

النساء والإرهاب
عمَدت جماعةُ نصرة الإسلام والمسلمين إلى إعادة وضع الخطط وترتيب الأولويات لديها. وأكَّدت في دعايتها أنها لا تستخدمُ النساء في الخطوط الأمامية، وعلى الرغم من إسهامات المرأة التي تبدو في ظاهرها سلبية، فإن أثرها كبيرٌ في تسهيل مهامِّ الجماعة؛ لتعملَ بأقلِّ قدر من المخاطر مع الحفاظ على نفوذها في المناطق التي تنفِّذ فيها عملياتها.

ويتناول هذا المقالُ موضوعين رئيسين؛ الأول: أثرُ مشاركة النساء في تسهيل أنشطة الجماعات المتطرفة العنيفة، والثاني: العواملُ الداخلية والخارجية، أو ما يسمَّى عواملَ الدفع والجذب التي تزيد من ميول النساء ورغبتهنَّ في دعم الجماعات المتطرفة العنيفة.

يرى الباحثُ «أنينغ» أن الأفكار النمطية الجنسية ترسم صورةً مسالمةً لطبيعة المرأة، إلا أن هذه الصورَ النمطية تَغفُل عن الأعمال المتنوِّعة والمتغيِّرة التي تؤدِّيها النساء في حالات الصراع. فالنساء يتمتَّعنَ بقدرة كبيرة على ممارسة أعمال بارزة مهمَّة؛ كأعمال المخبرين والجواسيس وجماعات الضغط التي من شأنها أن تخدمَ المصالح الإستراتيجية للجماعات المتطرفة العنيفة. وسنحاول كشفَ اللثام عن أهمِّ مشاركات النساء في تعزيز التطرف العنيف في مالي.

المخبِرات ومجموعات الضغط
تستغلُّ الكثير من الجماعات المتطرفة العنيفة ما تفرضه الثقافةُ المجتمعية من وَصْم النساء بالضعف والعُزلة السلبية، ويتمثَّل هذا الاستغلالُ باختيار عناصرَ نسائية ونشرهنَّ بين أطياف المجتمع لجمع المعلومات الاستخبارية لمصلحة الجماعات المتطرفة العنيفة. وعادةً ما يسهُل على النساء الوصولُ إلى أماكنَ كثيرةٍ لجمع معلومات مهمَّة وحسَّاسة للجماعات المتطرفة دون الاشتباه في تورطهنَّ في أيِّ عمل إجرامي. وقد بيَّنت تقاريرُ شتَّى أن النساء يُسهمنَ إسهاماتٍ كبيرةً في الأنشطة العنيفة للجماعات المتطرفة، دون الحاجة إلى مغادرة منازلهنَّ والانضمام إلى تلك الجماعات في ميادين الأنشطة القتالية العنيفة. وتعمل النساءُ على تسريب معلومات خطِرة عن وكالات إنفاذ القانون الدَّولية، والهجَمات التي يُخطَّط لها لاستهداف الجماعات المتطرفة العنيفة.

وتُستغلُّ النساء للضغط على الحكومة والجمهور المستهدَف، وغالبًا ما تشارك النساءُ في المظاهرات التي تروِّج قضايا الجماعات المتطرفة العنيفة. على سبيل المثال: في كيدال المدينة التي لا يمكن الوصولُ إليها إلا جوًّا، تحتشد النساءُ في المطارات للتظاهر، وأحيانًا يقُمنَ بإلقاء الحجارة على المسؤولين لنشر الرسائل الدعائية التي تروِّجها الجماعاتُ المتطرفة العنيفة.

مجموعات الدعم والدوافع
إن مخاطرَ مشاركة النساء في أنشطة الجماعات المتطرفة العنيفة يسيرة، فليس من السهل الاشتباهُ في النساء اللواتي يلتحقنَ بالأعمال الإرهابية والأنشطة العنيفة، ويصعُب اكتشاف ممارساتهنَّ الإجرامية. لذلك تشارك بعضُ النساء في أنشطة معيَّنة، مثل: زرع العبُوات الناسفة في المجتمعات المحلِّية، بذريعة القيام بأنشطة اقتصادية؛ وهو أسلوبٌ يزداد انتشارًا، وتستخدمه الجماعاتُ المتطرفة العنيفة لمهاجمة القوَّات الوطنية والدَّولية. وقد شاع على ألسنة عامَّة الناس أن النساء اللواتي يشاركنَ في أنشطة التطرف هنَّ من النساء اللواتي يجمعنَ ويكسِّرنَ الحجارةَ للبيع، وقد قُبِض على بعضهنَّ وبحوزتهنَّ أسلحةٌ وذخائرُ. وبعضُهنَّ متخصِّصات في صناعة أسلحة صغيرة وخفيفة، وأخريات متخصِّصات في توريد موادَّ تُستخدَم في صناعة هذه الأسلحة. ووَفقًا لتقاريرَ صادرة عام 2018م فإن أجهزة المخابرات في مالي ألقت القبضَ على امرأة بتهمة تزويد أسمدة مخصَّصة لإنتاج المتفجِّرات لكتيبة ماسينا، وهي إحدى شبكات الجماعات المتطرفة العنيفة في مالي.

لذا كان من المهم جدًّا تفسيرُ ظاهرة التحاق النساء بالأعمال الإرهابية العنيفة للجماعات المتطرفة لكونه مرتبطًا بمعرفة الميول والدوافع معرفةً دقيقة، ولا بدَّ من الكشف عن تلك الظروف والأسباب الاجتماعية والأسرية التي تُلجئ النساءَ إلى هذا المسار الشائك.

الروابط الأسرية
تُعَدُّ الروابط الأسرية التي تأسر عواطفَ النساء سببًا مباشرًا لتنامي مشاركات معظم النساء في الإرهاب، ويتدرَّج دعمهُنَّ من التعاطف مع أفراد أسرهم القائمين على الأنشطة العنيفة ومنفِّذيها ابتداءً إلى المشاركة في تيسير الأنشطة وتنفيذها انتهاءً. وفي بعض الأحيان يلتحقُ بالجماعات المتطرفة أشقاؤهنَّ وأزواجهنَّ وأطفالهنَّ وغيرهم من الأقارب على اختلاف درجة القرابة وصلتها؛ ليكونوا أعضاءً مؤثِّرين فيها. لذلك يصعُب عليهنَّ التغاضي أو الإحجام عن إبداء التعاون أو الحماية لأعضاء هذه المجموعات. 

وفي حالات أخرى فإن النساء يُجبَرنَ على التعاون مع الجماعات العنيفة، وقد يُضغَط عليهنَّ باختطاف أقاربهنَّ من الدرجة الأولى؛ كالأزواج أو الأبناء، وغيرهم من أفراد مجتمعهن، ويُجبَرنَ على أداء بعض الأعمال مقابل إطلاق سَراح أقاربهنَّ، ومن هذه الأعمال رفعُ شعارات المدح ونشرُ كلمات الوعظ التي تُعلي من شأن القيم القتالية، وتُشجِّع الرجالَ على إظهار شجاعتهم وبسالتهم، وتصِمُ المتخلِّف منهم عن القتال بالخزي والضعف والعار. وكثيرًا ما يستغلُّ أعضاء الجماعات المتطرفة العنيفة جهلَ بعض النساء وسوء فهمهنَّ لتعاليم الإسلام؛ فيُلقِّنونهن تعاليمَ كاذبةً وأفكارًا ساذجة، ويُجبِرونهنَّ على دعم أنشطة جماعاتهم.

التمسُّك بطوق النجاة
 إن ما تُحدثه الأنشطةُ العنيفة للجماعات المتطرفة من فوضى ودمار يجعل كثيرًا من الناس يصارعون أسبابَ الفناء، ويتشبَّثون بطَوق النجاة المتاح؛ أملًا في القفز إلى الجانب الآخر من الحياة الآمنة. لذلك تُضطَرُّ بعضُ النساء إلى التعاون مع الجماعات المتطرفة العنيفة بُغيةَ الوصول إلى الرعاية التي تقدِّمها بعضُ هذه الجماعات إلى المجتمعات المحلِّية. وتُظهر التقاريرُ أن بعض الفتيات اللواتي رُفِضَت طلباتهنَّ المقدَّمةُ إلى العديد من الجهات للالتحاق بخِدْمات أمن الدولة أُجبرنَ على الانضمام إلى الجماعات المتطرفة العنيفة بسبب شعور الإحباط ومرارة الرفض.

 ورُصدت حالاتٌ كان سببَ انضمام الفتيات فيها إلى الجماعات المسلَّحة الأملُ في الوصول إلى بَرِّ الأمان، بعد نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج والتأهيل، مما يُفسح أمامهنَّ المجالَ للاندماج في خِدْمات أمن الدولة التي كانت حلمهنَّ الذهبي، وغالبًا ما تذهب أحلامهنَّ أدراجَ الرياح.

الثقافة المجتمعية
مجتمعُ دولة مالي بطبيعته مجتمعٌ يسوده حكم الرجال، ويهيمن فيه الذكورُ على الإناث، وتكون المرأةُ خاضعةً للرجل خضوعًا تامًّا. ومن هذا الوضع الاجتماعي السائد كان من الممكن استغلالُ المرأة، أو إجبارها على القيام بأعمال دون موافقتها ورضاها.

وفي بعض العشائر تعامَلُ النساء معاملةَ الجواري والإماء، ولا يكون لهنَّ أي قيمة؛ بل تُنتهك كرامتهنَّ ويسخَّرنَ في أداء أيِّ نشاط مهما كان خطِرًا أو وضيعًا. وقد تتعرَّض النساء للاغتصاب والاستغلال الجنسي، وغالبًا ما يصنِّف الرجالُ النساء مواطناتٍ من الدرجة الثانية. 

هذه التصوُّرات عن النساء تتبنَّاها الجماعاتُ المتطرفة العنيفة، وتظهر جليَّةً في ممارساتهم تجاه النساء، وتفيد التقاريرُ أن النساء والفتيات يتعرَّضنَ بازدياد لسوء المعاملة، وإطلاق النار العشوائي على أيدي هذه المجموعات المتطرفة العنيفة.

ختام القول
إن أثر النساء عميقٌ في الأعمال الإرهابية، وعلى الرغم من عدم مشاركتهنَّ الظاهرة في أعمال قتالية في الخطوط الأمامية، فإنهنَّ يقُمنَ بأعمال حيوية في الشأن الاستخباراتي والدعم والتموين ومجموعات الضغط التي عزَّزت الأهدافَ الإستراتيجية للجماعات المتطرفة العنيفة في مالي.

وتناول المقالُ الإسهاماتِ المختلفةَ للنساء، والأسبابَ المتنوِّعة التي تفسِّر مشاركتهنَّ والتحاقهن بأنشطة الجماعات المتطرفة العنيفة. ولتدارك الخطر المتصاعد لمشاركة المرأة في تمدُّد أذرُع أُخطُبوط التطرف العنيف وضعَت حكومةُ مالي عددًا من البرامج السياسية، وهي: السياسة الوطنية للوقاية من التطرف العنيف ومكافحته، والسياسة الوطنية للعدالة الانتقالية، ومشروعُ قانون الحصص النسبية بين الجنسين. ولا تزال الجهودُ التي تبذلها اللجانُ التنفيذية المتعدِّدة لهذه السياسات الوطنية تحقِّق نتائجَ متفاوتة. 

إن الحاجة ملحَّة إلى شراكة قوية بين الحكومة والمجتمع المدني وأصحاب المصلحة من الأطراف الدَّولية، تتجاوز الخطاباتِ التي تزدحم بها هذه السياساتُ إلى ضمانات التنفيذ الصارم؛ لتحقيق نتائجَ وأهدافٍ ترتقي بواقع المرأة في مجتمع دولة مالي، وترفع عنها وطأةَ الظروف التي تُلجئها إلى الالتحاق بأنشطة العنف، وتحسِّن وضعَها في مجالات الحياة جميعًا.