يكثُر الحديث عن التطرف والإرهاب وما ينتُج عنهما من صراعات، وتتناول معظمُ النقاشات المعتقَدات الدينيةَ أو المصالح الاثنية أو القِيَم القومية والعِرقية التي تتعارض ومبادئ الأقلِّيات المنتمية إلى مجتمع واحد. ويتناول هذا المقالُ ما يتعلَّق بالأعمال السياسية الأصولية المرتبطة بالقِيَم الإنسانية والقِيَم البيئية، باعتماد تعريف الباحث بكلية الحقوق وقسم العلوم السياسية في جامعة لافال ''ميشيل فريدريك'' للإرهاب البيئي بأنه: «تخريب بيئي منهجي متعمَّد ومنظَّم؛ لتحقيق مآربَ سياسية». ويمكن أن ندرج في ذلك الإجراءات المتَّخَذة تجاه الموارد البيئية؛ كالغابات والأنهار والبحيرات، أو تجاه هياكل إنتاج الطاقة ذات الآثار البيئية؛ كالسُّدود ومحطَّات الطاقة النووية وخطوط الأنابيب.

الإرهاب والأمن البيئي
قسَّمت الباحثة في كلية الحقوق والاقتصاد بجامعة ليموج الفرنسية ‘'ساندرين ستافولاني'' الإرهابَ إلى ثلاثة أقسام: الإرهاب الداعم للتحرُّر الوطني أو الانفصال العِرقي، والإرهاب اليساري، والإرهاب الإسلامي. وهذا التقسيمُ يتفق مع الهجَمات السياسية والصِّراعات الدينية الأخيرة في البلدان الغربية؛ كأحداث 11 سبتمبر 2001م في نيويورك، و7 يوليو 2005م في لندن، و13 نوفمبر 2015م في باريس، لكنَّه لا يناسب سياقَ الدفاع عن القيم البيئية المركزية. ومع ذلك فإن الولايات المتحدة الأمريكية تَعُدُّ الإرهابَ البيئي أحدَ أنواع الإرهاب، وتسنُّ القوانين الاتحادية لمواجهة أيِّ عمل عنيف يستهدف المرافق البيئية أو مؤسسات ذات صلة بالحيَوانات، سواء بإتلاف الممتلكات الشخصية وتدميرها، أو بتعريض الأفراد لمخاطر محتمَلة.

ولمـَّا كان الهدفَ المعلن للإرهاب تقويضُ السلامة الوظيفية للدولة ورفاهة السكَّان، وجب تصنيفُ أعماله في نطاق مهدِّدات الأمن البيئي. ووَفقًا لنظرية العَقد الاجتماعي لروسو، فقد انتظم البشرُ طوعًا في منظومة سياسيَّة لتعزيز أمنهم عُرفت فيما بعدُ باسم الدَّولة، وارتبطت القضايا الأمنيةُ ضرورةً ببقائها وحمايتها؛ داخليًّا من التمرُّد، وخارجيًّا من العُدوان. وذلك هو الأمن القوميُّ الذي تأكَّد مع مرور الوقت بسيطرة الدولة المتعرِّضة للعنف على أراضيها، وبالغلبة العسكرية على الساحة الدَّولية. ثم ازدادت أهميةُ المجالات غير العسكرية للأمن في سياسة الدَّولة. 

وأدَّى ذلك في الثمانينيات إلى إعادة تعريف مفهوم الأمن القومي، بتوسيع مقتضياته خروجًا عن النهج التقليدي الضيِّق؛ لإدخال أيِّ عمل يمسُّ رفاهية السكَّان أو السلامة الوظيفية للدَّولة في تهديدات الأمن القومي. وفي خضمِّ هذه المناقشات ظهر مفهومُ الأمن البيئي، وأصبح ظهوره أمرًا حتميًّا عندما أضحى الأمنُ القومي ونمط الحياة مرتبطَين بالاهتمام المتصاعد بالقضايا البيئية وعدِّها من القضايا الوطنية والدَّولية.

التهديدات والكوارث البيئية
ازداد في العقود الماضية الاهتمامُ بالعَلاقة الوثيقة بين الإنسان والطبيعة، وارتبط ذلك بتحقيق الأمن، فبقاء المجتمعات أصبح مرتبطًا بالسيطرة على الأسلحة النووية، والإدارة السليمة للبيئة في المحيط الحيوي. وقد أنذرت بعضُ الكتب من نفاد الموارد الطبيعية وموارد الطاقة اللازمة لإدارة مجتمعاتنا، ومنها كتابُ الربيع الصامت «The Silent Spring»، وحدود النمو «Limits to Growth».

وإن الطبيعة العابرة للحدود لبعض المخاطر؛ كالأمطار الحمضية المرتبطة بالتلوُّث الصناعي، أبرزت الحاجةَ إلى التشاور بين الدول في البحث عن الحلول المستدامة. ثم أضيفت إليها ظواهرُ عالمية جديدة؛ كالاحتباس الحراري، وتغيُّر المناخ، وهشاشة طبقة الأوزون، ونضوب التراث الوراثي، والتصحُّر، وزوال الغابات، والتلوُّث البحري، والنُّفايات المشعَّة والصناعية والمنزلية، وانجراف الأراضي، وهي جميعًا تعدُّ تهديدًا حقيقيًّا للإنسان ومؤسَّساته. وقد وُثِّقَت هذه التهديداتُ البيئية المتصاعدة في تقرير برونتلاند سنة 1987م، وفي أعمال ريو التحضيرية سنة 1992م. ولا تقتصرُ هذه الوثائق على استكشاف حلول تستند إلى التنمية المستدامة، ولكنَّها تُبرز أيضًا هشاشةَ مخطَّطات الإدارة البيئية الدَّولية، مما يجلِّي بعضَ حالات الدمار البيئي المتصل بالصراعات الإرهابية المسلَّحة.

إن تأثير النزاعات المسلَّحة في البيئة هو الأكثر دوامًا، مع ما ينتج عنه من عواقبَ خطِرة وطويلة الأجل في النُّظم البيئية وحياة السكَّان. فبعد مئة عام من الحرب العالمية الأولى اضطُرَّ المزارعون في شمال شرق فرنسا أحيانًا إلى التوقف عن عملهم بسبب العثور على قذيفة مدفونة في الأرض. كذلك تأثَّرت الكويت جدًّا بالكوارث البيئية الناجمة عن حرق مئات الآبار النفطية في حرب الخليج عام 1991م. وأسفرت أحداثُ سبتمبر في أمريكا عن خسائرَ مدنية ومادِّية ضخمة، وبعد أسابيعَ قليلة أطلَّ الإرهابُ البيولوجي برأسه في مكان الحادث؛ إذ لوَّثت الجمرةُ الخبيثة القاتلة البريدَ وتسبَّبت في وفيات عدَّة. وكان من الممكن للمأساة أن تنتهيَ عند هذا، لكنَّ الأمر تعدَّى إلى تلوُّث البيئة، فقد أطلقت الانفجاراتُ وسقوط البُرجَين في الغلاف الجوِّي موادَّ مختلفةً من عناصرَ عضوية ومعدنية وجُسَيمات دقيقة، وموادَّ ناجمة عن الاحتراق والأسبستوس، إضافة إلى الغازات السامَّة. وهي ضارَّة بصحَّة السكَّان ولا سيَّما العاملين في الأماكن القريبة من موقع الحادث.  

إن تحليلَ الرواسب البيئية بعد عِقد من الزمن تضعُ القرارات التي اتخذتها وكالاتُ الرقابة الصحية في ذلك الوقت موضعَ الشك؛ فقد انتشرت الجُسَيماتُ الدقيقة من المركَّبات الكيميائية السامَّة الناتجة عن سقوط البُرجَين عبر سُحب الغبار مسبِّبةً أمراضَ الرئة والسرطان والقلب والأوعية الدموية. 

نطاق الأمن البيئي
تناولت البحوثُ نتائجَ تدهور النظُم البيئية واستنفاد الموارد الطبيعية. وبالفحص عن الواقع التجريبي لمصطلح الأمن البيئي يبرُز اتجاهان؛ الأول يهتمُّ بالبيئة، والثاني يهتمُّ بالدولة.

في الاتجاه الأول يكون الأمنُ البيئي لدولة ما بفَقْد التهديدات غير التقليدية للعناصر البيئية الأساسية ولرفاهة السكَّان. وفي الدراسات المؤيِّدة لهذا التوجُّه، تعدُّ البيئة متغيِّرًا لا يمكن الاستغناء عنه؛ فمصطلح السلامة البيئية يشمل ثلاثةَ عناصر: الاستغلال الدائم للموارد المتجدِّدة وغير المتجدِّدة، وحماية العناصر الهواء والماء والتربة لئلَّا يؤثِّرَ التلوُّث في التجدُّد الطبيعي، والحدُّ من المخاطر المرتبطة بالأنشطة الصناعية.

ولا شكَّ أن نطاقَ مفهوم الأمن البيئي يشمل جميعَ المشكلات المرتبطة بحماية تلك العناصر الثلاثة. وقد يتعرَّض هذا الأمنُ للخطر سواءٌ بأعمال التخريب؛ كالحرب، والإرهاب البيئي، أو التلوُّث المفرط، أو الاستغلال غير المستدام للموارد، إضافةً إلى التدخُّل البشري الدائم في بعض المناطق البيئية. وهذا المفهومُ للأمن البيئي يتكوَّن من رؤية كلِّية للعَلاقات بين الدول؛ لأنه يرتبط بأمن الكوكب كلِّه. ولذلك تولي هذه الرؤية مزيدًا من الاهتمام بالدراسات التي تتناول آثار القضايا البيئية العالمية؛ كتأثير الاحتباس الحراري، وتدهور طبقة الأوزون، ونضوب الرصيد الجيني. ولا بدَّ من بحث سُبل تصحيح هذه الاتجاهات، والجمع بين المساعي السياسية والاقتصادية والتقنية والأخلاقية، لتمهيد الطريق أمام الأمن البيئي العالمي.

وتتناول بعضُ الدراسات الأمنَ البيئي بطريقة مختلفة، فتَعُدُّ البيئةَ متغيِّرًا مستقلًّا، وأمنَ الدولة متغيِّرًا تابعًا، وتكون السلامةُ البيئية عنصرًا بيئيًّا من عناصر الأمن القومي. وتستند هذه الدراساتُ إلى فرضية مُفادها أن المشكلاتِ البيئيةَ بسبب أصلها أو شدَّتها قد تؤثِّر في الأمن القومي بدرجات متفاوتة وَفقًا لما تؤدِّي إليه من صعوبات واضطرابات اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو دبلوماسية، أو اعتداءات على السلامة الإقليمية، أو حرب مفتوحة.

وهكذا تُدرَس العَلاقة بين الأمن الوطني وعنصره البيئي وَفقَ رؤيتين؛ تتناول الأولى المشكلات البيئيةَ بوصفها العاملَ الرئيس لفِقدان الأمن، ومُستنَد هذا التوجُّه إما الاشتباكاتُ الناجمة عن النزاعات البيئية المحلِّية أو الإقليمية كالتلوُّث عبر الحدود، والاستغلال المفرط للموارد المشتركة، أو التحوُّل والاضطراب في عَلاقات القوى في منطقة واحدة أو مناطقَ مختلفة؛ نتيجةً لاضطرابات بيئية كبرى كتغيُّر المناخ والتصحُّر. وتتناول الثانية المشكلات البيئيةَ بوصفها عواملَ ثانوية لفِقدان الأمن، فالخلافاتُ البيئية لا تمسُّ الأمن القومي إلا مسًّا غير مباشر، فتُسهم في ازدياد الاضطرابات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو العسكرية، وبإذكاء الصراعات القائمة.

الإدارة البيئية الدَّولية
ترتبط الإدارةُ البيئية الدَّولية بتحقيق مفهوم التنمية المستدامة، أي ترتبط بالمسائل المجتمعية المتعلِّقة بالمشكلات البيئية، لذلك يعَدُّ المفهوم مفهومًا كليًّا ينطبق على مستويات شتَّى لأغراض مختلفة، في بيئة تتَّسمُ بتضارب المصالح. ويبدو أن النظر في القيود البيئية هو المجالُ المفضَّل للتجارِب من أجل تحديث العمل العام الذي يتجلَّى في ظهور أنماط جديدة من التنظيم البيئي والحماية البيئية.

ولكن في كلِّ عام تُلقى ملايين الأطنان من النُّفايات والملوِّثات في البحر، وتخضع هذه الممارسةُ لعدَّة أحكام دَولية أو إقليمية مشدَّدة لمكافحة التلوُّث البحري. وقد أقرَّ المجتمع الدَّولي منذ سنوات أن الحفاظ على بيئة جيدة يعدُّ قضية دَولية رئيسة، لكنَّ الأمر لم يرتَقِ إلى وضع قانون حقيقي للبيئة. 

ولمواجهة هذا الخلل في النظام الدَّولي وعدم فاعلية النظُم الدَّولية لحماية البيئة، يعمل المجتمع الدَّولي منذ عام 2001م على وضع الخطوط العريضة لإصلاحٍ لا يزال غامضًا. وينبغي أن يدفعَ هذا المأزقُ منذ قمَّة جوهانسبرغ 2002م إلى التفكير في أساليبَ مختلفة تتجاوز القديمةَ التي كانت تُعَدُّ عملًا نموذجيًّا، وهي في حقيقتها أغلالٌ تَحولُ دون الوصول إلى تعريف المصلحة البيئية المشتركة.

وهكذا ينبغي لهذه الرؤية المشتركة أن تسمحَ لنا بالتحرُّك نحو التضامن بين الأجيال الذي يعطي معنًى لمفهوم التنمية المستدامة، كما صاغته على الصعيد العالمي لجنةُ برونتلاند سنة 1987م وجاء فيه: «نحن نقترض رأسَ المال البيئي من أجل الأجيال القادمة، مع العلم أننا لا يمكن أبدًا أن نسدِّدَ لهم مستحقَّاتهم، ومع ذلك فإن لدى الجنس البشري الوسائلَ اللازمة لضمان التنمية المستدامة، أي تلبية احتياجات الأجيال الحالية، دون المساس بقُدرة الأجيال المقبلة على الاستجابة لاحتياجاتها الخاصَّة».

ولا يمكننا الحديثُ عن هشاشة الترتيبات الدَّولية دون مناقشة إسهامات المنظمات الدَّولية في الإدارة البيئية، فعمليةُ التشاور وأخذ القرار بشأن البيئة على الصعيد الدَّولي، لا تزال عمليةً يشوبها سوءُ التنظيم. وعلى الرغم من الروابط الواضحة بين البيئة والاقتصاد والتنمية فإن المنظمات الدَّوليةَ؛ كالبنك الدَّولي وصندوق النقد الدَّولي ومنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، لم تقدِّم جميعًا المواردَ الكافية للاستجابة بفاعلية وانتظام مع المشكلات البيئية العالمية. ومع السعي الحثيث لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تعزيز أثرهما، فإن حقيقة كونها برامجَ فقط تَعوقُها عن القيام بذلك.

فمجالُ المناورة المتاح للبرنامج محدود جدًّا؛ لأنه لا يمارس أي سلطات سوى تقديم التوصيات، ومع ذلك كانت مبادراتُ برنامج الأمم المتحدة للبيئة مختلفة، ولا سيَّما من الناحية المعيارية، لكنَّه لا يمكن أن يتجاوزَ المجال المحدَّد له، ما لم يُمنَح سلطةً حقيقية للتدخل والعمل.

وعلى الرغم من اعتراض بعض الدول مُنحَ البرنامجُ الحقَّ في تطوير قدُرات مستقلَّة في البحث العلمي، وهناك توافقٌ في الآراء بضرورة أن تصبحَ هذه الجهة هي السلطةَ العلمية في هذا المجال، والمصدرَ الرئيس للمعلومات عن البيئة العالمية. وقد أدَّت هشاشة وسائل الإدارة البيئية الدَّولية إلى ضعف الثقة بالنظام الدَّولي، مما دفع الدول المختلفة إلى الاهتمام بمصالحها البيئية الخاصَّة.

الإرهاب والتحوُّل البيئي
ظهرت في السنوات الأخيرة مبادراتٌ لتنمية الاقتصاد الأخضر في مختلِف أرجاء العالم، ونشِطَت بعضُ الجهات التي وضعت نُصبَ أعينها التهديدات التي تتعرَّض لها البيئة، والطوارئ البيئية، ومكانة البشر في بيئتهم. وبعد أحداث 11 سبتمبر تضاعف الوعيُ بمصادر التهديد الأخرى، ولا سيَّما التهديد الإرهابي لمحطَّات الطاقة النووية، وبدأ العالم الغربيُّ يشعر بقلق متصاعد لضعف البنية التحتية لمحطَّات توليد الطاقة الكهربائية، والمرافق النووية، والمصانع الكيميائية، والسدود الضخمة، والجسور، وخطوط الأنابيب، وشبكات المياه. 

ولم يعُد خطر الإرهاب الشامل أمرًا خياليًّا؛ بل أمرًا واقعًا، ففي بلجيكا أثبتت التحقيقاتُ عام 2016م أن الكثير من المواقع خضعت لدراسة الإرهابيين، سواء بالتواطؤ مع الداخل بأربعة تصاريحَ أمنية قد تكون سُحبت من محطة تيهانغ، بتغلغل شركات التعاقد من الباطن التي تعتمد عليها هذه الصناعةُ اعتمادًا كبيرًا، أو بحادث قديم لم تُعرَف خفاياه بعدُ يتعلَّق بتخريب خطِر حدث لإحدى عنَفات محطَّة توليد الطاقة في دويل في أغسطس 2014م. 

وإذا أضفنا إلى هذه الاختراقات الواسعة خطرَ قرصنة النُّفايات النووية في أثناء نقلها أو تخزينها، فإنه يتبيَّن لنا أن التخلِّيَ عن الطاقة النووية سيقلِّل كثيرًا من خطر الإرهاب، مع تحرير رأس المال الجديد لاستغلال مصادر الطاقة المتجدِّدة، فتكلفةُ تأهيل المرافق النووية في فرنسا تقدَّر بنحو مئة مليار يورو. وميزة الطاقة المتجدِّدة كالرياح أو الطاقة الشمسية الحرارية أنها غيرُ مركزية، وتعمل في شبكات متفرقة صغيرة، فلا تكون أهدافًا سهلةً أو موادَّ خطِرةً في العمليات الإرهابية. 

 وبناءً على اتساع الأفق للإرهاب مستقبلًا، فمن المهم توسيعُ نطاق التفكير ليشملَ مجالات أخرى من التحوُّل البيئي، في سياق الهجَمات التي وقعت في العقود الأخيرة.

فبعضُ المشروعات التي يعترض على إقامتها الكثيرُ حاليًّا في أوروبا، تعدُّ أهدافًا مباشرة ومهمَّة للإرهاب، إضافة لما تسبِّبه من هدر للمال العام والأراضي الزراعية، وانبعاث غازات الاحتباس الحراري، في تناقض واضح مع اتفاق باريس. وينبغي للحركات والمجتمعات المحلِّية الاهتمامُ بالمجال الاقتصادي، والتفاوض مع دولها لتعزيز السياسات العامَّة في هذا النطاق. ومن الضروري التحركُ فورًا للتعجيل بالتحوُّل البيئي للاقتصاد، حتى يكونَ الاقتصاد في خدمة المجتمع. وقد بدأت تظهرُ في هذا الاتجاه بعضُ الممارسات الاقتصادية والإستراتيجيات والسياسات المتعلِّقة بالتحوُّل البيئي.

ختام القول 
إن القضايا البيئية تُعَدُّ تهديداتٍ محتملة، فالضغوطُ البيئية ونُدرة الموارد ستكون مصدرَ عدم استقرار الدول في المستقبل، وسببًا للصراعات الدَّولية. وبهذا يتبيَّن أن لمفهوم السلامة البيئية نطاقًا واسعًا جدًّا في سياق الاتجاهين اللذَين جرى تحليلُهما: الأول يستخدم مفهومَ الأمن البيئي لبثِّ حياة جديدة في العَلاقات الدَّولية، ويعتمد على المنافسة والصراع بين الدول؛ للحصول على الموارد الطبيعية الإستراتيجية. والاتجاه الآخر يعتمد على التدهور البيئي الذي يضرُّ بالسلامة الوظيفية للدول ورفاهة السكَّان. 

ولكنَّ هذا التحليل بما ظهر فيه من ضعف ظاهر، وبما اعترضَه من صعوبات تتجلَّى بالجانب التطبيقي لمفهوم الأمن والسلامة البيئية، يستحقُّ مزيدًا من الاهتمام لأثره النفسي والواقعي العميق. فالتغيُّرات البيئية قد تُسهم في ازدياد الصراعات والاضطرابات، وتثير الشعورَ بعدم الأمان، فتُستخدَم أداةً للسياسة الداخلية أو الخارجية. إن الفجوة الكبيرة بين الأمن البيئي والتنمية المستدامة لا بدَّ أن تُردَم، والسياسةُ الرشيدة تتطلَّب القيام بتغييرات هيكلية ومجموعة من الابتكارات التي تتجاوز بوضوح عمليات الترقيع الانتهازي، والترتيبات الميدانية التي كانت الديدنَ العام للسياسة المطبَّقة، وهذا لا ينبغي أن يقتصرَ على البيئة وحدَها؛ بل يجب أن يمتدَّ ليشملَ معظم مجالات السياسة العامَّة، ولا سيَّما الإدارة البيئية.