أكَّد تسارعُ التقدم التقني، ولا سيَّما النظام الرقمي، تأثيرَه الكبير في معظم مجالات الحياة، بدايةً من عالم الهواتف الذكية والأجهزة المنزلية المتصلة بالإنترنت، وصولًا إلى الأحداث السياسية والحروب بأنواعها، بما في ذلك الحرب ضدَّ التنظيمات الإرهابية التي تعاظم دورها في أثناء العقدين الماضيين؛ حيث ظهرت التقنيات فائقة السرعة والدقَّة في مجال الأسلحة والذخائر لتساير هذا التقدم من ناحية، وتضمن السبق العملياتي الذي يحقِّق الأهداف بدقَّة بالغة من ناحية أخرى.

 وبالنظر إلى هذا التقدُّم المستمر في سوق الأسلحة الذكية عالميًّا، بات من الضروري تعزيزُ البنية التحتية للأسلحة والذخائر، ومن ضمنها الصواريخ الموجَّهة عن بُعد، وذلك من أجل الحفاظ على الحماية الأمنية الوطنية العليا في ظلِّ تعاظم تلك التحديات والمخاطر. وقد دعت الحاجةُ الماسَّة إلى تجنُّب الأضرار الجانبية المحتملة عند استهداف عناصر إرهابية إلى تطوير أنواع معينة من الأسلحة تحقِّق السبق والدقَّة، وتجيد المراوغة والمناورة وتعقُّب الأهداف. وهذا ما ينطبق على أنموذج هذا المقال المـُلقب بصاروخ المهام الخاصة «AGM-114R9X»، أو «النينجا»، أو «سيف الساموراي»، أو «باتر الأطراف»، أو «القاتل الصامت» كما يُلقِّبه عسكريون.

مواصفات فنية
يُطلق على صاروخ «النينجا» الأمريكي المعروف اختصارًا بـ «R9X» اسم «جينسو الطائر»، وذلك نسبة إلى علامة «جينسو» الشهيرة في عالم السكاكين؛ حيث يعتمد على قوة الصدمة وإطلاق الشفرات لإصابة الهدف دون إيذاء المدنيين أو الممتلكات القريبة، بحسب صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية؛ إذ يحمل الصاروخ ستَّ شفرات طولية حادَّة أشبه بسكاكين «جينسو» المشهورة بدلًا من الرأس الحربي المعتاد في صواريخ مشابهة. وعند إطلاق الصاروخ تخرج منه هذه الشفرات فتقطّع الهدف في ثوانٍ معدودة، دون أن تنفجر؛ لذلك لقَّبه كثيرون بـ»القاتل الصامت»، وهو الأمر الذي يسمح للقادة العسكريين بتقليل احتمالية وقوع الإصابات بين المدنيين دون ضجيج. ويبلغ طول الصاروخ نحو 150 سنتيمترًا، ويزن نحو 45 كجم (100 رطل) من مادة كثيفة، بخلاف الشفرات الستِّ التي تكفي لقتل أيِّ شخص داخل نطاق طيرانها بنسبة 100٪.

ويُعدُّ صاروخ «R9X» أحد إصدارات «Hellfire» التي تنتجها شركة «لوكهيد مارتن»، وهي الشركةُ الرائدة في مجال الدفاع والطيران الأمريكية، وتستخدم ضدَّ أهداف بشرية محدَّدة في الخنادق والكهوف والأنفاق والشقق السكنية والسيارات وغير ذلك. وقد نُشرَ هذا الإصدار سرّا عام 2017. وفي سبتمبر 2020، قدَّر المسؤولون الأمريكيون أنه استُخدم مرات عدة في القتال، ليتعاظم دوره فيما بعد. وقد استُخدم في اغتيال رموز إرهابية نافذة بدقَّة عالية.

ويذكر أن الصاروخ دخل الخدمة في عهد الرئيس الأسبق «باراك أوباما»، الذي كان يسعى إلى تجنُّب الوفيات بين صفوف المدنيين نتيجةَ الغارات الجوية التي تُنفذها الطائرات الأمريكية في أفغانستان وباكستان والعراق وسوريا والصومال واليمن. وتعدُّ هذه الصواريخ من النماذج التقنية المتقدِّمة والقدرات العسكرية الفريدة، التي تشكِّل جزءًا حاسمًا من القدرات الدفاعية للقوات المسلحة الأمريكية.

وقد جرى تطوير صواريخ «النينجا» في إطار برنامج البحوث والتطوير العسكري للقوات الجوية الأمريكية على مراحل عدة؛ حيث شهدت تحسينات مستمرَّة في الأداء والقدرات ولا سيَّما في مجال الاستشعار عن بُعد، والتوجيه الذاتي، والقدرة على التعامل مع أهداف متعددة. وقد طُوِّرَ نظامُ الرادار المستخدم في هذه الصواريخ؛ لتحقيق دقَّة عالية في التعرُّف على الأهداف وتتبُّعها بفاعلية.

استهدافات ناجحة
يُعدُّ صاروخ «النينجا» من أحدث الأسلحة الأمريكية التي وُصفت بأنها دقيقة جدّا في سرعة إصابة الأهداف المحدَّدة؛ إذ يتميز بالقدرة على التسلل والمناورة من دون أيِّ صوت، لذلك يُعتمد عليه على نحو واسع في توجيه ضربات قوية لاغتيال رؤوس الإرهاب، واستهداف القيادات في التنظيمات الإرهابية الخطرة، مثل: «القاعدة»، و«داعش»، وتنظيم الشباب الصومالي، وغيرهم من التنظيمات الإرهابية. ففي 31 يوليو 2022، وعبر غارة جوية بطائرة مسيَّرة حاملة لصواريخ «النينجا» (AGM-114R9X)؛ استطاعت القواتُ الأمريكية اغتيال زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي «أيمن الظواهري» بصاروخين، عندما كان واقفًا في إحدى شرفات منزله في حي «شير بور» في كابل دون خسائر مدنية تُذكر.

وفي يونيو 2020، قتلت طائرةٌ مسيَّرة أمريكية قياديين في تنظيم «حراس الدين»، المرتبط بـتنظيم «القاعدة» الإرهابي؛ في غارة على مدينة «إدلب» شمال غرب سوريا؛ حيث قصفت طائرة من دون طيار سيارتهما بصاروخين من طراز «النينجا»، ما أسفر عن مقتل المسؤول العسكري العام للتنظيم الإرهابي «قسام الأردني»، وكذلك إرهابي آخر يمني الجنسية اسمه «بلال الصنعاني».

وفي 3 ديسمبر 2019، استهدفت أيضًا القوات الأمريكية بصاروخ «سيوف النينجا» عنصريين إرهابيين بطائرة مسيَّرة على أطراف مدينة «الباب» في ريف حلب الشرقي في سوريا، كان أحدهما «فايز العكال» الملقب بـ «أبو سعد الشمالي»، الذي عرف بـ «والي الرقة» في تنظيم «داعش» الإرهابي، والآخر كان شقيقه.

 وفي ديسمبر 2019، ظهر الصاروخ أيضًا في اليمن بصفاته المميزة، وقتل الإرهابي «جمال البدوي»، أحد قادة تنظيم القاعدة الإرهابي،  وهو المتهم بأنه العقل المدبر لتفجير المدمرة (uss cole) عام 2000. كما استُخدم عام 2017 في اغتيال القيادي في تنظيم القاعدة الإرهابي «أبو الخير المصري» في ريف «إدلب»، ولكن لم يُعرف حينها حقيقة الصاروخ الذي دمَّر الهدف دون انفجار.

تكمن الغاية من استخدام هذا النوع من السلاح الذكي، وبشفراته الستّ دون الرأس المتفجر، واستهداف أهدافه على نحو دقيق ومباشر؛ في تقليل الخسائر البشرية غير المقصودة الناتجة عن الصواريخ الأخرى القياسية، التي تنفجر وتسحق الأهداف ومحيطها. وهناك سبب آخر لاستخدام السلاح الدقيق، وهو تأقلم الإرهابيين مع الضربات الجوية، حيث باتوا يختبئون بين المدنيين ليعيقوا الضربات الجوية التي تستهدفهم.

قدرات فائقة
تُعدُّ صواريخ «Hellfire AGM-114R9X» نسخةً معدَّلة من الصاروخ «Hellfire» الأصلي الذي دخل الخدمة العسكرية عام 1994، كصواريخ «أرض-أرض»، و«جو-أرض»؛ إذ جرى تطويرها في البداية كصواريخ مضادة للدروع، تُطلق من الطائرات المروحية، وتُوجَّه باستخدام الليزر الموجَّه، ولا سيَّما نظام «Fire and Forget»، أي «أَطلق النار وانْسَ»، وهو نظام توجيه يُستخدم فيه الليزر لتحديد الهدف.

وتعمل صواريخ «النينجا» على توجيه نفسها بنفسها دون أيِّ تدخُّل بشري بعد الإطلاق، وقد أُجريت تعديلات عليها لتصبح متعددة الاستخدامات، وتُعتمد رسميًّا لاستخدامات الطائرات دون طيار. وعلى نحو عام صُممت هذه الصواريخ المحدَّثة للقضاء على الأهداف مع تقليل الأضرار في المنطقة المحيطة. وتتميز بمجموعة من القدرات الفائقة منها:

التوجيه بالليزر: حيث تُوجَّه الصواريخ نحو الهدف باستخدام أشعة الليزر، مما يُعزز الدقَّة والتحكُّم في الإصابة.
تقليل الأضرار الجانبية: إذ إن هذه الصواريخ مُزوَّدة برأس غير متفجِّر، حيث تخترق شفراتها الأهداف بدقَّة تُقلِّل الأضرار غير المقصودة، وبمقدور الصاروخ الواحد اختراق أكثر من 100 رطل من المعدن والسيارات والمباني لإصابة الهدف دون الإضرار بالأفراد والممتلكات المجاورة له على نحو غير مباشر.
الدقَّة العالية: إذ يحقق صاروخ «النينجا» مستوى استثنائيًا من الدقَّة، مما يزيد من فاعلية الصاروخ مع تقليل الخسائر المدنية.
السرعة الفائقة: حيث تفوق سرعةُ هذه الصواريخ سرعةَ الصوت، مما يتيح لها الوصول إلى الأهداف بسرعة هائلة، وتدميرها في وقت قصير؛ إذ إنها تستخدم تقنية الانتقال الفائق التي تتيح لها التحرك بسرعات عالية، وتجنُّب أنظمة الدفاع الجوي المحتملة؛ لتسقط على أهدافها مثل كتلة من الفولاذ التي تسقط من السماء.
الاستخدام متعدِّد الأغراض: يمكن استخدام الصواريخ في مجموعة متنوعة من المهامِّ العسكرية، وفي العديد من الخطط العسكرية الحاسمة، بما في ذلك:
ضربات محاربة الإرهاب: حيث تُستخدم لاستهداف تهديدات إرهابية محدَّدة، ويمكنها ضرب الأهداف ذات القيمة العالية بدقَّة شديدة مع تقليل المخاطر الجانبية.
استهداف الأهداف الثابتة: مثل المباني أو المنشآت العسكرية؛ إذ إن الدقَّة العالية والقدرة التدميرية لهذه الصواريخ تجعلها فعالة في تحييد التهديدات الثابتة.
استهداف الأهداف المتحركة: مثل المركبات أو المواكب العسكرية؛ حيث تسمح الدقَّة العالية للصواريخ بضرب التهديدات الحركية بنجاح.
الدعم الجوي القريب: توفر صواريخ «النينجا» الدعم الجوي القريب للقوات البرية عبر العمليات القتالية، ويمكن استخدامها لتدمير أهداف العدو، وتوفير غطاء جوي لوحدات الجيش المتقدمة.
الدعم البحري: مثل حماية السفن والقواعد البحرية، ويمكن استخدامها أيضًا في استهداف القوارب السريعة أو سفن العدو، مما يقلِّل من المخاطر والتهديدات البحرية.
 
ختامًا:
تُمثِّل صواريخُ «النينجا» الأمريكية قفزةً نوعية في مجال التقنيات العسكرية؛ حيث إنها تجمع بين التقنيات المتقدِّمة والقدرات العسكرية الفائقة، مما يجعلها أداةً أساسية في محاربة الإرهاب، وإنجاح العمليات العسكرية الحديثة؛ لِما توفِّره من دقَّة وفاعلية لا مثيل لهما في مجال التعامل مع التقنيات الحديثة.

وبحسب التجارب العملياتية السابقة في تنفيذ الاغتيالات لرموز الإرهاب عالميًّا أحرزت صواريخ «R9X» تقدُّمًا كبيرًا في قدرات الاستهداف الدقيق وتقنية التوجيه بالليزر، وتقليل الأضرار الجانبية، والدقَّة العالية، والاستخدام متعدِّد الأغراض، وهو ما يجعلها أصولًا لا تُقدَّر بثمن. ولما كانت هذه الصواريخ مستمرَّة في التطور، فمن المرجَّح أنها ستلعب دورًا حيويًّا في تعزيز الفاعلية العسكرية، وتقليل الخسائر المدنية، مع أهمية وضع دقَّة المعلومات الاستخباراتية عن أماكن المستهدفين من الإرهابيين في الحسبان، فدقَّة تلك المعلومات يتوقَّف عليها نجاح منظومة تلك الصواريخ.

وعلى هذا الأساس يُعدُّ هذا الصاروخ الذكي حلّا مهمّا وفاعلًا ويحقِّق السبق العملياتي على نحو كبير لقوات محاربة الإرهاب، ولا سيَّما في حربها ضدَّ العناصر التي تستخدم النساء والأطفال دروعًا بشرية، عندما تكون المعلومات الاستخباراتية دقيقة. وفي جميع الأحوال، نحن بحاجة لبحث تأثيراته ووظائفه العمليَّة في سير المعارك على نحو دقيق، وما يُمكن أن يمثِّلَه هذا «الاكتشاف» في الحروب ضدَّ العناصر الإرهابية والتشكيلات غير النظامية.