تنطوي جرائمُ التنظيمات الإرهابية على أفعال وممارسات عنيفة كالتفجيرات والتدمير والتعذيب والقتل والخطف وطلب الفدى وغيرها من الأعمال الإرهابية الإجرامية التي تُرتكب بواسطة وسائل وأساليب متعددة، حيث تستهدف هذه التنظيماتُ استغلالَ الفئات الضعيفة في المجتمع، ولا سيَّما النساء والأطفال؛ لسهولة التغرير بهم، ويسر استدراجهم، وقلَّة إدراكهم طبيعة الممارسات الإرهابية، فتسعى هذه التنظيمات الإرهابية المجرمة إلى تجنيد الأطفال على نحو خاص بالترغيب تارةً، وبالترهيب والإكراه تارة أخرى؛ من أجل استخدامهم في العمليات الإرهابية المجرمة، ولا سيَّما في العمليات الانتحارية والقتل والتدمير؛ بل قد يصل الخطب إلى استغلالهم جنسيًّا.

تجنيد الأطفال

تسعى التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة إلى استغلال الأطفال للاستفادة منهم في تنفيذ مشروعاتها الإرهابية؛ لقدرات الأطفال الكبيرة على اكتساب المهارات وتلقِّي القواعد والمبادئ دون اعتراض، ولأنها تجد في عقولهم البريئة مكانًا خصبًا لزرع أفكارها الهدَّامة، وبث سمومها الخبيثة، والتلاعب بعقولهم وتشكيلها وتوجيهها لخدمة الأهداف الإرهابية والمخططات المجرمة.

وقد استخدمت التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة في سبيل ذلك التجنيدَ الإجباري للأطفال عبر أساليب الخطف والإكراه قسرًا والتعنيف والتخويف؛ لتسخيرهم في تنفيذ العمليات الإجرامية والأجندات الإرهابية.

كما أن للتجنيد الاختياري حظًا وافرًا في دعم الجماعات الإرهابية، وذلك عندما يلجأ الأطفال إلى الانضمام إلى التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة بسبب عوامل كثيرة مثل: الاستجابة لدعايات تلك التنظيمات الإرهابية التي تستهدف غسل أدمغة الأطفال وتداعب أحلامهم، أو قسوة الظروف الاقتصادية والمعيشية السيئة التي يعاني منها الأطفال؛ مما يدفعهم للالتحاق بتلك الجماعات الإرهابية للخلوص من واقعهم البائس، ومن تلك العوامل أيضًا العوامل الاجتماعية وتفشي الجهل وقلة التعليم وانتشار الأوبئة والأمراض وغيرها من الأسباب التي تستغلها الجماعات الإرهابية فتجتذب الأطفال الحلقة الأضعف في النسيج الاجتماعي الذين يصبحون قوًى فاعلة في النزاعات المسلحة بعد تدريبهم وغسل وعقولهم.

وفي بعض الأحيان تكون الأسرةُ أحدَ أهم الأسباب في تجنيد الأطفال في التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة، فتلجأ الأسر للدفع بأبنائها إليهم للحصول على مقابل مالي، أو بسبب تبنِّي تلك الأسر الفكرَ الإرهابي فتسعى بأطفالها إلى تلك الجماعات ليكونوا عناصر فاعلة ومؤثرة فيها.

وقد باتت عمليات تجنيد الأطفال واستغلاهم في الأعمال الإرهابية من أبرز الأفعال الإجرامية التي تُنتهك بها حقوقُ الطفل والطفولة؛ إذ تقوم الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية بتجنيد الأطفال لاعتبارات أمنية واقتصادية؛ كون الأطفال أقلَّ إثارة للشكوك لدى الجهات الأمنية، ولأن تجنيدهم لا يتطلب تكاليف باهظة ومبالغ طائلة. ومن المؤكد أن الأطفال المجندين سواء عبر التجنيد الإجباري أو التجنيد الاختياري يواجهون الكثير من الأضرار الصحية والنفسية التي قد تصل في بعض الأحيان إلى حد القتل؛ الأمر الذي حمَّل المجتمع الدولي ضرورة حماية الأطفال من التجنيد من قِبل التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة، وسنَّ التنظيمات والتشريعات والاتفاقيات الدولية اللازمة لذلك؛ فنصَّ النظامُ الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أنه: «يُعد تجنيدُ الأطفال الأقل من الخامسة عشرة من العمر- سواء كان إجباريًّا أو اختياريًّا، في القوات الوطنية المسلحة أو قوات الأعمال الحربية- فعلًا من أفعال جرائم الحرب».

وقد أولت المملكة العربية السعودية الطفلَ عنايةً خاصة، وشرَّعت القوانين التي تحميه وتبعده عن العنف، فحذا المنظِّم السعودي حذوَ المجتمع الدولي، فجرَّم تجنيد الأطفال، واتخذت المملكة موقفًا حازمًا تجاه هذه الجريمة التي ترتكبها الجماعات والمنظمات الإرهابية بحقِّ الأطفال والطفولة، وتضمن نظام مكافحة الاتجار بالأشخاص حظر استغلال أيِّ شخص لأيِّ شخص سواء كان صغيرًا أو كبيرًا.

عمليات انتحارية

تُعدُّ العمليات الانتحارية والتفجيرات الإرهابية من أشد مظاهر الإجرام والانحراف الفكري المتطرف للجماعات والتنظيمات الإرهابية؛ لما تتضمنه من قتل الأطفال والنساء والرجال، وتفجير البنيان والمجمعات السكنية والمرافق العامة. وترتكب هذه الجرائم عبر تفخيخ الأشخاص، واستخدام الأطفال على نحو خاص في تنفيذ الهجمات الانتحارية عن طريق إلباسهم الأحزمة الناسفة أو حقائب متفجرات، أو بأي وسيلة أخرى التي يمكن أن ترتكب بأبسط الوسائل عبر وضع المتفجرات في السيارات أو في سلاَّت المهملات أو حتى في ثلاجة القهوة.

ومما لا شك فيه أن الشريعة الإسلامية تعدُّ هذه الاعتداءات على النفوس المعصومة فسادًا في الأرض؛ لعِظم الإثم وكبر الجرم الواقع على الأشخاص والأموال، ولما تحمله من بشاعة في الأفعال، وقد قال تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ (البقرة: 205).

وقد انبرى المنظِّم السعودي لمحاربة الأعمال الإرهابية، ولا سيَّما تلك التي تنطوي على استخدام المتفجرات لتنفيذ عمليات إرهابية؛ في نظام مكافحة جرائم الإرهاب وتمويله الذي تضمَّنت المادة (32) منه تجريمُ كلِّ شخص حمل معه متفجرات من أجل تنفيذ جريمة إرهابية.

وتشير الوقائع إلى أن الجماعات الإرهابية تستخدم الأطفال في حمل المتفجرات من أجل تهريبها واستخدامها في تنفيذ عمليات انتحارية إرهابية، أو نقلها بين أماكن داخل الدولة. وقد جرَّم المنظِّم السعودي هذه الأفعال في نظام المتفجرات والمفرقعات الذي تضمَّنت المادة (15) منه أنه يُقصد بالإخلال بأمن المملكة: كلُّ شخصٍ ثبت قيامه بأيٍّ من هذه الأفعال: (استعمال المتفجرات، أو نقلها، أو تخزينها. تدريب شخص أو أكثر على صنع المتفجرات، أو استعمالها، أو الشروع في ذلك...). لذا يعدُّ استخدامُ الأطفال في العمليات الانتحارية من الصور الإجرامية للإرهاب، وقد اعتادت الجماعات الإرهابية استغلال براءة الأطفال في خدمة مخططاتهم المريضة والخبيثة عبر الأفعال الآتية:

أ. حمل المتفجرات ونقلها وتخزينها عن طريق استخدام الأطفال في هذه العمليات، سواء كان ذلك برضاهم، أو عدم رضاهم.
ب. تدريب الأطفال على صنع المتفجرات وطريقة استعمالها.
ج. غسل أدمغة الأطفال وإيهامهم بأن هذه الأعمال الإرهابية أعمال هادفة، وتشويه فكرهم، وطرد الخوف من نفوسهم، والاتجاه نحو تنشئتهم على أفكار تخدم أجندات هدَّامة.

استغلال جنسي

تبنَّت الشريعةُ الإسلامية المفهومَ الأخلاقي للعِرض، فصانت الفردَ من جميع الأفعال الجنسية غير المشروعة. وإذا كانت جريمة الاستغلال الجنسي من الأفعال الشاذة التي جرَّمتها القوانين والاتفاقيات الدولية، فقد عدَّتها الشريعةُ الإسلامية فعلًا من الأفعال الفاحشة المحرمة. وقد بلغ استغلال الأطفال في الأعمال التي تهدد سلامتهم حدَّ الاتجار الجنسي بهم، وهو أحد أشكال الاتجار بالبشر. ومن غير المستبعد قيام الجماعات الإرهابية بالمتاجرة بالأطفال من أجل غايات جنسية لتمويل أعمالها الإرهابية.

وقد سلك المنظِّم السعودي منهجَ الشريعة الإسلامية في حماية الطفل من هذه الجريمة الشنعاء، فنصَّت المادةُ التاسعة في نظام حماية الطفل على أنه: «يحظرُ استغلال الطفل جنسيًّا، أو تعريضه لأشكال الاستغلال الجنسي، أو المتاجرة به في الإجرام أو التسول».

كما نصَّت المادةُ الثانية من نظام الاتجار بالأشخاص على أنه: «يحظر على أيِّ شخص أن يتاجر بأيِّ شخص، بأيِّ شكلٍ من الأشكال، بما في ذلك الإكراه، أو من خلال تهديده، أو الاحتيال عليه أو خداعه، أو عن طريق خطفه، أو أن يستغل الشخص وظيفته أو نفوذه، أو إساءة استعمال سلطة ما عليه، أو أن يستغل ضعف الشخص الذي يتاجر به، أو إعطاء مبالغ مالية أو مزايا، أو تلقيها لنيل موافقة شخصٍ له سيطرة على آخر من أجل الاعتداء الجنسي، أو العمل، أو الخدمة قسرًا، أو التسول». وبناءً على ذلك فإن أيَّ جماعة إرهابية تستخدم الأطفال أو تستغلهم أو تتجر بهم من أجل أنشطة جنسية أو مواد إباحية تُعدُّ مرتكبةً للسلوك الإجرامي المكوِّن لجريمة الاستغلال الجنسي للأطفال.

وفي ظل ثورة التطورات الإلكترونية ظهرت ممارسات إجرامية عبر الفضاء الإلكتروني تنبَّه لها المنظِّم السعودي، فنصَّ في نظامُ مكافحة الجرائم المعلوماتية على تشديد العقوبة على كلِّ مَن سوَّلت له نفسه ممارسةَ هذا السلوك الإجرامي في التغرير بالقُصَّر ومَن في حكمهم واستغلالهم. وتتمثل صور جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال عبر المواقع الإلكترونية عن طريق عرض موادَّ إباحية، واستغلالهم في عرض صور جنسية أو ذات طابع جنسي تمسُّ براءة الأطفال وتخدش حياءهم وتشوه فكرهم وأخلاقهم.

ونخلص مما سبق إلى أن التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة لم تتورع من استغلال الأطفال في تنفيذ عملياتها الإرهابية والإجرامية الخبيثة، حتى وصل الأمر إلى استغلالهم جنسيًّا، فاهتمت الجماعات الإرهابية بتجنيدهم وركَّزت عليهم واستغلتهم أكبر استغلال؛ لبراءة هذه الفئة العمرية، ولبعدها عن دائرة الشك لدى السطات الأمنية، ولسهولة السيطرة على أدمغتهم وانصياعهم للأوامر وتنفيذ المخططات المميتة.​