​للتدريبات العسكرية المشتركة بين الدول أهميةٌ كبيرة في محاربة الإرهاب، وإضعاف التنظيمات الإرهابية ووقف تمدُّدها وانتشارها. وأثبتت التحالفاتُ والتكتُّلات الدَّولية كفاءتها في هذا المجال في السنوات الماضية، وأضاف الجانبُ الإستراتيجي في التفكير والتخطيط مزيدًا من القوة والقدرة إلى إطار العمليات لتلك التحالفات الأمنية، ممَّا جعل هذه التدريباتِ على رأس أبرز التوجُّهات والسياسات المستقبلية في محاربة الإرهاب.

ويمكن تعريفُ التدريب العسكري الإستراتيجي المشترك بأنه: التدريباتُ العسكرية التي تشترك فيها أكثرُ من دولة، وتهدِفُ إلى التطوير المنظَّم للأفكار والمعارف والمهارات، وإعداد الأفراد نظريًّا وعمليًّا باتِّباع وسائل التفكير والتخطيط والتحليل الإستراتيجي؛ لتحقيق أهداف بعيدة المدى.

الاشتراك في محاربة الإرهاب

ينظر بعضُ الدارسين إلى الإرهاب على أنه من مظاهر السياسة الصُّلبة أو العنيفة؛ لذلك يجب أن تكونَ الاستجابة لهذه القضية الإشكالية فكرية سياسيةً، حتى لو كانت بوساطة المنظومة العسكرية والأمنية. لذا تقوم المعالجةُ العسكرية أو ما يُطلَق عليه «أنموذج الحرب» على محاربة الإرهاب باعتبار أن مواجهة تلك التنظيمات الإرهابية من الأعمال العسكرية أو الحربية، حتى في إطارها الفكري أو السياسي أو الاقتصادي.

ومن ثَمَّ فإن تنفيذ تلك المعالجة العسكرية أو الحربية قد يكون في إطار داخلي وطني، أو في إطار خارجي بتحالفٍ أو تكتُّل لعدد من الدول، ودائمًا ما يُفضَّل العملُ المشترك في مثل هذا النوع من القضايا لأسباب مختلفة، من أبرزها أنه يوحِّد الفكر والتوجُّه؛ بإرساله رسالةً صريحة مُفادها أن الإرهاب مرفوضٌ من الجميع، وأن دول العالم مستعدَّة للتحالف لمواجهته بكلِّ الطرق، وفي جميع الأوقات والظروف. وأنه يساعد على رفع الكفاءة وتبادل الخبرات، على مختلِف مستويات العمل النظري والعملي المَيداني. وأنه يوزِّع الجهدَ المادِّي والبشري، ويقلِّص الأعباء التي قد تتكفَّل بها الدولةُ لو واجهت الإرهاب بمفردها.

وهذا التعاونُ والتكاتف في محاربة الإرهاب لا يأتي من فراغ، بل ينطلق من التوجُّهات التي تعمل على أساسها العديدُ من التنظيمات الإرهابية في العالم، فهي تعمل على أنها دولة ذات سيادة؛ بإطلاق الأسماء السياسية والعسكرية على كِياناتها وأفرادها، من مثل: دولة، وجيش، ولواء، وكتيبة، مثل: تنظيم الدولة (داعش)، وجيش الرب في أوغندا، ولواء اليوم الموعود في العراق، وكتيبة (المرابطون) في مالي، وغيرها كثير.

وعادةً ما تندلع الحربُ بين الدول، ولذلك فإن محاربة الإرهاب وَفقَ «أنموذج الحرب» يعني ضمنًا أن الجماعة الإرهابية باتت تعادل دولة، والتعاملَ مع الإرهاب يجنح إلى إضفاء صفة الدولة على تلك التنظيمات والكِيانات والجماعات الإرهابية. وبغضِّ النظر عن الأهداف السياسية والمصالح الاقتصادية التي تقف وراء اعتماد «أنموذج الحرب» في محاربة الإرهاب، فقد اعتمدت كثيرٌ من الدول على هذا الأنموذج أساسًا عمليًّا في مواجهة الظاهرة الإرهابية وجرائم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية.

وإن هذا الأنموذجَ في محاربة الإرهاب هو نظامٌ قائم على الممارسات والمؤسسات العسكرية والحربية، ولكنَّ ذلك لا يعني أن إدارة الحرب ستجري في فراغ قانوني، حتى وإن كان العدوُّ تنظيمًا أو جماعة إرهابية، فالحرب تفرض قواعدَ وأعرافًا ترسم الأساليب التي ينبغي اتِّباعُها عند خوضها. أمَّا الجزء الأهمُّ فيقوم على ما يُطلَق عليه سياسةُ الردع والاحتواء، ويندرج تحتها التدريباتُ العسكرية الإستراتيجية المشتركة، سواءٌ أجَرى تخصيصُ تلك التدريبات لمواجهة الإرهاب أو بإقامة تدريبات إستراتيجية عامَّة تتضمَّن جوانبَ محاربة الإرهاب بين تدريباتها وأعمالها.

وفي ضوء ذلك يمكن القولُ: إن المعالجة العسكرية (أنموذج الحرب) في محاربة الإرهاب باعتماد التدريبات العسكرية الإستراتيجية المشتركة، تقوم على التطوير المنهجي المنظَّم للأفكار والمعارف والمهارات، وتأهيل الأفراد من مختلِف قطاعات الدولة على التخطيط والتحليل والتفكير الإستراتيجي الخاصِّ بمواجهة جرائم الإرهاب والتصدِّي للتنظيمات والجماعات الإرهابية.

أهمية التدريبات المشتركة

التدريباتُ العسكرية المشتركة ذات البعد الإستراتيجي في توجُّهاتها وسياساتها من أرقى أنواع التدريبات وأكثرها دقَّةً ومهارة؛ لذا تحتاج إلى مستوًى رفيع من الكفاءة، وقدرةٍ عالية على التخطيط والمتابعة والإشراف، ممَّا يجعلها لا تتمُّ إلا بموافقة أعلى سلطة للقوَّات المسلَّحة (القائد الأعلى أو القيادة العُليا) مهما كان حجم القوَّات المشتركة في التدريب أو نوعها؛ لأنه من الطبيعي أيضًا أن يكونَ الحصولُ على الموافقة السياسية خطوةً أولى وَفقَ النظُم السياسية للدول.

والعنصرُ البشري هو أهمُّ عناصر النجاح في مثل هذا النوع من التدريبات؛ لذلك عُنيَت أغلبُ القيادات العسكرية قديمًا وحديثًا بجوانب تطوير الفريق البشري؛ من حيثُ العقليةُ العسكرية والأفكار والإستراتيجيات الحربية، ومعرفة مدى قدرة تلك العناصر على القيادة والتنسيق والتأقلم والتجاوب مع الضغوط، والتعامل مع النفسيات المختلفة بحسَب اختلاف بيئات العناصر وخبراتهم وتعليمهم.

ومن ثَمَّ تقوم تلك التدريباتُ على اختبار الأسلحة والعتاد العسكري، والوقوف على مدى مُلاءمة تلك الأسلحة للقضايا المختلفة، وصلاحيتها للاستعمال المناسب لعناصر الزمان والمكان، وترتفع أهميةُ ذلك مع ارتفاع أهمية القضايا التي قامت عليها في إطارها الهيكلي، كما هو حالُ التحالفات والتكتُّلات الخاصَّة بمحاربة الإرهاب.

وتكمن أهميةُ التدريبات العسكرية المتعلِّقة بمحاربة الإرهاب في سعيها إلى تحقيق أهداف عامَّة وأُخرى خاصَّة، على النحو الآتي:

أ) الأهداف العامَّة:

لتحقيق الأهداف العامَّة للتدريبات العسكرية الشاملة، والأهداف المتعلِّقة برفع مستوى كفاءة العنصر البشري، تولي القيادةُ في الغالب اهتمامَها بالجوانب الآتية:

  1. رفع مستوى الجنود في استخدام السلاح إلى درجة الاحتراف.
  2. تكثيف التدريب العملي وإطالة مدَّته؛ ليشملَ كل المواقف التي يمكن أن تتعرَّضَ لها أيُّ وَحدة مقاتلة عند تنفيذها لمهامِّها تحت جميع الظروف المحتملة.
  3. اختيار القادة وتدريبُهم وتثبيتهم حتى تزدادَ خبراتُهم القيادية، ويحقِّقوا تآلفًا مع المرؤوسين من ضبَّاط وجنود مقاتلين، يساعدهم على مواجهة الظروف الصعبة والحرجة في أثناء القتال.
  4. اختبار القوَّات باستمرار، مع تصعيد صعوبة المشروعات العملية وتنويعها؛ للوصول بها إلى أفضل المستويات وأرفعها.
  5. اقتصار تدريب القوَّات على ما هو ضروريٌّ للحرب، وعلى مهامَّ مشابهة لمهامِّها القتالية والحربية الواقعية.

​ب) الأهداف الخاصَّة:

يمكن الاستفادةُ من المناورات والتدريبات العسكرية المشتركة التي تقيمها الدولُ لتحقيق أهدافٍ أبعدَ من الأهداف العسكرية المباشرة، مثل مكافحة جرائم الإرهاب والتصدِّي للتنظيمات الإرهابية على النحو الآتي:

  1. رفع القدرة العسكرية لتلك الدول في محاربة الإرهاب تخطيطًا وتنفيذًا (إستراتيجيًّا وتكتيكيًّا).
  2. تبادل الخبرات بين الدول والأفراد في مجال محاربة الإرهاب.
  3. البحث عن إطار موحَّد مرجعي للمفاهيم العسكرية الخاصَّة بمحاربة الإرهاب.
  4. توحيد التوجُّهات والسياسات الأمنية والعسكرية الخاصَّة بمحاربة الإرهاب.
  5. إيصال بعض الرسائل الخاصَّة بمحاربة الإرهاب، ومواجهة التنظيمات الإرهابية.
  6. تكوين صوة ذهنية عن قدُرات الدول المشتركة في التدريبات في مواجهة الجرائم والتنظيمات الإرهابية.
  7. الاهتمام بالقضايا الخاصَّة بمكافحة جرائم الإرهاب، مثل: القرصنة البحرية وتهديد السُّفن، والاختطاف وطلب الفِدية، وتفجير المباني الحكومية والأهلية، والتهديد بالأسلحة المحرَّمة.
  8. الإسهام في تعزيز قدرة القادة والأفراد (العنصر البشري) على مواجهة قضايا مشابهة لمهامِّهم القتالية، ولا سيَّما أن كثيرًا من جرائم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية أصبحت تستخدم الأساليبَ القتالية العسكرية والعناصر المسلَّحة والمجهَّزة بالتجهيزات العسكرية.

تأكيدات ختامية وتوصيات

يمكن تأكيدُ أن أبرز فوائد التدريبات العسكرية المشتركة بين الدول أنها تسمح للقيادات والقوَّات بالاطِّلاع على عقائدَ عسكرية مختلفة، ومسارح عمليات شتَّى، ممَّا يُكسِبها الخبرات اللازمة لإدارة عمليات قتالية داخل أراضيها وخارجها، بمفردها أو بالتعاون مع دول أُخرى.

وتشتمل التدريباتُ العسكرية على مختلِف أنواع المعارف والمهارات القتالية وغير القتالية، التي تفيد في التأثير في مجرَيات الحرب أو الصراع، وتُسهم إسهامًا حاسمًا في تحقيق النصر، مثل: أساليب الاستطلاع، وتوفير خِدْمات الدعم المُسانِدة، وإسعاف المرضى، وإعداد الخطط النظرية والتنفيذية، وأساليب الحرب النفسية والإعلامية.

ويمكننا التأكيد أيضًا أن محاربة الإرهاب المعاصر تحتاج إلى سياسات وتوجُّهات حديثة تواكب تطوُّرَ الظاهرة الإرهابية، والتقدُّم المستمرَّ لخطط التنظيمات الإرهابية ووسائلها، وتدخل التدريباتُ العسكرية المشتركة ذات البعد الإستراتيجي في سياق تلك التوجُّهات المعاصرة؛ لِما لها من أثر إيجابي مهمٍّ جدًّا.

وإن التفكير والتخطيط الإستراتيجي لمواجهة هذه الظاهرة في إطار التدريبات العسكرية المشتركة يرفع مستوى الكفاءة، ويحسِّن التوجُّهات والسياسات الوقائية والدفاعية الخاصَّة بمحاربة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، ممَّا يقلِّص كثيرًا من خطر تلك التنظيمات ويحدُّ من قدُراتها على التوسُّع الميداني. وإن كان ثَمَّةَ توصياتٌ يمكن ذكرُها في هذا السياق، فهي زيادةُ التدريبات العسكرية المتعلِّقة بمحاربة الإرهاب بين الدول، ورفع مستويات كفاءتها إستراتيجيًّا وبشريًّا، وتوسيع أطُر المشاركة فيها، مع العناية بالجانب الوقائي في محاربة الإرهاب.