ازداد نشاطُ الحركات الإرهابية في مِنطَقة شرقي إفريقيا ازديادًا ملحوظًا، وبات تهديدًا لأمن البحر الأحمر، أحدِ أهمِّ الممرَّات المائية في العالم؛ لموقعه بين الشرق والغرب، وارتباطه بحركة المِلاحة، والمصالح التجارية والاقتصادية للدول الكبرى. 

وفي 27 من مارس 2021م، بثَّت حركةُ الشباب الصومالية مقطعًا مصوَّرًا لزعيمها أبي عُبيدة أحمد عمر، يُطالب فيه أعضاءَ الحركة بوضع القواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية في جيبوتي في أولويات الحركة وعمليَّاتها. ويأتي هذا التنظيمُ على رأس التنظيمات الإرهابية في شرقي إفريقيا، وله فروعٌ في المنطقة، ولا سيَّما الصومال وكينيا. وكذلك تنظيمُ داعش في الصومال والسودان وتنزانيا، وحركة جيش الربِّ الأوغندية، وهي حركةٌ مسيحية متطرفة. ولهذه الحركات عَلاقاتٌ إقليمية ودَولية؛ من ذلك عَلاقةُ حركة الشباب بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وفيلق القدس الإيراني، وحركة الحوثيين في اليمن، وعَلاقة داعش الصومال بداعش اليمن.

أخطار الإرهاب البحري 
إذا كانت النزاعاتُ البحرية بين الدول، والقرصَنة، والجرائم، والكوارث البحرية تهديدًا لأمن البحار، فإن الإرهاب البحري هو الخطر الأكبر؛ بل يُعَدُّ عملًا من أعمال الحرب التي تتطلَّب قوةَ ردع شديدة. وعُرِّف الإرهاب البحري بأنه: «القيام بأعمال إرهابية في البيئة البحرية تستهدف السُّفنَ، أو أيًّا من ركَّابها، أو المِنصَّات الثابتةَ في البحر، أو الميناء، أو المرافق والمناطق الساحلية، والمدن الساحلية، والمنتجَعات». وعرَّف المكتبُ البحري الدَّولي القرصنة بأنها: «محاولةُ الصعود إلى السُّفن بقصد السرقة». ويختلف الإرهابُ البحري عن القرصنة، في أن القرصنة جريمةٌ منظمة لها دوافعُ اقتصادية في المقام الأول، أما الإرهابُ البحري فيحدُث عادةً بدوافعَ سياسية.

وتستخدم الجماعاتُ الإرهابية في تنفيذ عملياتها الإجرامية وسائلَ شتَّى، مثل: العبوات الناسفة، وزرع الألغام، والهجوم بالقوارب الصغيرة؛ لإلحاق الضرر والسيطرة على منطقة بحرية، وتهديد حركة الملاحة. وتستفيد من المجال البحري في تمويل عملياتها الإرهابية، بالتبادُل غير المشروع للسِّلَع والخِدْمات، وتهريب الأفراد، وفرض الإتاوات، وابتزاز الشركات، وسرقة إمدادات النفط، والسَّطو المسلَّح، والخطف مقابل فِدية.

أهمية البحر للإرهابيين 
للبحر أهميةٌ خاصَّة في سياسات التنظيمات الإرهابية؛ إذ يُستخدم ممرًّا مائيًّا لحركة المقاتلين التابعين للجماعات المتطرفة، ووسيلةً لنقل مُعَدَّاتهم وأسلحتهم من مِنطقة إلى أُخرى، ومِنصَّةً لإطلاق الهجَمات على أهداف برِّية، وقناةَ اتصال لدعم العمليات القتالية على الأرض. وغالبًا ما تلجأ التنظيماتُ الإرهابية إلى البحر لاتخاذه وسيلةً للمناورة، والانسحاب (التكتيكي) في أثناء المواجهات مع الأجهزة الأمنية. وتشير تقاريرُ دَولية أن حركة الشباب تمكَّنت في مارس 2017م من نقل 700 عنصر إرهابي عبر البحر إلى مِنطقة بونتلاند.

ويعدُّ البحر الأحمر أحدَ مصادر الدخل المهمَّة للتنظيمات المتطرفة؛ تستطيع بواسطته تمويلَ عملياتها الإرهابية، وتنفيذَ مخططاتها الإجرامية. فعلى سبيل المثال: تستغلُّ حركة الشباب وتنظيم داعش في شرقي إفريقيا الثُّغرات الأمنية لتهريب المخدِّرات والأسلحة والبشر، وتستغلُّ الممرَّات البحرية في تهريب السكَّر والحبوب والمنسوجات. ويُعَدُّ تهريب الفحم مصدرَ دخل مهمًّا لحركة الشباب وغيرها، فهي تجني منه ما يُقدَّر بنحو 7 ملايين دولار سنويًّا.

وتقوم حركةُ جيش الربِّ للمقاومة في أوغندا بعمليات تهريب العاج من الكونغو الديمقراطية، والألماس من إفريقيا الوسطى، عبر ممرِّ (جيب) «كفيا قنجي» على حدود السودان، وعبر جنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، ثم ميناء «بورتسودان» إلى الأسواق الخارجية. وتقوم القواتُ الديمقراطية المتحالفة في الكونغو الديمقراطية، المبايعة لتنظيم داعش الإرهابي، بتهريب العاج عبر أوغندا إلى موانئ مومباسا في كينيا، أو دار السلام في تنزانيا.

بيدَ أن البحارَ المفتوحة ليست مصدرَ الدخل الوحيد لهذه التنظيمات؛ إذ إن سيطرتها على الموانئ تُتيح لها دخلًا كبيرًا. ولا تزال حركةُ الشباب مع أنها طُردت من مقديشو، تمارس بعضَ النشاط في ميناء المدينة، وتجمع الأموالَ بواسطة عمليات الابتزاز وفرض الضرائب غير المشروعة. وتشير معلوماتٌ إلى أن حركة الشباب تتقاضى نحو مئة دولار ضريبةً عن كلِّ حاوية بحجم 20 قدمًا، و160 دولارًا عن الحاويات التي يصل حجمُها إلى 40 قدمًا. وكذلك تنظيم داعش مع أنه طُرد من ميناء «قندلة» الصومالي، لا يزال يحصُل على الأموال والأسلحة والمقاتلين من داعش في اليمن.

تهديدات مستمرَّة 
عُنيت التنظيماتُ الإرهابية على مدار عقود بتنفيذ عملياتها الإجرامية في البرِّ؛ لأن تنفيذ العمليات في مياه البحار يتطلَّب قدُرات خاصَّة، لم تكن متوافرة لها حينئذ، فضلًا عن ارتفاع تكلِفتها، وحاجتها إلى كثير من التدريب. بيدَ أن هذه التنظيماتِ استطاعت تطويرَ مهاراتها البحرية في السنوات الأخيرة، حتى أصبحت قادرةً على قيادة السُّفن، وتنفيذ مناورات قتالية داخل المياه، مما يضع الإرهابَ البحري على رأس التهديدات التي تواجه الأمن المِلاحي. 

ومما يزيد الأمر تعقيدًا، أن بعضَ التقارير الدَّولية تُشير إلى تورُّط عددٍ من طلبة الأكاديمية البحرية في نيجيريا في عمليات القرصَنة والسَّطو المسلَّح على السُّفن؛ لأنهم لا يجدون فرصَ عمل في وطنهم؛ لذلك يُستقطَبون بسهولة للمشاركة في الجرائم البحرية في تلك المنطقة.

وتؤكِّد الأدلَّة اهتمامَ التنظيمات الإرهابية بتعزيز قدُراتها البحرية في السنوات الأخيرة؛ إذ تبدو السُّفن التجارية الدَّولية، والبُنى التحتية البحرية الأخرى، مثل: الموانئ الضخمة، ومِنصَّات النفط والغاز، أهدافًا سهلة لعملياتها. ففي 12 أكتوبر عام 2000م، هاجم انتحاريان في زورق مُحمَّل بالمتفجِّرات السفينةَ «يو إس إس كول» في ميناء عدَن اليمني، أسفر عن مقتل 17 بحَّارًا أمريكيًّا وإصابة 39 بجروح، وألحق الهجومُ أضرارًا بالسفينة بلغت قيمتُها 250 مليون دولار، واستغرق إصلاحُها 14 شهرًا. 

وفي 6 أكتوبر 2002م اصطدمَت ناقلةُ النفط الفرنسية العملاقة «ليمبورغ» بزورق مُحمَّل بالمتفجِّرات في هجوم انتحاري، أدَّى إلى تسرُّب نحو 90 ألف بِرميل من النفط في خليج عدَن، وقُتل أحد أفراد الفريق، وأُصيب 12 بجروح. وذكرت تقاريرُ أمنية أن تنظيم القاعدة استخدم سفنًا لنقل الأسلحة والمتفجِّرات والإرهابيين والأموال الخاصَّة بالعمليات الإرهابية من مِنطقة إلى أخرى. 

تطوير القدُرات
إن زيادة قدرة هذه التنظيمات على تهريب تجارتها غير الشرعية عبر البحر؛ يعني أنها استطاعت استغلالَ الهشاشة الأمنية والنزاعات البحرية؛ لتحقيق أهدافها الاقتصادية والسياسية، مما يساعدها على تنفيذ أنشطتها، ولا سيَّما تجنيد المقاتلين، وتنفيذ الهجَمات الإرهابية على أهدافها البرِّية. لكنَّ السؤال المهمَّ هنا: هل تستطيع هذه التنظيماتُ تنفيذ عمليات إرهابية في مياه البحر الأحمر؟

يحمل التسجيل المصوَّر الذي يُطالب فيه زعيم حركة الشباب الصومالية، بوضع القواعد العسكرية الأمريكية والفرنسية في جيبوتي في أولويَّاتها، كثيرًا من الدلالات، فمع أن التهديد كان مقصورًا على المصالح الأمريكية والفرنسية، هو يُشير إلى زيادة خطر تلك التهديدات على أمن البحر الأحمر عمومًا، مع زيادة الأنشطة الاقتصادية والتجارية غير المشروعة للتنظيمات الإرهابية فيه. ومن المؤشِّرات المهمَّة التي تؤكِّد خطر هذه التهديدات، قدرةُ هذه الحركات على السيطرة على موانئَ بحريةٍ مطلَّة على المحيط الهندي، وتهديد مدخل البحر الأحمر، الذي يُمكِّنها من الحصول على الدعم (اللوجستي) وتجنيد المقاتلين، فضلًا عن تمويل أنشطتها بواسطة تجارة المخدِّرات والأسلحة والبشر، والتعاون مع التنظيمات الإرهابية في شبه الجزيرة العربية واليمن. ويُضاف إلى ذلك إمكانيةُ التعاون بين حركة الشباب الصومالية والقراصنة في شنِّ هجَمات على البحر، ولا سيَّما في المناطق المعرَّضة للخطر، مثل: ساحل الصومال، والبحر الأحمر، وخليج عدَن، وشرقي إفريقيا؛ فقد مدحت حركةُ الشباب القراصنةَ، وألمحت إلى إمكانية التعاون معهم؛ لأنهما في حالة حرب مع (دول غير مسلمة) على حدِّ زعمهم. 

ومع أن حركة الشباب طُردت من مَعاقلها في المدن الساحلية، وحُرمَت السيطرةَ على الموانئ الإستراتيجية، ولا سيَّما ميناء براوي، وميناء كيسمايو، وميناء ماركا، التي كانت ذاتَ يوم مراكزَ مهمَّة لتوريد الأسلحة والمقاتلين الأجانب، ثم عُزلت عن البحر، لا يزال بإمكانها ربطُ سلاسل التوريد المهمَّة بحُلفائها من القراصنة الذين يستطيعون الوصولَ إلى البحر، وقد استمرَّت الحركة لسنوات تستأجر القراصنةَ لتهريب أعضاءٍ من تنظيم القاعدة إلى الصومال. 

وربما لا تملك حركةُ الشباب القدُرات القتالية البحرية اللازمة لشنِّ هجَمات إرهابية بحرية بمفردها؛ إلا أن تنظيم القاعدة الذي تنتمي إليه الحركةُ قام بتدريب بعض عناصرها على الغوص القتالي، ودرَّب القراصنةُ شبابَ الحركة على المهارات الأساسية لإدارة السُّفن وقيادتها، وهي أمورٌ تؤكِّد أن حركة الشباب تنشَط في تحديث قدُراتها القتالية البحرية باستمرار؛ لتكون جاهزةً لتنفيذ هجَمات بحرية بمفردها، أو بالتعاون مع تنظيم القاعدة الذي يمتلك المهارات والمعِدَّات اللازمة لتنفيذ هذه العمليات.

خُلاصة القول
تواجه كثيرٌ من الدول العربية خطرَ زيادة التهديدات الإرهابية في البحر الأحمر، ولا سيَّما الدول الواقعة على شواطئه، مثل: جمهورية مصر العربية، والمملكة العربية السعودية. وفضلاً عن تهديد حركة المِلاحة البحرية في البحر الأحمر وقناة السويس، تبدو الموانئُ والقواعد العسكرية والسُّفن التجارية والعسكرية أكثرَ عُرضةً للهجَمات الإرهابية عند مدخل البحر الأحمر؛ بسبب تراخي الإجراءات الأمنية في موانئ شرقيِّ إفريقيا.

لذا يجب أن تتضمَّن السياساتُ العربية لمكافحة الإرهاب، تعزيزَ التعاون الأمني مع دول المنطقة؛ لمكافحة جميع أنشطة هذه التنظيمات عبر البحر، وعدم اقتصارها على عمليات القرصَنة فقط، مع ضرورة تفكيك شبكات الإرهاب الممتدَّة عبر البحر الأحمر، والصِّلات القائمة بين التنظيمات الإرهابية والقراصنة، وعصابات الجريمة المنظمة، وشبكات تجارة المخدِّرات وتهريب البشر.