إن الخوضَ في موضوع الإرهاب ليس بالأمر السهل أبدًا؛ ومن أشهر تعريفات الإرهاب: أنه العنفُ أو التهديدُ بالعنف الذي يقوم به عن سبق إصرار وترصُّد، أفرادٌ أو جماعاتٌ؛ لتحقيق أهداف سياسية أو اجتماعية أو فكرية، بترهيب فئةٍ كبيرة من الناس تتجاوز فئةَ الضحايا المباشرين للعمل الإرهابي.

وعادةً ما تتناول دراساتُ الإرهاب أربعة قضايا رئيسة من قضايا الإرهاب، وهي: أسبابُ الإرهاب، وطريقةُ عمل الإرهاب ووسائله، والآثارُ السياسية والاجتماعية والفكرية للإرهاب، والوسائل المـُثلى للقضاء على الإرهاب ومكافحته. وتتجاوز هذه المقالةُ الجوانب الأربعةَ المذكورة؛ لتسلِّطَ الضوء على الأخطار والتحدِّيات التي تواجه الباحثين في قضايا الإرهاب، فمن المهمِّ الفصلُ بين الوقائع الحقيقية والتخيُّلات والأوهام عند الخوض في قضايا هذا الموضوع المثير والجدَلي.

صعوبات وتحدِّيات وعقَبات
على الرغم من توافُر بحوث علمية في موضوعات خطِرة ودقيقة؛ كالبحوث في مواضيع الأسلحة النووية، والأسلحة المتطوِّرة كالصواريخ المضادَّة للصواريخ الباليستية، وبحوث الأشعَّة، والأخطار البيولوجية والكيميائية، والموادِّ الخطرة الأخرى، والبحوث في مواضيع عصابات المخدِّرات، وفساد السياسيين، يبقى البحثُ في موضوع الإرهاب أمرًا جليلًا يتفرَّد بمجموعة من الأخطار الخاصَّة به.

ومن تلك الأخطار ما يرتبط ببحوث الإرهاب دون سواها من البحوث، فعلى سبيل المثال: يمكن أن يتعرَّض الباحثُ أو الناقد المتخصِّص (الأكاديمي) للصِّهيَونيَّة إلى كثير من التحدِّيات والعقبات والمواقف الإشكالية؛ كخطر الاعتداء الجسدي، أو رفض دعم بحثه وعرقلة تمويله؛ نظرًا لقوة جماعات الضغط الإسرائيلية. وهو أمر بلا شكٍّ محبط، وتترتَّب عليه نتائج تُناقض أهدافَ البحث العلمي، التي قد تكون بنَّاءة وفي مصلحة الجميع، ومنهم اليهودُ أنفسهم.

وكذلك يواجه الباحثون في شؤون الإرهاب في مِنطَقة الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا (MENA) متاعبَ غير قليلة، تتجلَّى في التفسير الخاطئ لبحوثهم العلمية الجادَّة؛ مما يسبِّب عواقبَ سلبيةً وخيمة. وليس الحالُ بأفضلَ في دول الغرب دَومًا، فقد يؤدِّي نشرُ البحوث الموضوعية الأمنية، والنقدية الكاشفة لسياسات الحكومات ونهجها في مكافحة الإرهاب، إلى تصنيفها ورفضها وإدراجها في القائمة السوداء. فمثلًا: قد يواجه الباحثون خلافَ ما يؤمِّلون من جرَّاء انتقادهم البنَّاء لنهج فرنسا في التعامل مع المسلمين، وادِّعائها المنظَّم والمتحيِّز بربط الإسلام ظُلمًا بالتطرف والإرهاب.

وهناك غيرُ قليل من الأسباب القوية التي تدفع كثيرًا من الباحثين إلى تجنُّب الخوض في موضوع الإرهاب، ومن أبرز تلك الأسباب التي يحتجُّون بها: طبيعةُ مادَّة البحث، فقد تكون بعضُ الموادِّ البحثية حتى المـُعدَّة منها للنشر، محظورةً أو مشكوكًا في أمرها، وقد تكون الموادُّ قانونية في بلد ما ولكنَّها ممنوعةٌ في بلدان أخرى، أو قانونية في زمان (الأمس) وغير قانونية في زمان آخرَ (اليوم)، ولطالما كانت الموادُّ البحثيةُ المشكوكُ في أمرها محفوفةً بالمخاطر. كما تطغى قوانينُ الطوارئ والقبضة الأمنية في كثير من البلدان على الأحكام القياسية في التشريعات المتعلِّقة بأحداث معيَّنة، ولا سيَّما ما يتصل منها بالإرهاب، مما يجعل من الصعب حقًّا الدفاع إذا ما كانت التُّهَم متعلقةً بقضايا التطرف والإرهاب. 

مشكلة التأويلات القانونية
وقد تكون الموادُّ البحثية قانونيةً، لكنَّ الخوضَ فيها قد يدعو إلى الشكِّ؛ مما يؤدِّي إلى رفض البحث والتحقيق مع الباحث أو إيقافه وربما اعتقاله! وذلك بسبب عدم وجود قوانينَ واضحة ناظمة للبحوث المتعلِّقة بالإرهاب. وهناك خطرٌ حقيقي وهو توريطُ الباحث ومحاكمته؛ لارتكاب جريمة جنائية، ولا سيَّما عند حيازة موادَّ موصوفة على أنها (غير قانونية).

وعلى ما يتوافرُ من مقدار كبير من الدراسات والبحوث والمقالات التي تتناول الإرهاب، فإن معظمها مُستهلَك، أو أُحاديُّ الجانب، أو متحيِّز بما لا يسمح بالدفاع عنه فكريًّا. وتواجه الموادُّ البحثية في هذا المجال الكثيرَ من الأخطار والتحدِّيات، ومن ذلك الشكُّ بقانونية المادَّة البحثية، وعدم الإفصاح عن الوضع القانوني للمادَّة المخالفة، واختلاف الوضع القانوني باختلاف البلد، وصعوبة الوصول إلى الموادِّ البحثية، وأخطار البحث المـَيداني، والأخطار المرتبطة بمِنطَقة الصِّراع، والأعمال الانتقامية، والافتقار الشديد إلى التحليل الإحصائي، والبيانات المباشِرة، وغير ذلك كثير.

ويظهر جليًّا عدمُ قانونية بعض المنشورات والموادِّ البحثية، مثل الكتيِّب الذي يروِّج الدعايةَ الإرهابية، وفي هذا مشكلة كبيرة للباحثين؛ فقد يحتاج باحثون من الفرع المختصِّ، أو قسم الشرطة، أو وَحدة مكافحة الإرهاب، أو وحَدات الجيش، إلى الخوض في هذه الموادِّ غير القانونية؛ لصياغة سياسة مناسبة لمكافحة الإرهاب. ولمـَّا كان أغلبُ التشريعات القضائية القائمة لا يفي بهذا الغرض، يبقى الباحثون عُرضةً للمخالفة؛ بسبب حيازتهم موادَّ غيرَ قانونية.

ومن الخطر أيضًا إجراءُ بحث تجريبي يتضمَّن مقابلةً مع إرهابي أو مشتبَه فيه، فإن الإرهابيين والجماعات المسلَّحة مطلوبون للعدالة؛ لذا فإنهم ليسوا قُربنا ينتظروننا لنُجريَ مقابلاتٍ معهم. ويتطلَّب الوصولُ إليهم إقناعَهم بأن المقابلة ليست مُعدَّة للإيقاع بهم، وهم غالبًا مَن يختارون مكان المقابلة وزمانها؛ لتجنُّب أسرِهم أو الإيقاع بهم، وقد يغيِّرونه في اللحظة الأخيرة لضمان سلامتهم، وهذا الأمر يهدِّد سلامة المـُحاور الذي قد يُختطَف أو يُقتَل. 

مشكلة الحياد ونقص البيانات
إن الإرهاب موضوعٌ حسَّاس بطبيعته؛ مما يُعدُّ تحدِّياً آخر، لذلك لن يكونَ البحث في هذا المجال غالبًا حياديًّا، ولا خاليًا من التحيُّز؛ لذا ولسوء الحظِّ، غالبًا ما يُصبَغ موضوع بحث الإرهاب بصِبغة شخصية تشوبها الحساسية المـُفرِطة. ويتحدَّث البروفسور «آدم دولنك Adam Dolnik» في كتابه: «إجراء البحوث الميدانية حول الإرهاب» عن هذا الشأن محذِّرًا: «جميعُ الأطراف تقوم بتسييس البياناتِ الخاصَّة بالإرهاب؛ نظرًا لحساسية هذه المسألة واستثارتها للعواطف، وطبيعتها التي تفرِض ذلك؛ لذا يتطلَّب البحثُ في مجال الإرهاب مستوًى أعلى من التوثيق والحيادية؛ ضمانًا لدقَّة النتائج والثقة بها»​.​​

ومما يزيد الأمر سوءًا النقص الحادُّ في البيانات المتوافرة، والتحليل الإحصائي، وكذلك ضَعف مناهج البحث، وصعوبة العثور على مصادرَ إعلامية موثوقة بسبب التحيُّز وفِقدان الدِّقة؛ لذا أصبح الاعتمادُ أكبر على المستندات المفتوحة المصدر، التي في معظمها لم تُضف شيئًا جديدًا أو ذا بال. 

وفي الأخطار النفسية تحدٍّ آخرُ للباحثين، فقد تنطوي مخالفةُ الاتجاه السائد أو النسخة المقبولة رسميًّا من بحثٍ ما على أخطار جمَّة على الباحث، وقد تكون عواقبُ كتابة شيء يعارض وجهةَ النظر السائدة، أو يُعارض سياسةً حكومية، أمرًا كارثيًّا تكون نتيجتُه رفضَ طلب التمويل، أو الإدراج في القائمة السوداء، أو الاعتقال، أو غير ذلك. 

وفي البحوث التجريبية، قد يُدرَج اسم الباحث المسؤول عن المقابلات في القائمة السوداء، وقد يستهدفه لاحقًا الإرهابيون والمسلَّحون. فنتائج البحث قد تبدو مثيرةً للجدل واستفزازية، وقد يُوصَف الباحث بأنه متعاطفٌ مع الإرهابيين أو الجماعات المتشدِّدة، على الرغم من كتابته تقريرَه بحيادية وموضوعية واتِّزان.

خاتمة القول
تحفُّ عقَباتُ جمَّة بكتابة بحوث الإرهاب من جميع الجهات ذات الصلة، لذا ولضمان تقليل الأخطار المرتبطة ببحوث الإرهاب، ينبغي على الباحث أن يتيقَّن من امتثاله للقانون، والتزامه بالمعايير الأخلاقية للبحث، وأهمُّ من ذلك أنه على الحكومات أن تضعَ إطارًا قانونيًّا مناسبًا ينظِّم بحوث الإرهاب، فالبحث الجيِّد يعود بالفائدة على الجميع.