تسجيل الدخول
02/02/2022
يتناول الكتابُ موضوعَ التطرف من جهة الدوافع التي تُؤثِّر في الإنسان وتُؤدِّي إلى تطرفه. فللتطرف مجالاتٌ شتَّى تتضمَّن: الانحياز السياسي، والتوجُّه الديني، والاستقطاب الرياضي، وتبنِّي العنف، وغير ذلك. ويتميَّز الكتاب بأنه حصيلة مُشاركة واحد وثلاثين باحثًا في التشعُّبات المـُختلفة لموضوعه. وقد شَمِلَت هذه المـُشاركات مُقدِّمة الكتاب وجزأيه الرئيسين. 

يضمُّ الجزء الأول ستةَ فصول، تناولت موضوع دوافع التطرف وأسبابه الناتجة عن خلل التوازن في أمور الحياة، وذلك عبر مستويات مُختلفة من التحليل. وتضمَّن الجزء الثاني خمسة فصول عرضت أمثلةً لهذه الدوافع في إطار اهتمامات الإنسان وتوجهاته المختلفة. وقد اضطلع ثلاثةٌ من المـُشاركين بمسؤولية تحرير الكتاب، وهم: آري كروغلانسكي من جامعة ماريلاند بالولايات المتحدة، وإيوا سزومويسكا من جامعة كراكوف في بولندا، وكاتالينا كوبتز من جامعة ولاية وين بالولايات المتحدة، وتولَّت مؤسَّسة روتليدج «Routledge» التابعة لمجموعة تيلور أند فرانسيس «Taylor and Francis» العالمية نشرَ الكتاب.

مقدِّمة الكتاب
تَعرض مُقدِّمةُ الكتاب الأفكارَ والرُّؤى الأساسية المتعلِّقة بعلم نفس التطرُّف، وتُمثل نموذجًا عامًّا يُحيط بالموضوع من جوانب مُختلفة، وتتميَّز ببيان دوافع التطرف الناتجة عن خلل في التوازن تجاه هذا الموضوع؛ لبناء مرجعيَّة معرفيَّة، يُمكن بواسطتها مُعالجة الموضوع في فصول الكتاب.

تبدأ المقدِّمة بتوضيح الاستخدام المألوف لكلمة (تطرف) في المجالات المختلفة، مثل: المؤيِّد تأييدًا مُطلقًا لحزب أو اتجاه سياسي، والنرجسي العاشق لذاته، والمـُحبِّ المتعلِّق بالحبيب، والمتعصِّب لفريق رياضي لا يرى غيره. ويُضاف إلى هذه الأمثلة: هُواة مُمارسة الرياضات الخطِرة، كصعود الجبال الشاهقة. ويحمل الكتاب على غلافه صورةً لمـُمارسة هذه الرياضة؛ تعبيرًا عن تفكير المـُتطرف. ومما تقدَّم يظهر أن التطرف لا يقتصرُ على مجالٍ محدَّد؛ بل هو وارد في مُختلِف مجالات الحياة.

وتستعرض المـقدِّمةُ التطرُّف استعراضًا شاملًا، يستوعبُ جانب التطرف من جهة، وجانب الاعتدال من جهة أخرى، لأنَّ كلا الجانبين على اختلافهما، يُمثلان ظاهرةً سلوكية في المجتمعات الإنسانية. وتقدِّم في نظرتها إلى الجانبين المتطلَّبات الأساسية للإنسان في قسمين: قسم مادِّي حيَوي، كالمأكل، والملبَس والمأوى. وقسم نفسي ذاتي، كالانتماء واستقلال الشخصية. وإنَّ توجُّه الفرد نحو تحقيق جميع هذه المتطلَّبات الأساسية على نحوٍ متوازن يُمثِّل حالةَ «اعتدال»، وأما الإصرار والمبالغة في تحقيق أحد المتطلَّبات على حساب الأخرى؛ فيُمثل حالة «تطرف». ويُميِّز الكتابُ في مسألة شغَف الإنسان في توفير متطلَّباته الأساسية، بين شغفٍ يتَّسمُ بالتوافق: يجعلُ الإنسان متوازنًا في سعيه لتحقيق جميع مُتطلَّباته الأساسية، وشغفٍ يتَّسمُ بالهوَس، وهو الذي يدفعُ الإنسان للاهتمام بأحد هذه المتطلَّبات، مُهملًا بقيَّة المتطلَّبات الأساسية الأخرى.

وقدَّمت المقدِّمة نماذجَ مختلفة لما يبدو خللًا في التوازن في شؤون الحياة، مثل: «مُدمني العمل» الذين يهتمُّون بأعمالهم على حساب الحياة العائلية، ولقاءات الأصدقاء، والتفاعل مع المجتمع المحيط بهم. ومنهم أصحابُ التوجُّه «الإدراكي» الذين يتبنَّون توجُّهات فكرية ما على حساب توجُّهات فكرية أخرى. وهناك حالاتٌ أخرى، مثل: أصحاب «الطمع» في أمور بعينها، وإهمال أمور أخرى ذات قيمة، مما يُؤدِّي إلى عدم التوازن، وجعل الآخرين طمَّاعين جشعين؛ وهو ما يقود إلى عَلاقات مضطربة وغير متوازنة بين الأشخاص. 

ويمكن أن يظهرَ التطرُّف في الأعمال التي تتبعُ إجراءين رئيسَين: إجراء يقضي بوضع «أولويات» للعمل على مراحل، تهتمُّ كلُّ مرحلة بجانب مُحدَّد؛ من أجل تحقيق المتطلَّبات بالتدريج، ثم وضع إجراء آخرَ يهتمُّ «بالمضيِّ قُدُمًا» نحو تحقيق المتطلَّبات، وَفقَ الأولويات المحدَّدة والجوانب المهمَّة لها. وقد يبدو، في هذا الإطار، أنَّ العمل في كلِّ مرحلة غيرُ متوازن أو مُتطرف؛ لأنه يهتمُّ بجانب واحد، لكنَّه في المجمل يُحيط بمختلِف الجوانب المطلوبة.

يوضح الكتابُ أنَّ نظرة المتطرف إلى الحياة تفتقر إلى التوازن، وأنَّ ثمَّة دوافعَ مختلفة وراء عدم التوازن ينبغي ذكرُها، واستيعاب مضامينها؛ للتعامل بذكاء مع قضايا التطرُّف في المستقبل. وقد عرضَت المقدِّمة أسبابًا وعواملَ ودوافعَ تُمثل في مجموعها وفي مشهدها العام نموذجًا مرجعيًّا لمشكلات مختلفة، يمكن أن تُطرح عبر هذا الكتاب، وهذا ما جرى فعلًا في الكتاب بجزأيه. وفيما يأتي ملخَّصٌ لأبرز ما ورد في فصول كلٍّ من هذين الجزأين.

الجزء الأول 
دوافع خلل التوازن
تخضع ظاهرة التطرُّف، كأيِّ ظاهرة سلوكية، إلى مستويات مختلفة من التحليل، تشمل جانبين رئيسَين: الجانب العصبي للظاهرة، والجانب الثقافي، فضلًا عن جوانبَ أخرى تدمجُ بين الاثنين. وتضمَّن هذا الجزءُ في فصوله الستة الموضوعاتِ الآتيةَ وهي: عَلاقة سوء الرغبة غير العقلانية بدافع التطرف، ومواقف التطرُّف، والسلوك المتطرف ونتائجه، والمجموعة المتطرفة، والحدود الصارمة والحدود الرِّخوة، وتطوُّر التطرُّف على مرور الزمن.

1) سوء الرغبة غير العقلانية ودافع التطرف
يبحثُ الفصل الأول في السلوك المتطرف الناتج عن «سوء الرغبة غير العقلانية»، ويُشير إلى أن هذا السلوكَ يحدث غالبًا عندما تُسهم الوسائل المساعدة في اتخاذ القرار بالقوة، مع أن الوسائل المساعدة المبنية على خبرات سابقة، تشير إلى نتائجَ سلبية لإنفاذ هذا العمل؛ مما يعني أن الدافعَ غير العقلاني إلى اتخاذ قرار السلوك المتطرف يتَّسم بالقوة، مع أن العقلانية المستندة إلى خبرات سابقة ترفضُ اتخاذ مثل هذا القرار لعدم جدوى نتائجه. ويُقدم الفصل أمثلةً لهذا السلوك، تُعطي تصوُّرًا مرجعيًا للدوافع غير العقلانية المؤدِّية إلى التطرف وأذى الآخرين؛ بل أذى الذات أيضًا، ومنها: إدمان المخدِّرات، فهو عملٌ متطرف، ضحيَّته المدمنُ نفسه، إضافة إلى مُعاناة أسرته، والأثر السيِّئ في عمله. فكثيرٌ ممَّن تعافَوا من الإدمان، وأدركوا آثاره السلبية، قد يعودون إليه مرةً أخرى، وربما مرَّات، تحت تأثير دوافعَ عصبية، مثل الاضطراب والاكتئاب، ولقاء أصدقاء الإدمان السابقين، وتذكُّر ما كانوا قد اعتادوه، وربما مزيج من هذه الدوافع. وما ينطبق على حالة مُدمني المخدِّرات، ينطبق أيضًا على حالات أخرى من السلوك المتطرف، التي قد تتَّسمُ بالعنف تجاه الآخرين، وتحدُث تحت تأثير دوافعَ نفسية بعيدة عن العقلانية.     

2) مواقف التطرف
يستندُ الفصل الثاني إلى دراسات تتعلَّق بمواقف الإنسان في مختلِف مجالات الحياة، مثل: الاستهلاك، والشراء، وقضايا الرأي، والتصويت في الانتخابات. ويستفيد هذا الفصلُ من هذه الدراسات في تقديم مفاهيمَ لمواقف التطرف، ومعرفة خصائصها، ومدى تأثير كلٍّ منها، مع طرح أمثلة وإيضاحات بشأنها. وترجع أهميةُ معرفة مواقف التطرف وخصائصها، إلى إمكانية تحوُّلها من رأي شخصي كامن، إلى سلوك مُؤذٍ لا تُحمَد عُقباه.

ويضع هذا الفصل أربعَ خصائص رئيسة للمواقف المتطرفة على النحو الآتي:
أولًا، الاستقطاب: ويعني أن يكونَ الشخصُ مُنحازًا إلى جانب محدَّد، في مواجهة جانب آخرَ أو على حساب جوانبَ أخرى. 
ثانيًا، مدى اليقين: ويعني مدى تمسُّك الشخص بموقفه؛ فقد يكون هذا اليقين راسخًا، وقد يكون هشًّا ضعيفًا. 
ثالثًا، الخروج عن المألوف: ويعني غرابةَ الموقف المـُتَّخذ، وابتعاده عن المألوف، وما اعتاده الشخصُ ذاته في مواقفه تجاه موضوعات أخرى.
رابعًا، رفض الموقف اجتماعيًّا: وتختلف هذه الخاصية عن سابقتها، في أن الخلافَ يكون مع المجتمع، وخارجًا عن المألوف.
 وهكذا فإنَّ خصائص الموقف المتطرف، طِبقًا لما أوضحَه الفصل، تتضمَّن الاستقطاب، واليقين المرتبط بالالتزام بهذا الاستقطاب، والخروج عن المألوف، ورفض قَبوله في المجتمع. 
وبعد مناقشة خصائص مواقف التطرف، وتقديم تصوُّرات لها وأمثلة عليها، يصل الفصل إلى نتيجة مُفادها: أن ما قدَّمه بشأن هذه الخصائص غيرُ محسوم. ولذلك يوصي بإجراء مزيدٍ من البحوث فيه.

3) السلوك المُتطرف ونتائجه
السلوك المتطرف بحسَب مفهوم الكتاب، هو ظاهرةٌ ترتبط بقضايا تتَّسم بالنُّدرة، وقوة الدوافع التي تؤدِّي إلى حدوثها. وهناك ثلاثةُ جوانبَ ترتبط بهذا السلوك، أولها: أن السلوك المتطرف قد يكون عنيفًا. وثانيها: أن هذا السلوك يُمكن أن يؤدِّي إلى نتائجَ سلبية أو إيجابية، تبعًا للموضوع المطروح. وثالثها: أن الدافع لهذا السلوك عادةً يكون قويًّا ومؤثِّرًا. 

ويُبرز الفصل الثالث، في إطار هذه الجوانب، ما توصَّلت إليه بحوثٌ سابقة، من أن سلوك التطرف يرتبط بتوجُّه عاطفي لصاحب العَلاقة نحو الموضوع المطروح. لكنَّه يُشير أيضًا إلى أن هذه البحوثَ لا تُؤكِّد أن التوجُّهات العاطفية تقود بالضرورة إلى سلوك متطرف، ولا بدَّ من البحث لاكتشاف أن أيًّا من هذه التوجُّهات يُمكن أن تقودَ إلى سلوك مُتطرف. 

ويهتمُّ هذا الفصل أيضًا بالجانب العاطفي في سلوك التطرف، والبنية المكوِّنة لهذا الجانب، ويعرض النموذجَ المزدوج للعاطفة لتحليل أثر العاطفة في سلوك التطرف، آخِذًا في الحُسبان العواملَ الذاتية للشخص، وعوامل تفاعله مع الآخرين. ويُعرِّف النموذج المزدوج العاطفة بأنها: الميلُ الشديد نحو موضوع محدَّد، أو نشاط، أو مفهوم، أو شخص، بدافع المحبة، أو التقدير، أو الاستثمار المتكرِّر، أو الانتماء. وفي إطار ازدواج العاطفة، يُميِّز النموذج بين العاطفة التي هي أكثر قدرةً على التكيُّف، وتتَّصف بالتوافق، والعاطفة التي هي أقلُّ قدرةً على التكيُّف، وتتَّصف بالهوس. ويذهب الكتاب إلى أنَّ سلوك التطرف أكثر ارتباطًا بعاطفة الهوس.

ويُميِّز الكتابُ بين الجانب العاطفي في سلوك التطرف على مستوى العَلاقة مع الآخرين، وبين هذا الجانب على مستوى عَلاقة الإنسان بذاته، ويرى أن عاطفة الهوس تقودُ إلى سلوك مُتطرف في مجالات كثيرة مع الآخرين، مثل: العنف الديني، والعنف السياسي، وعنف المنافسة، وعنف العَلاقات الرومانسية، والجنسية، والرياضية. أما في إطار العَلاقة الشخصية مع الذات، فإن عاطفة الهوس أيضًا تؤدِّي إلى سلوك مُتطرف، مثل: الإدمان، والإفلاس، والمشكلات الصحِّية، والجسدية، والنفسية.

4) المجموعة المُتطرفة
المجموعة المتطرفة هي مجموعة لها سلوكٌ جمعي مُتعمَّد، يُخالف القواعد المعتادة. ويُقصَد بالسلوك الجمعي: السلوك الناتج عن الأهداف المشتركة للمجموعة، والقيود المحيطة بها، وتأثيرات أعضائها في الآخرين، وتكامل نشاطاتهم وتفاعلهم. ويُقصَد بمُخالفة القواعد المعتادة: مدى انحراف سلوك المجموعة المتطرفة عن القواعد الراسخة التي يُفترض اتِّباعها. ويهدِفُ مؤلِّفو الكتاب من هذه التعريفات إلى تحليل الإجراءاتِ النفسية والاجتماعية الخاصَّة بالمجموعات المتطرفة. ويستند تحليلُ المجموعة المتطرفة إلى النموذج الذي ينظر إلى التطرف على أنه خللٌ في التوازن، يهتمُّ بمُتطلَّبٍ واحد فقط، على حساب مُتطلَّباتٍ أخرى يهملها. ويطرح النموذجُ ثلاثة مجالات، تُمثل توجُّهات المجموعات المتطرفة: 
المجال الأول: يرتبط بالرغبة في تحقيق نجاح شخصي على أرض الواقع.
المجال الثاني: يهتمُّ بالحاجة إلى مرجعية عقيدية وفكرية (أيديولوجية)؛ تسوِّغ أساليبَ التطرف التي تتبنَّاها المجموعة.
المجال الثالث: يتعلَّق بالشبكة الاجتماعية، التي تهتمُّ بمحاولة إيجاد شرعية ومسوِّغات لهذا السلوك المتطرف. 

وفي إطار مفهوم التطرف الذي يتضمَّن خللَ التوازن؛ نتيجةَ التوجُّه إلى مُتطلَّب واحد دون غيره، يقدِّم الفصلُ الرابع ستةَ أقسام للمجموعات المتطرفة، وتشمل هذه الأقسامُ: مجموعات مُتطرفة سياسيًّا، ومجموعات مُتطرفة عقائديًّا ذات طابع عسكري؛ ثم مجموعات مُتطرفة في نظرتها الدينية ورؤيتها الطائفية، ومجموعات مُتطرفة في اتِّباع تعليمات أحد القدِّيسين لدى أتباع الديانة المسيحية، ثُم مجموعات مُتطرفة في التوجُّه نحو موضوع واحد فقط تهتمُّ به دون غيره، وأخيرًا مجموعات مُتطرفة في موقفها في موضوعات في المجال الصحِّي. 

ويُبيِّن الجدول رَقْم (1) الأقسام الستَّة، ويُقدِّم لكُلِّ قسم مثالين يعرض كُلٌّ منهما مجموعةً مُتطرفة معروفة. وقد تختلف الآراء في شأن هذه الأمثلة؛ فقد وُضع تنظيم «القاعدة» ضمن المجموعات السياسية، ولم يُنظَر إليه من الجانب العقيدي والفكري والشرعي. ويُضاف إلى ذلك أن الجانب العقيدي في المجموعات المتطرفة تضمَّن الذراع العسكرية للحزب النازي، إلى جانب الحرس الثوري الإيراني. ويعتمد الجدولُ في أمثلته على رأي مؤلِّفي الفصل.

ولعلَّه من المناسب الإشارة هنا إلى أن المجموعاتِ المذكورةَ، وإن كانت تتَّسم بالتطرف في توجُّهها، إلا أنها لا تتَّسمُ ضرورةً بالعنف، ولا تعتمد على الإرهاب. فلا يُمكن في هذا المجال عدُّ مجموعات التطرف المعادية للإجهاض، ومجموعات الحفاظ على البيئة، والمجموعات المعادية للَّقاحات، مجموعاتِ عنف أو إرهاب. فالعنفُ والإرهاب في المجموعات المتطرفة يأتيان تبعًا للموضوعات والتحدِّيات المحيطة بها من جهة، وتبعًا لسياسة المجموعات المتطرفة في هذه الموضوعات، ورؤى قادتها وتوجُّهاتهم من جهةٍ أخرى. 

وهكذا نجد أن هذا الفصلَ قد تحدَّث عن المجموعات المتطرفة بلغةٍ موضوعية، ترى في التطرف عنفًا وإرهابًا في بعض الحالات، ورأيًا حرًا بعيدًا عن العنف والإرهاب، ولو أنه لم يكن متوازنًا في حالات أخرى.



5) الحدود الصارمة والحدود الرِّخوة
يؤكِّد الفصل الخامس الاهتمامَ العالمي بالابتكار في المجالات المختلفة؛ فهو أساس تقدُّم الأمم وازدهارها. والابتكار يعني أفكارًا عظيمة، يستفيد منها عددٌ كبير جدًّا من البشر، نُفِّذت واقعيًّا ببراعة، وقُدِّمت للناس تقديمًا جيِّدًا. ويمرُّ هذا الابتكارُ بمرحلتَين:
الأولى (مرحلة الاكتشاف): أي اكتشاف الأفكار الجديدة. 
والثانية (مرحلة الاستغلال): أي تنفيذ هذه الأفكار واقعيًّا، ثمَّ ظهورها في الأسواق؛ لتحقيق الاستفادة القُصوى وجَني الأرباح المنشودة. 

ويُوضح الكتاب الفارقَ بين الإجراءين؛ إذ يتضمَّن الاكتشاف المخاطَرةَ في تقديم أفكار جديدة، واختبارها، ومعرفة نتائجها، ومدى صلاحيتها، والاستعداد لقَبول مبدأ التجرِبة والخطأ. ويرى أن الاستغلال يشمل تحليلَ مُتطلَّبات الإنتاج، ودقَّة التنفيذ، وفاعليته، والكفاءة في الأداء. ولأن كِلا الإجراءين مطلبٌ رئيس للابتكار؛ فإنَّ التناقضَ بينهما يكمُن في الاهتمام بإجراءٍ دون الآخر، على سبيل المثال: إن الاهتمام بنجاح الاستكشاف دون الاهتمام الكافي بالاستغلال؛ يُعطِّل مُخرَجات الابتكار ويَعُوق الاستفادة منه، والعكس صحيح، فإن الاهتمام بالاستغلال دون الاهتمام بالاكتشاف يحدُّ من قيمة المخرَجات وقدرتها على المنافسة، لذا ينبغي تحقيقُ التوازن بينهما؛ لكي يُحقِّقَ الابتكارُ فوائده المنشودة.

وتحاول بعض الرؤى النظرية المتعلِّقة بالاهتمام بأيٍّ من الإجراءين دون الآخر، وعَلاقته بالتطرف، فهمَ الجوانب الثقافية، وأثرها في نجاح جهود الابتكار أو إخفاقها من زاويتَين، الزاوية الأولى: تسمَّى الحدودَ الصارمة، وترتبط بالاستغلال. والأخرى: تسمَّى الحدودَ الرِّخوة، وترتبط بالاكتشاف. 

ويُبيِّن الجدول رقم (2) جوانب هذه الرؤية على النحو الآتي:



وعلى هذا الأساس، فإنَّ مرحلة الاكتشاف تحتاجُ إلى ثقافة تتضمَّن صفات «التباين، والمخاطرة، والتجرِبة، والاكتشاف». وتحتاج مرحلة الاستغلال إلى ثقافة تشمل خصائصَ «التحليل، والتهيئة، والكفاءة، والتنفيذ الأوَّلي، والتنفيذ النهائي». 
ويُقدِّم الجدول رقم (3) عرضًا لهذه النتيجة. 



ويعرض الفصلُ في سياق ما تقدَّم، حالاتٍ واقعيَّة لموضوع الابتكار ومُخرَجاته، وإجراءي الاكتشاف والاستغلال، وثقافة الابتكار بطرفَيها الصارم والرِّخو. وتشمل هذه الحالاتُ دولًا من الأمريكتين، وأخرى من أوروبا وآسيا.

6) تطوُّر التطرُّف
انطلاقًا مما سبق يسعى الفصلُ السادس إلى الإجابة عن أربعة أسئلة أساسية، تقدِّم إجاباتها رؤية مُتكاملة للتطرف، وهذه الأسئلة هي: ما الكيفيَّة التي أدَّت إلى تطور التطرف؟ ومن المستفيدُ من التطرف؟ وهل التطرف مُقتصر على الإنسان دون غيره من المخلوقات؟ وما أثرُ الأخلاق في منع التطرُّف؟ 

يؤكِّد الكتاب أنَّ البشرية شهدت على مدار تاريخها أنواعًا مختلفة من التطرف، ولا سيَّما التطرف في حال وجود صراع بين مجموعات، يكون التطرفُ فيها أداةً لخدمة أهداف أو خطط إستراتيجية محدَّدة، وهو ما يتضح مع المجموعات المتطرفة أحادية التفكير والتوجُّه.  

ويوضح هذا الفصلُ عدم اقتصار التطرف على الإنسان؛ بل هو موجودٌ في المخلوقات الأخرى، لكن يبقى الإنسان مُختلفًا، لأنه يتميَّز بالعقل والتفكير، والقدرة على اكتساب المعرفة، والاختيار بين الاعتدال أو التطرف. وفيما يتعلَّق بأثر الأخلاق في التطرف، يتناول الفصلُ تعريف الأخلاق على أنها: مجموعة من المبادئ التي تساعد الإنسان على التمييز بين الصواب والخطأ، إلا أنَّ عدم اتفاق البشرية على الصواب والخطأ في المجالات المختلفة؛ يقود إلى خلافات قد تتطوَّر إلى صراعات شتَّى. 

الجزء الثاني 
دوافع خلل التوازن
يختلف نوعُ التطرف بين شخص وآخَر، تبعًا لاهتمامات الشخص ومتطلَّباته، وقد يمارس هذا الشخص نشاطاتٍ مُتطرفةً في سبيل تحقيق متطلَّباته التي هي أكثر أهمية لديه. ويُقدِّم هذا الجزء في خمسة فصول أمثلةً مختلفة لهذه النشاطات، تتضمَّن الموضوعات الآتية: علم نفس الرياضات المتطرفة، وعلم نفس الطمع، والإنسان المثالي، وعلم النفس الاجتماعي للتطرف العنيف، وخلل التوازن وعَلاقته بتجنيد العناصر الجديدة في التنظيمات الإرهابية عبر الإنترنت.

1) علم نفس الرياضات المتطرِّفة
الرياضة الخطِرة في مفهوم الكتاب: هي نشاطات مُستقلَّة، تتَّسم بروح المغامرة، وغالبًا ما يُؤدِّي الخطأ في ممارستها إلى الموت. مثل: رياضة التجديف عند مساقط المياه، وركوب موجات البحر العالية، وصعود الجبال الشاهقة، والقفز بالمظلَّات من أماكنَ مُرتفعة، والتحليق على مستويات مُنخفضة، والتزحلق على الجليد في الأماكن الخطِرة، وسباق السيَّارات والدرَّاجات النارية في الأماكن الوعِرة. 

هذه الرياضات تحملُ درجاتٍ عاليةً من الخطر، وأغلب من يمارسونها هم شباب، يتَّصفون بالمغامرة، ويسعَون لإثبات الذات. وهناك فرَضيَّات مختلفة تحاول فهمَ هذه السلوكيات المتطرفة وتفسيرها، لكن لم تُختبَر في البحوث العلمية اختبارًا دقيقًا، ومن هذه الفرَضيَّات أن مُمارسي هذه الرياضات يُعانون حالةً مرضيَّة تقودهم للبحث عن رياضات خطِرة ومُثيرة؛ يتميَّزون بها عن الآخرين، ويحاولون جذبَ الأنظار إليهم. لكن على الجانب الآخر، هناك من يرفض هذه الرياضات، وينظر إلى مُمارسيها على أنهم «مجانين»، يحتاجون إلى علاج نفسي. ولكن مع انتشار هذه الرياضات في بِقاع العالم؛ ظهرت فرَضيَّات جديدة تحاول استيعابَ الدوافع النفسية لممارسي هذه الرياضات بعُمق.

ويرى الفصل السابعُ أنَّ الفهم الصحيح لعلم نفس الرياضات المتطرفة يجب أن يكون أكثر عُمقًا، وأكثر وعيًا من الفهم التقليدي المذكور آنفًا؛ إذ هناك دوافعُ للبدء في مُمارسة هذه الرياضات المتطرفة، وأيضًا دوافعُ للاستمرار في ممارستها. ومن أمثلة دوافع البدء: رغبةُ بعض الأشخاص في معرفة هذه الرياضات ومُمارستها على سبيل التجرِبة. أما دوافعُ الاستمرار، فترتبط بالإعجاب بها، والرَّغبة في اكتساب الخبرة والمهارة في مُمارستها، والانتماء إليها.

2) علم نفس الطَّمع
قدَّم الفصل الثامنُ تعريفاتٍ شتَّى للطمع، منها تعريفُ معجم «ميريام وبستر»: بأنه رغبةٌ أنانية مُفرطة للحصول على المزيد من العنصر المستهدَف، بما يتجاوز الحاجة، مثل: المال، أو الطعام والشراب. وفي تعريف آخر: هو الشوق غير المنضبط للحصول على المزيد من المكاسب، ويُمكن أن تكون طعامًا، أو أرضًا، أو مكانةً اجتماعية، أو سُلطة. والطمع في معجم «كولينز»: هو رغبةٌ جامحة في الحصول على عنصر مُستهدَف، هو الثَّروة بالدرجة الأولى. 

ويُوضح الفصل أن هناك كلماتٍ مرادفةً للطمع مثل: (البُخل، والشَّراهة، وعدم التوازن، والغرابة). وتاريخيًّا ظهر الطمعُ في الروايات منذ نحو أربعة آلاف عام، حين سُجِّلت أول حالة في رواية «ماكسيمز من فاهوتيب» المصرية القديمة، وردَ فيها مفهوم «القلب الطامع»، وكان القلب بحسَب معتقَدات هذا العصر، هو المسؤولَ عن الفهم والتفكير والقرارات السليمة، أي أنه يؤدِّي وظيفة العقل كما نفهمُه اليوم. وقد استفاض الفصلُ في عرض تاريخ مسألة الطمع، متطرقًا إلى الحضارة الإغريقية القديمة، موضحًا أن تلك الصفة تُخالف مبادئ الأخلاق والعدالة.   

واستعرضَ الكتاب مسألة الطمع في العلوم الاجتماعية، وجوانبها النفسية، وارتباطها بعلم الإنسان، وعَلاقتها بالأعمال التجارية. مؤكِّدًا أنها لم تحظَ بالاهتمام البحثي الذي يُعمِّق فهم تشعُّباتها وآثارها. لكنَّه يُشير لرأيين يحاولان فهمَ موضوع الطمع. الرأي الأول للكاتب الشهير «آدم سميث» الذي عاش في القرن الثامن عشر، ويؤكِّد أن لدى الإنسان، مهما كان أنانيًّا، مبادئَ يُراعيها، فقد يرغبُ في ثروة الآخرين، ويتطلَّع إلى إسعاد نفسه بها، لكنَّها في النهاية مجرَّد أفكار وخيالات تدور في عقل الشخص، يقف عندها ولا يتجاوز حدوده. وهي بلا شكٍّ نظرةٌ تُحسن الظنَّ في الإنسان، أو أنها تنظر إلى الإنسان السوي فقط. أما الرأيُ الآخر، فيعود إلى بحث منشور عام 2014م للباحثَين «أوكا وكوجت»، يشيران فيه إلى أنَّ الطمع يقود إلى عاطفة مُتطرِّفة؛ تدفع صاحبَها للنظر إلى مكاسب الآخرين، ويؤكِّدان أن فهم العَلاقة بين الأخلاق من جهة، والطمع من جهة أخرى، لا يزال غير مُحدَّد، ومن ثَمَّ فإنَّ نظرتهما للإنسان هي نظرة سلبية تُخالف نظرة «سميث».

3) الإنسان المثالي
يُقصَد بالإنسان المثالي: الإنسان الأفضل أخلاقًا، وهي صفة يتميَّز بها عدد قليلٌ من الناس، قد لا يتجاوز %10 في أي مُجتمع من المجتمعات. ويشتمل هذا الفصلُ التاسع على ثلاثة موضوعات رئيسة، تتناول فوائدَ دراسة الشخص المثالي، وشخصيَّته، والأسباب التي جعلته شخصًا مثاليًّا؛ ثم يقترح توصيات لمحاور بحوث مُستقبليَّة تتعلَّق بهذا الموضوع.

أما فوائدُ دراسة الإنسان المثالي، فإنَّ الكتاب يتفاعل مع نظرة الآخرين التي ترى أن الشخصَ المثالي يتمتَّع بالجاذبية وحبِّ الآخرين، وهو ما يُعطيه أهميةً عملية تدفعُ إلى دراسة نمط هذه الشخصية وتكوينها، وكيفية بنائها، ومعرفة الجوانب النفسية المحيطة بها، أو المؤثِّرة فيها؛ لتفعيل التصرُّفات السلوكية الحسنة، ونشرها في المجتمع، مما يُسهم في الحدِّ من الجرائم. 

وأما شخصيةُ الإنسان المثالي، فيُمكن النظر إلى فضائله التي تنبُع من معتقداته التي تربَّى عليها ونشأ، والدوافع الإيجابية التي تقودُه إلى تلك المثالية وتتجلَّى في سلوكه. ومن أبرز صفات الشخص المثالي: التعاطفُ مع الآخرين، والمسؤولية الاجتماعية، والصدق، والأمانة، والقِيَم الأخلاقية الرفيعة المتوافق عليها عالميًّا. 

وهناك أشخاصٌ مثاليون يقومون بتصرُّفات إيجابية، قد تبدو لكثيرين سلوكًا مُتطرفًا، لكنَّها في الحقيقة تدلُّ على الشجاعة والتضحية، مثل: الأشخاص الذين يُقدِمون على مواجهة المخاطر من أجل إنقاذ آخرين، أو يتبرَّعون بأعضاءٍ من أجسادهم لمرضى أوشكوا على الهلاك، أو يُعرِّضون أنفسهم للتهلُكة وهم يحذِّرون الآخرين من خطر مدمِّر آتٍ.  

وبعض الأسئلة في هذا الفصل لم تحظَ بإجابات كافية، أو تأتي إجاباتها مُتضاربةً في كثير من الأحيان، ولعل أبرزها يبحثُ عن تعريف واضح ومُتَّفق عليه للأخلاق المثالية والسلوك المثالي؛ لكنَّ الإجابة عنه تختلف من وجهة نظر إلى أخرى، مما يؤثِّر في تقويم الأحداث، على سبيل المثال: حادث تسريب الوثائق المهمَّة من «ويكي- ليكس» عام 2006م، ينظر إليه بعضُ الناس على أنه عمل متميِّز وبطولي، في حين يرى آخرون أنه مُخالفة، أقرب ما تكون إلى الجريمة. 

4) علم النفس الاجتماعي للتطرُّف العنيف
التطرفُ العنيف هو تجاوز كلِّ ما هو طبيعي أو مُعتاد أو مُتوقَّع. والتطرُّف السياسي قد يرافقه هجومٌ على الآخرين، وعنفٌ يؤدِّي إلى أذًى للبشر والممتلكات؛ لتحقيق أهداف سياسية أو فكرية أو دينية. ويمكن أن يؤيد الشخص التطرفَ العنيف، أو يمارسه ويشارك فيه، إذا ما تبنَّى مثل هذه الأهداف. ولا شكَّ أن استخدام العنف لتحقيق أهداف سياسية أو فكرية، يرفضُه كثيرون من أصحاب وجهات النظر العقلانية، تجنُّبًا للخسائر الكبيرة الناتجة عن استخدامه. ومع أن الشخص الذي يمارس العنفَ قد يؤذي نفسه في أثناء تنفيذ جريمته، وقد يصل هذا الإيذاءُ إلى إزهاق روحه، يبقى استخدامُ العنف وسيلةً جذَّابة لديه، يمارسه من أجل تحقيق أهدافه. لذا يسعى الكتاب إلى إيجاد تفسيرات علمية لهذا النوع من التطرف، بالنظر إلى مشاهد العنف بشمولية أوسعَ، وعُمق أكبر.

ويتناول الفصلُ العاشر التنظيماتِ الإرهابيةَ التي تتبنَّى العنفَ لتحقيق أهدافها، مؤكِّدًا أنها تشهدُ توجُّهات مختلفة نحو العنف، ولا سيَّما لدى قادةِ التنظيمات من جهة، والأتباع من جهة أخرى، فالقادةُ في هذه التنظيمات أبعدُ عن العنف من الأتباع؛ لأنهم أثبتوا التزامهم من قبلُ في بعض العمليات التي قاموا بها، ولا يأمُلون كثيرًا في مكاسبَ جديدة واضحة نحو تحقيق أهدافهم؛ بل إنهم ينظرون إلى احتمالات الضرر المرتفعة التي قد تُصيبهم. أما الأتباعُ فهم أقربُ إلى العنف؛ لأنهم يودُّون إثبات ذاتهم والتزامهم، وتحقيق مُنجزات على أيديهم يرَونها ضرورية.

ويرتبط العنف بثلاثة عواملَ مؤثِّرة: 
العامل الأول: الحاجةُ إلى العنف لجذب الاهتمام، وتحقيق أهداف محدَّدة. 
العامل الثاني: ضرورةُ أخذ الأقوال المتداولة بشأن العنف في الحُسبان؛ إذ إن أغلبها يُشجِّع على الاعتدال.
العامل الثالث: يتضمَّن الشبكة الاجتماعية، وأثرها الواضح في مواقف الإنسان.
وتُعطي هذه العواملُ مجتمعةً نظرة واسعة للأسباب المرتبطة بسلوك العنف، ربما تسمح بمزيد من الدراسات، وتعميق الفهم نحو هذه القضية، وإيجاد حلول مناسبة لمعالجتها والحدِّ منها.

5) خلل التوازن والتجنيد الإرهابي
تحتاج التنظيماتُ الإرهابية إلى ضمِّ العناصر الجديدة إلى صفوفها باستمرار؛ حتى تضمنَ بقاءها وممارستها لأعمالها المتطرفة والعنيفة. وقد وجدت هذه التنظيماتُ في «الإنترنت» وسيلةً جيِّدة للقيام بعمليات التجنيد. واستطاع تنظيمُ داعش الإرهابي تجنيدَ نحو 40 ألف مُقاتل، ينتمون إلى 90 دولةً بواسطة الإنترنت ومواقع التواصُل الاجتماعي. وعلى الرغم من الهزائم التي لحقَت بهذا التنظيم، لا يزال قادرًا على ضمِّ العناصر الجديدة من مُختلف دول العالم. وقد اهتمَّ الباحثون بهذه الظاهرة، وقدَّموا دراسات في هذا الموضوع، لكنَّ كثيرًا من هذه الدراساتِ لم تقدِّم تصوُّرًا واضحًا وتامًّا للعوامل النفسية التي تدفع للانضمام لهذه التنظيمات. 

ويرى الفصلُ الحادي عشر أنَّ نجاح التنظيمات الإرهابية في تجنيد العناصر الجديدة بتوظيف الإنترنت، يرجع للدوافع المرتبطة بخلل التوازن التي ذُكرت سابقًا؛ فهي تقود الشخص للاهتمام بمطلَب واحد، وإهمال المتطلَّبات الأخرى، وهو ما يؤدِّي إلى التطرف. وفي حال الانضمام إلى تنظيم داعش الإرهابي، والجماعات الإرهابية الأخرى، فإن المطلب الذي يسعى إليه الشخص، ويهتمُّ به على حساب بقيَّة المطالب الأخرى، هو الإحساسُ بالأهمية، والانتقام من الآخرين، والقدرة على التأثير، والمكانة المتميِّزة التي يحظى بها داخل التنظيم.

ويُبرز الفصلُ ثلاثة أسباب رئيسة تتعلَّق بجَدوى الإنترنت في عمليات التجنيد، على النحو الآتي:
  • أولًا: سهولةُ الحصول على المعلومات عن الأشخاص والأماكن. 
  • ثانيًا: سهولة نشر المعلومات عن التنظيم وأفكاره ونشاطاته، ووصولها إلى المستهدَفين في أنحاء العالم، بعيدًا عن
  • أعين الرقابة.  
  • ثالثًا: سهولة التواصُل المباشر بين أعضاء التنظيم والعناصر المستهدَفة، وتبادل الآراء، وفتح مجالاتٍ للحوار والمناقشة، ولا سيَّما في مواقع التواصل الاجتماعي. 

ويؤكِّد هذا الفصل أثر دوافع خلل التوازن في التطرف، ويرى أنَّ التطرف لا يظهر فجأة؛ بل هو قرار مُتدرِّج يصل في النهاية إلى تغيُّر في العقلية ونمط التفكير، ومن ثَمَّ تغيُّر السلوك، والاتجاه نحو التطرف. ويبيِّن الكتاب أنَّ نجاح تنظيم داعش الإرهابي في تجنيد المتطرفين، يرجع إلى تفاعله مع الاحتياجات الإنسانية، وتقديم الوسائل التي تُمكِّن أصحابَ الحاجة من الوصول إلى ما يُريدون. وخُلاصة هذا الرأي: أنَّ تنظيم داعش استطاع توفيرَ الاحتياجات الإنسانية للأشخاص، مستغلًا ذلك في توجيههم نحو التطرف والعنف والانضمام للتنظيم. 

ويُبرز الفصل أيضًا أسلوبًا مهمًّا يُعزِّز قدرة التنظيم على النجاح في مُخاطبة المستهدَفين للتجنيد، وهو أسلوب «الخطاب الضيق»، ويعني عدمَ توجيه رسالة موحَّدة لجميع المستهدَفين، وإنما توجيه رسائلَ «محدودة أو ضيقة» خاصَّة بكلِّ مجموعةٍ أو بكلِّ شخصٍ تُناسب فكره، وتُساعد على جذب اهتمامه، ثم تجنيده. 

ويتوسَّع الفصل في تناول الجوانب الفكرية التي يتبنَّاها تنظيم داعش الإرهابي، والأساليب التي يتَّبعها في تجنيد العناصر الجديدة، والدفع بهم إلى الصفوف الأمامية في العمليات القتالية والانتحارية، بفتاوى باطلة مضلِّلة، تعِدُهم بالشهادة والفوز بالجنَّة؛ لأنهم يدافعون عن الدِّين ودولة الخلافة المزعومة! ويقدِّم الفصلُ نماذجَ العائدين والتائبين، وهي نماذجُ لأشخاص انضمُّوا إلى التنظيم، ومارسوا حياة التطرف، وشاركوا في بعض العمليات القتالية والتخريبية، لكنَّهم عادوا إلى أحضان المجتمع مرَّة أخرى، وهي نماذجُ تحملُ ندمًا كبيرًا، بعدما اكتشفت كذبَ هذه التنظيمات، وما تحمله من كُرهٍ وبُغضٍ للمجتمعات.

ويوصي هذا الفصل بإجراء مزيدٍ من البحوث والدراسات الخاصَّة باستغلال التنظيمات الإرهابية للإنترنت في عمليات التجنيد، تتناول المشكلة من جوانبها المختلفة، مع وضع معاييرَ ومؤشِّراتٍ لدراسة التطرف، والإمكانات المتجدِّدة التي تتمتَّع بها شبكةُ الإنترنت التي تُسهِّل عمليات التجنيد، ولا سيَّما التجنيدِ بواسطة مواقع التواصل الاجتماعي؛ بهدف اتخاذ إجراءاتٍ حازمة للحدِّ من هذه العمليات، ودَرْء مخاطرها في المستقبل القريب.
voice Order

PDF اضغط هنا لتحميل الملف بصيغة

تحميل الملف
voice Order
العدد الرابع والثلاثون
إصدار شهري، يقدم مراجعة علمية للكتب والدراسات المتميزة التي تعالج قضايا الإرهاب
02/02/2022 11:30