تسجيل الدخول
03/01/2022
​عانت نيجيريا تحتَ وطأة التطرف والعنف والإرهاب منذ عام 2009م عقب تأسيس جماعة بوكو حرام في عام 2002م وتبنِّيها للفكر المتطرف الذي انتهجه تنظيمُ القاعدة وصدَّره للجماعات الإرهابية الموالية له، مما اضطُرَّ معه الجيش النيجيري للدخول في مواجهات دامية مع هذه الحركة الإرهابية، التي تمكَّنت من السيطرة على مناطقَ شاسعةٍ داخل نيجيريا، وعرَّضت البلادَ والعباد لكثير من الاضطراب والعنف.

من هنا جاءت أهميةُ هذا الكتاب: (بوكو حرام: التحدِّيات الأمنية، وتمرُّد متصاعد)، الذي يتحدَّث عن تاريخ هذه الحركة وأهدافها وسُبل محاربتها، وهو للباحث الأكاديمي والخبير الأمني «د. أونا إخومو Dr. Ona Ekhomu»، ويتألف من ثلاثة أجزاءٍ؛ يعرض الجزءُ الأول الجذورَ التاريخية لجماعة بوكو حرام الإرهابية، مبيِّنًا المراحلَ الأولى للجماعة، ونشوء الإرهاب في نيجيريا، وطرقَ التمويل. ويتناول الجزءُ الثاني الأهدافَ الإستراتيجية للجماعة، واستهدافها الجيش وجهات إنفاذ القانون والمدارس والطلَّاب والبنية التحتية ودور العبادة. ويناقش الجزءُ الثالث الحلولَ والتدابير الرسمية التي تبنَّتها الحكومةُ النيجيرية في حربها على الجماعة، وفي مقدَّمتها الحلُّ العسكري، والمفاوضات، والاستعانة بالمساعدات الدَّولية لمكافحة تمرُّد بوكو حرام.

الجزء الأول: الجذور التاريخية
خَلَص زعيمُ جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد في نيجيريا محمد يوسف إلى أن التعليم الغربي العَلماني (بوكو) باللغة المحلِّية، (حرام) شرعًا، ويجب تجريمه ومحاربته والقضاء عليه. ومن هنا جاء الاسمُ الجديد للجماعة (بوكو حرام) الذي يعني (التعليم الغربي حرام).

عقيدة الجماعة
تصِرُّ جماعة بوكو حرام على أن التعليم الغربي العَلماني مخالفٌ للإسلام؛ لفرضه الاختلاطَ في المدارس، وتدريس نظرية التطوُّر لداروين، وغيرها مما تراه الجماعةُ جانحًا عمَّا جاء به الإسلام الصحيح. ولا تعترف الجماعةُ بالمعاملات المصرفية والضرائب، وتَعُدُّ تلك الممارسات الاقتصادية والقانونية العصرية دخيلةً على الإسلام ومحرَّمة. 

واجتنابًا لهذه المحرَّمات في المدن الكبيرة، حاولت الجماعةُ إقامة مجتمع معزول عن الواقع النيجيري؛ فحرَّم محمد يوسف على أتباعه الانخراطَ في الديمقراطية والخدمة المدنية والتعليم الغربي، ولم يمرَّ وقتٌ طويل حتى تحوَّلت طائفته إلى جماعة تكفِّر الحكَّامَ والمجتمعَ النيجيري، وباتت تهديدًا وجوديًّا للأمَّة النيجيرية. ولم يكن المقاتلون المتطرفون تهديدًا للأمن الوطني والقومي في بداية النزاع المسلَّح، لكن مع سوء إدارة الصراع من قِبَل السُّلطات، تمكَّن المقاتلون الإرهابيون من إحراز كثير من الانتصارات الميدانية على الحكومة النيجيرية، وبحلول 2014م تمكَّنوا من السيطرة على أراضٍ شاسعة داخل نيجيريا.

وكان مسجدُ ابن تيميَّة المقرَّ الرئيس الذي أدار منه محمد يوسف ثم خلَفُه المتشدِّد أبو بكر شيكاو الحركةَ المتمرِّدة. وكان للجماعة ثلاثةُ أجهزة مهمَّة؛ أولها: المجلسُ التنفيذي الذي يتألَّف من إدارات شتَّى، وثانيها: مجلس الشُّورى، وآخرها: هيئة الحِسبة. 

وأطلق مسؤولون في الحكومة الأمريكية لقب «طالبان النيجيرية» وصفًا لجماعة «بوكو حرام»، في حديث لهم عن هذه الجماعة الإسلامية الأصولية الصغيرة التي هاجرت في أكتوبر 2003م من مايدوجوري إلى ولاية يوبي، وأقام أفرادها في مخيَّمات بقرية صحراوية صغيرة تسمَّى «زاجي بيريري» في منطقة الحكومة المحلِّية في «تارمووا».

شيكاو القائد الثاني
يصف الكتابُ زعيمَ بوكو حرام الأول محمد يوسف بأنه ذو حُنكة وشخصية متميِّزة، ومنتمٍ إلى طائفة سلفية، وكان على علم وثقافة جيدة، بوَّأته مكانة اجتماعية رفيعة، ويُتقن اللغة الإنجليزية، ويتحدَّث بها بطلاقة. إلا أنه زرع بذورَ العنف الفكري في قيادته للحركة، وهيَّأ هيكلها التنظيمي للإرهاب. وبعد مقتله تولَّى أبو بكر شيكاو قيادةَ الحركة، وهرب إلى جمهورية النيجر ليكونَ في مأمن من السُّلطات النيجيرية. 

وكان شيكاو قد وُلد في قرية «شيكاو» بولاية «يوبي»، ولم يتلقَّ أيَّ تعليم رسمي، ولا يعرف الإنجليزية. وكغيره من الأطفال الفقراء انتقل إلى «مايدوجوري» في أواخر السبعينيَّات من القرن الماضي؛ بحثًا عن المعرفة الإسلامية والطعام معًا، حيث التحقَ بمعلِّم محلِّي لتلقِّي علوم الشريعة.

وبات شيكاو مثالًا حيًّا للمغالاة في التطرف؛ لما يحمل من فكر ظلامي متشدِّد. جعل «بوكو حرام» أشدَّ فتكًا وإرهابًا. وكانت رسالته موجزةً وواضحة، تقوم على اتهام السُّلطات في ولايتي «أبوجا» و«بُرنو/بورنو» بالفساد، والإصرار على أن تطبيق الشريعة سينتُج عنه نظام حُكم عادل، وكان يحلم بتطبيق الشريعة في جميع أنحاء نيجيريا. وتمكَّن شيكاو بخطابه العنيف من استقطاب كثير من الشباب الذين نشؤوا على (التسوُّل) في الشوارع، وأقنعهم بأن العدوَّ الحقيقي هو النخبة النيجيرية الفاسدة؛ لمسؤوليَّتها المباشرة عن فقرهم المـُدقِع، وأحوالهم الرديئة. 

وفي الصراع العسكري بين الحكومة وبوكو حرام، يصرُّ الكاتب أن السلطات النيجيرية أضاعت فرصةً ثمينة للتخلُّص من شيكاو؛ ففي يوليو 2009م تمكَّنت السلطاتُ من اعتقال محمد يوسف في بُرنو، ثم قُتل لاحقًا، وأصابت شيكاو بطلق ناري في ساقه، غير أنه تمكَّن من الهرَب.

تاريخ من العنف
هناك أقوالٌ مختلفة بشأن هُويَّة الهجَمات الإرهابية الأولى التي شهدتها نيجيريا، فيرى بعضُ الباحثين أن المهاجمين ينتمون إلى طائفة يوبي طالبان. واتَّهَم آخرون طائفة اليوسفية (أتباع محمد يوسف). وبحسَب الكاتب فإن الهجوم الأول على مركز شرطةِ بانشكارا يُعَدُّ عملًا إرهابيًّا مباشرًا لأبي بكر شيكاو، فقد أصبحت طائفةُ اليوسفية (جماعة بوكو حرام لاحقًا) حينئذٍ واحدةً من الجماعات المسلَّحة القليلة التي تميل إلى العنف، ولديها القدرةُ عمليًّا على تنفيذ هجَمات واسعة؛ من ذخائر، ومقاتلين منظَّمين، وانتشار على الأرض. وأرجع الكاتبُ هذا الجهلَ بنشأة الإرهاب هناك إلى قلَّة المعلومات الاستخباراتية التي كانت متاحةً للسُّلطات النيجيرية آنذاك. 

خطر دائم
مع أن نيجيريا شهدت استقرارًا سياسيًّا نسبيًّا في أوائل عام 2000م، بقيت الأخطارُ السياسية التي تواجه البلاد قائمة؛ فقد كانت كثيرٌ من الحركات الانفصالية مثل: (مسلَّحي دلتا النيجر، ومؤتمر شعب أودوا OPC، والمقاتلين الإرهابيين)، تبحث عن موطئ قدم على الأرض. وفي عام 2008م ظهرت جماعةُ «بوكو حرام» حركةً أصولية دينية متطرفة عنيفة، ولكنَّ جهاز المخابرات المركزية تجاهلها، ولم يرَ أنها تهديدٌ خطِر على أمن الدولة.

مصادر التمويل
لم تكن للجماعة الإرهابية مواردُ ماليةٌ كبيرة، أو مصدرُ دخل دائمٌ واضح؛ لذلك تساءل الكثيرون عن مصدر العبوات الناسفة، والرصاص، ومضادَّات الطائرات، والرشاشات، وغيرها من الذخائر الحربية المكلفة التي حازتها الجماعة. فضلًا عمَّا كانت بوكو حرام تدفعه من مبالغَ مالية إلى أهالي الانتحاريين، وتتحمَّل نفقات إنتاج مقاطعَ دعائية مرئيَّة مصوَّرة؛ لكسب تعاطف العوامِّ، واستقطاب أعضاءٍ جدُد منهم، وتجنيدهم في أعمال الجماعة. 

وذكر الكاتبُ أربعة أنماط لتمويل الإرهاب في إفريقيا، وذلك بواسطة:

  1. التجارة والأنشطة المربحة.
  2. استغلال المنظَّمات غير الحكومية، والجمعيات الخيرية، والتبرُّعات.
  3. تهريب الأسلحة والأصول والعُملات.
  4. تهريب المخدِّرات.
ويُلحق بها خطفُ الأجانب، ومساومة دُوَلهم على إطلاق سَراحهم مقابل فِدًى، فهو أحد منابع تمويل الجماعة. فمثلًا: في أبريل 2013م، تلقَّت بوكو حرام فِديةً بقيمة 3.15 مليون دولار من الولايات المتحدة، بوساطة من فرنسا والكاميرون؛ لأجل الإفراج عن عائلة فرنسية مؤلَّفة من سبعة أشخاص، اختُطِفوا شمال الكاميرون. وإضافةً إلى حصولها على مبلغ الفِدية، حرَّرت الجماعةُ بعض أعضائها المحتجَزين في الكاميرون، فقد أصرَّ زعيمها شيكاو الذي تولَّى بنفسه المفاوضات، أن الفِديةَ المعروضة غيرُ كافية، ولا بدَّ من إطلاق سَراح بعض رجاله المعتقَلين؛ إتمامًا للصفقة.

الجزء الثاني: الأهداف الإستراتيجية
لجماعة بوكو حرام أهدافٌ إستراتيجة صريحة، من أبرزها: 

استهداف الجيش والشرطة
جعلت الجماعةُ في أولويَّاتها استهداف قوات الجيش والأمن والشرطة؛ أفرادًا وجماعات، وخلَّفت أعمالها الإرهابية عددًا كبيرًا من الضحايا المدنيين أيضًا.

وفي عام 2015م صنَّف مؤشِّرُ الإرهاب العالمي «بوكو حرام» على أنها المنظمةُ الإرهابية الأكثر فتكًا في العالم؛ إذ تجاوزت وحشيتُها تنظيمَ داعش في سُلَّم الإرهاب العالمي. وقد سبَّبت جماعة بوكو حرام قتلَ 6644 شخصًا في عام 2014م، بزيادة %317 عن العام السابق. في حين نتَج عن إرهاب داعش قتلُ 6073 في تلك السنة.

استهداف السُّجون
بدَت جماعةُ بوكو حرام بارعةً في اختيار أهدافها؛ ففي عام 2009م نجح إرهابيوها في تحرير 150 سجينًا، أصبحوا فيما بعد أعضاءً في الجماعة يحاربون حكومةَ دولة نيجيريا وشعبَها. ثم وقع الهجومُ الثاني للجماعة في 2010م على سجن باوتشي، حيث حرَّرت الجماعة 759 سجينًا، بينهم مقاتلون قادة. وأسفر الهجومُ عن مقتل جندي وشرطي واثنين من حرَّاس السجن ومدني واحد، وأُصيب ستة أشخاص.

استهداف القواعد العسكرية
تتخذ جماعةُ بوكو حرام من الجيش النيجيري عدوًّا رئيسًا لها؛ ففي عام 2009م دمَّر الجيش مسجدَ ابن تيمية التابع للحركة، وقتل كثيرًا من أعضائها. وألقى القبضَ على زعيمها محمد يوسف، وسلَّمه لسلطات الشرطة، وانتهى الأمر بقتله في ظروف غامضة خارجَ نطاق القضاء والقانون. وعندما جدَّدت الحركةُ هجَماتها في 2010م، ونفَّذت كثيرًا من التفجيرات الإجرامية، اعتقدت الحكومةُ الفيدرالية أن عمليات القتل والتخريب كانت أعمالًا عشوائية إجرامية، ولم ترَ فيها تهديدًا أمنيًّا جِدِّيًّا. ولم تُدرك الحكومة أنها تواجه عدوًّا إرهابيًّا قويًّا وعنيدًا إلا عندما قصفَت بوكو حرام مبنى الشرطة ومقرَّ الأمم المتحدة في أغسطس 2011م. 

وبعد صراع طويل مع بوكو حرام، نجحت السلطاتُ النيجيرية في كسب المعركة، واستعادة جميع المباني التي كان استولى عليها الإرهابيون. واليوم لا يرفرف علمُ بوكو حرام فوق أيِّ أرض نيجيرية. وكما هو الحالُ في جميع الصراعات، كانت تكلِفة النصر كبيرةً جدًّا، ودفعت القواتُ النيجيرية ثمنًا باهظًا في كثير من المعارك. مثلًا: تمكَّنت الجماعةُ من إسقاط طائرة حربية، والقبض على قائدها الطيَّار، ثم قطع رأسه، وبثِّ مقطع مصوَّر في الإنترنت لعملية الإعدام.

استهداف المدارس والطلاب
إذا كان التعليم الغربي حرامًا في رأي الجماعة، فإن ما يجب فعلُه هو استئصاله من جذوره، ومحاربة مؤسَّساته؛ لذلك كانت المدارسُ بطلَّابها ومعلِّميها أهدافًا للمتطرفين. في المراحل الأولى من الصراع تعهَّد شيكاو باجتناب استهداف طلَّاب المدارس، لكنَّه لم يلبث في عام 2012م أن سوَّغ الهجَمات على المدارس الابتدائية والثانوية، زاعمًا أن قوات الأمن الحكومية كانت تُنصِّر أطفالًا مسلمين في هذه المدارس.

وتمكَّن متمرِّدو بوكو حرام في حالات كثيرة، من قتل التلاميذ وحرقهم وخطفهم واغتصابهم. ومن هذه الجرائم عام 2014م اختطافُ 276 فتاة من مدرسة البنات الثانوية الحكومية في ولاية بورنو. لكنَّ أشنعَ الهجَمات كانت الحرقَ الجماعي لجثث الطلَّاب. 

اختطاف بنات شيبوك
تنتشر المدارسُ الابتدائية والثانوية ومؤسسات التعليم العالي في جميع أنحاء مناطق الصراع، مما جعلها هدفًا سهلًا ومؤثِّرًا لإحداث الهلع بين المواطنين، وتشويه صورة الحكومة العاجزة عن حماية شعبها. لهذا كانت المدارسُ أكثر الأهداف في هجَمات بوكو حرام. وكانت أغلب المدارس غيرَ مزوَّدة بأنظمة إنذار، ولا كاميرات مراقبة (CCTV)، ولا أقفال على الأبواب، ولا حتى أسوار؛ وذلك لأنها بُنيت في مناطقَ كان يسودها الأمن والسلام. وادَّعى شيكاو أن الجماعة تستهدف المدارس انتقامًا من اعتقالات الحكومة الفيدرالية للأطفال المسلمين من بعض المدارس الإسلامية، ولا صحَّة لهذا الادِّعاء.

في أبريل 2014م بينما كانت التلميذاتُ في استعداد لامتحان الشهادة الثانوية، أحضر إرهابيون من بوكو حرام يرتدون زِيًّا عسكريًّا عدَّة شاحنات عسكرية إلى المدرسة، وأخبروا الطالبات أن هناك هجومًا إرهابيًّا وَشيكًا، وأنهم جاؤوا لإجلائهم إلى برِّ الأمان. حُملت الطالباتُ على متن الشاحنات، وانتهى المطاف بـهنَّ في معسكرات الجماعة، وكان عددهنَّ 219 فتاة. وبعد أسبوعين من الاختطاف وانتشار الخبر في وسائل الإعلام الدَّولية، كثُرت المسيرات والاحتجاجات في نيجيريا وخارجها، وحملت السيدة ميشيل أوباما، زوجة الرئيس الأمريكي السابق، مُلصقًا بعنوان (أعيدوا فتياتنا)، ممَّا منح القضية طابعًا عالميًّا. 

إن مشكلة الأمن المدرسي في نيجيريا كانت دائمًا في عدم كفاية الإجراءات الوقائية لصدِّ الهجَمات الإرهابية. ولاحظت بوكو حرام جوانبَ الضعف هذه، واستغلَّتها لترويع الآباء والمواطنين؛ فقصفت وأحرقت كثيرًا من المدارس، وهاجمت كثيرًا من الطلَّاب. وبثَّت هذه الهجَمات ذُعرًا شديدًا، وسيطر على كثير من الطلَّاب والآباء شعورٌ بفِقدان الأمن في الولايات الشَّمالية. وكثيرًا ما كانت السُّلطات تأمر بإغلاق المدارس خوفًا من هجَمات مرتقَبة لبوكو حرام.

وعزَّزت السلطاتُ النيجيرية أمن المدارس في منطقة الصراع؛ للتخفيف من مخاطر الهجَمات. وبعد الاختطاف الجماعي لتلميذات مدرسة في مدينة دابتشي في فبراير 2018م، أمر الرئيسُ محمد بخاري الشرطة والمسؤولين في الأمن النيجيري وفيلقَ الدفاع المدني بحماية المدارس باستمرار.

 استهداف البُنَى التحتية
رأت بوكو حرام في البنية التحتية هدفًا مهمًّا؛ فاستهدفت كثيرًا من المقارِّ المركزية؛ كمقارِّ الأمم المتحدة، وقصور الأمراء، والمباني الحكومية، ومرافق الاتصالات، ومحطَّات الكهرباء. ممَّا أثر في البنية التحتية النيجيرية وأدَّى إلى شلل البلاد نسبيًّا. 

وكان التفجيرُ الانتحاري لمبنى الأمم المتحدة في العاصمة «أبوجا» أكثرَ هذه الهجَمات صدًى في العالم، وأكَّد همجيَّة بوكو حرام، وقدرتها على التخريب الشديد، وقد أسفر عن 23 قتيلًا بينهم مسؤولٌ في وِزارة الصحة الفيدرالية، و68 جريحًا معظمُهم بشظايا زجاجية. وسبَّب الحادثُ دمارًا كبيرًا في الطوابق السفلية من المبنى؛ إذ انهار أحدُ أجنحته، وأصيب الطابق الأرضي بأضرار شديدة. وكان ذاك الهجومُ أولَ عمل انتحاري في نيجيريا يستهدف منظمة دَولية، ولقي غضبًا في جميع أنحاء العالم، وندَّد به الرئيسُ باراك أوباما والأمين العامُّ للأمم المتحدة آنذاك. 

ثم جنَّدت بوكو حرام إرهابيين انتحاريين في كلِّ مكان بنيجيريا، استغلت النساء والفتيات (بعضهنَّ لا تتجاوز أعمارهنَّ 10 سنوات)؛ في تنفيذ هجَمات انتحارية. وتلقَّت الأمم المتحدة تهديداتٍ من بوكو حرام وجماعات أخرى؛ بسبب عمليَّاتها في نيجيريا، وجرت مناقشةُ هذه التهديدات بجِدِّية مع المسؤولين النيجيريين، لكن لم تُتَّخذ إجراءاتٌ صريحة لحماية الضحايا الذين كان منهم عمالُ النظافة، وحُرَّاس الأمن، وشركاء الأمم المتحدة في المجال الإنساني، وغيرهم من العمَّال.

استهداف دُور العبادة
الشعبُ النيجيري شعبٌ متديِّن لا يقبل الاستهانةَ بمشاعره الإيمانية، سواءٌ في ذلك المسلمون والنصارى. لهذا بذلت جماعةُ بوكو حرام قُصارى جهدها لاستغلال الهُويَّة الدينية، وإشاعة السَّخَط على الحكومة والسُّلطة على نطاق وطني بين أبناء المسلمين، آمِلةً أن يقدحَ هذا السخط شرارةً تُفضي إلى حرب دينية في البلاد.

وقد استهدفت الجماعةُ الكنائس والمساجد بطريقة همجية، ومن ذلك مثلًا: أسفر تفجيرُ مسجد كانو المركزي في 2014م عن مقتل أكثرَ من مئتي مسلم، والهجوم على مسجد كودوجا عن مقتل أكثرَ من خمسين من المصلِّين المسلمين.

ومن الصعب حقًّا فهمُ كيف يقتنع بعضُ الأشخاص بمشروعيَّة تفجير أنفسهم في الأماكن العامَّة، ولا سيَّما أماكنِ العبادة لقتل المؤمنين! ولفهم العقل المشوَّه والنفوس المريضة لهؤلاء، يجب أن نفهمَ فلسفة بوكو حرام وعقيدتها الفكرية المتطرفة. في عهد محمد يوسف الزعيم الأول للحركة، كان غرضَ جماعة بوكو حرام الرئيسَ وضعُ قانون صارم للشريعة الإسلامية في ولاية بورنو، ثم أصبحت فلسفةُ الحركة المعلنة هي الجهاد العام حين طالب شيكاو بتطبيق الشريعة في جميع أنحاء نيجيريا بصرامة، ولو كان ذلك فرضًا بالعنف. 

وكانت بوكو حرام تصرُّ على أنها في حرب مقدَّسة على الكفر والطغيان، وعلى جميع المسلمين الذين لا ينضمُّون إلى صفوفها ولا يؤيِّدون عقيدتها. واعتمدت على الفكر (الاستشهادي) الداعشي الذي يقول: إن الانتحاريَّ أو الانغماسي شهيدٌ ضامنٌ لمنزلة رفيعة في الجنَّة، وأن نيلَ الشهادة في صفوف الجماعة عند الدفاع عن دين الله في الأرض، أحسنُ وسيلةٍ لضمان الفوز برضا الله تعالى والتقلُّب في الفردوس الأعلى.

 بوكو حرام واستهداف الكنائس
نفَّذت جماعة بوكو حرام عددًا كبيرًا من الهجَمات الإرهابية المروِّعة على المساجد ومعابد المسلمين، ولكنَّها أطلقت العِنانَ لشراستها الصُّلبة في الهجَمات على الكنائس ومعابد المسيحيين. وقد استندت الجماعةُ إلى بعض الادِّعاءات لمهاجمة الكنائس، يراها المؤلف ادِّعاءاتٍ كاذبةً وفارغة، من أشهرها:

  1. الكنائس مراكزُ للتغريب: تكره بوكو حرام كلَّ ما له صلةٌ بالغرب، وتعاديه عَداء شديدًا، وهي ترى في الكنائس مراكزَ رئيسة لتغريب المجتمع المسلم، وتعزيز هيمنة الثقافة الغربية. لذلك رأت أن مهاجمة الكنائس سوف تقوِّض هذا العِماد الأساسي للحضارة الغربية الغازية، وستفتح المجالَ للتعليم الإسلامي، وللتشريع الديني في الظهور والانتشار.
  2. محاربة التنصير: رأت بوكو حرام في الكنائس عدوًّا مباشرًا؛ بسبب حمَلات التنصير التي تقوم بها بين المسلمين؛ فإن الكثير من الكنائس تعمل عملَ مؤسَّسات تنصيرية كبيرة في نيجيريا، عبر الخدمة المجتمعية؛ ومنها: عياداتٌ طبِّية مجَّانية، ومرافقُ لتوزيع الأطعمة والملابس؛ مما يدفع الناسَ إلى الإقبال عليها؛ لفقرهم وحاجتهم.
  3. سهولة استهداف الكنائس: تقع أغلبُ الكنائس في أماكنَ عامَّة مفتوحة، وهي هدفٌ سهل لأيِّ أحد. 
لهذا كان أحدَ أهداف بوكو حرام المعلنة تطهيرُ شمال نيجيريا من المسيحية والمسيحيين، والنصارى والمنصِّرين، وإقامة مجتمع مسلم طاهر.  ومن المفارقات أن في شمالي نيجيريا ملايينَ من السكَّان المسيحيين الأصليين، كما أن في جنوبي نيجيريا ملايينَ من السكَّان المسلمين الأصليين. وهذه الحقيقة تجعل هدفَ بوكو حرام غيرَ قابل للتحقيق، إلا بالتطهير العِرقي أو التهجير القسري للمسيحيين من الشَّمال. ومنذ 2015م قلَّ عددُ الهجَمات الناجحة على الكنائس؛ بسبب زيادة الوعي الأمني لرجال الدِّين وأبناء الكنيسة في اتخاذ الاحتياطات اللازمة، وزيادة التدابير الأمنية المضادَّة من قِبَل السُّلطات؛ للحدِّ من تلك الأخطار. 

استهداف المسؤولين 
منذ البداية شكَّكت جماعةُ بوكو حرام في المعتقَدات الأساسية للإسلام النيجيري، ورفضت حُكم سلطان ولاية سوكوتو، وحاولت اغتيال أمير كانو الراحل الحاج أدو بايرو، ووجَّهت تهديدات بالقتل إلى أمير كانو الحالي الحاج سانوسي لاميدو سانوسي؛ بل حاولت اغتيالَ رئيس الدولة اللواء محمد بخاري ولكنَّ الهجوم باء بالإخفاق. 

واستهدفت الجماعةُ الأمراء، والقادة العسكريين المتقاعدين، وأصحابَ المناصب السياسية، ورؤساء المقاطعات (يسمَّون الملوكَ في نيجيريا)، ورجال الدِّين والصحفيين والمتخصِّصين (الأكاديميين)، حتى مؤلفُ هذا الكتاب تلقَّى اتصالات فيها تهديدٌ بالقتل من أشخاص يزعمون أنهم من متمرِّدي هذه الجماعة؛ وذلك بسبب إسهاماته الإعلامية وكتاباته المتخصِّصة عن بوكو حرام. ونجحت الحركةُ في اغتيال كثيرين من أعضاء الطبقة السياسية، ورؤساء الجماعات، ورجال الدِّين المعتدلين. مثلًا: استهدف مقاتلون من الجماعة خمسةَ أمراء، وتمكَّنوا من قتل أمير بلدة «قوزا» الحاج إدريسا تيمتا في هجوم بالرصاص. 

وبعد أعوام من الصِّراع المرير بين الحكومة النيجيرية وجماعة بوكو حرام، لم يعُد الإرهابيون يسيطرون على مساحاتٍ شاسعة من الأراضي في الشَّمال النيجيري، وقد اتجهت الجماعةُ إلى اتِّباع وسائل حرب العصابات الخاطفة، وعلى أن آثارها التخريبيةَ قد تكون كبيرة أحيانًا، تبقى هذه الآثار محدودة. ويصرُّ الكاتب أن على النُّخَب السياسية والمديرين التنفيذيين للشركات الذين يزورون الشَّمال الشرقي إجراءَ تقويمات مفصَّلة للأخطار؛ لمنع الخطر المباشر لبوكو حرام أو الحدِّ منه وإضعافه. وعلى المسؤولين أن يُدركوا أن الاغتيالاتِ المباشرةَ لرجالات الدولة ما زالت جزءًا من مشهد تهديدات الجماعة الإرهابية، وأن الوعيَ الأمني لهؤلاء المسؤولين هو مفتاحُ البقاء على قيد الحياة.

الجزء الثالث: مكافحة الإرهاب 
تجلَّى التصدِّي للإرهاب في نيجيريا في عدَّة اتجاهات رئيسة، من أهمِّها:

الحلُّ العسكري
إن فهم التهديد الخطِر للإرهاب في نيجيريا وغربي إفريقيا مهمٌّ جدًّا؛ لأجل وضع سياسات وخُطط وتدابيرَ مضادَّة لهذا الخطر، ولمنع ظهور جماعات متطرفة وحركات تمرُّد مماثلة في المستقبل. وينظر الكاتبُ إلى مكافحة الإرهاب من رؤية أمنية محضة، دون اللجوء إلى التحليلات السياسية أو الدينية، ويؤكِّد أنه كانت هناك مؤشِّراتٌ كافية تدلُّ على نموِّ خطر الإرهاب في نيجيريا منذ 2009م، لكنَّ السلطات أخطأت التقدير والتخطيط، ولمـَّا تنبَّهت الحكومةُ للخطر، كانت بوكو حرام قد سيطرت على مناطقَ واسعة، وألحقت أضرارًا كبيرة بالجيش والسكَّان. أجل إن الحكومة الفيدرالية عند بدء الصراع، أخطأت في فهم حقيقة جماعة بوكو حرام، وفي تقدير خطر أنشطتها، فتركت أمرَ مواجهتها للشرطة المحلِّية وحدَها! ممَّا أدَّى إلى قتل كثير من أفراد الشرطة واغتيال رجال دين مسيحيين قساوسة، ومسلمين، وتعرَّضت الكنائسُ والمساجد لغير قليل من الهجَمات. وحدثت كذلك عملياتُ هرَبٍ جماعي من السُّجون بمساعدة الجماعة؛ فأُطلق سَراح مئات من أعضائها. ولسوء الحظِّ لم يكن لدى الحكومة آنذاك محلِّلون سياسيون أو جهازُ استخبارات قوي. ولهذا تجاهلت الحكومة التهديدَ الكبير، وأصدر الرئيسُ تصريحاتٍ مُطَمئِنةً بعد كلِّ حادث قتل جماعي، ووعد بمحاكمة الجناة.

ومع مرور الوقت، كفَل الخيارُ العسكري الانتصاراتِ المتتاليةَ للجيش النيجيري، وتضييقَ الخناق على الإرهابيين، وبسط الأمن في كثير من المناطق التي كانت سيطرت عليها الحركةُ من قبل. إلا أن غياب المهنية والحُنكة عن رجال الجيش والشرطة أدَّى إلى أخطاءٍ جسيمة من طرف هذه المؤسَّسات؛ فمثلًا: حين ألقى الجيشُ القبض على الزعيم الأول لبوكو حرام محمد يوسف، واستجوبَه في جلسة مسجَّلة، ثم سلَّمه إلى رجال الشرطة، قام أفرادٌ مجهولون بقتله قبل تقديمه إلى المحكمة! وكذلك قُتل نحو 700 عنصر من أعضاء بوكو حرام دون محاكمة، كانوا محتجَزين في مخافر الشرطة. 

بعد تراجع أبو بكر شيكاو عن بيعة داعش انقسمَت الحركةُ إلى فصيلين رئيسين؛ الأول: فصيل أبي بكر شيكاو، والآخَر ما سُمِّي بفصيل «ولاية غرب إفريقيا الإسلامية» (ISWAP). وعلى حين واصل شيكاو مهاجمةَ الأهداف المدنية والعسكرية في وسَط بورنو وجنوبيِّها، وولاية أداماوا الشَّمالية، سيطر الفصيل الآخر على شمال بورنو بولاية يوبي، واتخذ من مِنطقة بحيرة تشاد مركزًا له. لكنَّ العالم ظلَّ ينظر إلى الفصيلين على أنهما جماعة بوكو حرام، دون تمييز بينهما.

وعندما أعلنت بوكو حرام الحربَ على نيجيريا كانت أفضلَ تسلُّحًا من الجيش النيجيري؛ إذ كان الجيشُ في حاجة إلى أسلحة جديدة متطوِّرة، وقد أُجبرت القوات النيجيرية على القتال برصاص منتهيةٍ صلاحيتُه! وهناك رواياتٌ عن خلل في سلاح الجنود النيجيريين، جعلهم يجدون أنفسَهم في مرَّات كثيرة، عُزْلًا في مواجهة الإرهابيين، دون سلاح حتى لحماية أرواحهم.

وكانت الحكومةُ الأمريكية في عهد الرئيس ترامب أكثر تعاونًا؛ ففي أبريل 2017م وعدَ الرئيس ترامب ببيع طائرات مقاتلة بقيمة 600 مليون دولار لنيجيريا، وقد تسلَّمتها في عام 2020م. وبعدما تسلَّحت بمُعَدَّات حديثة وقيادة مُحنَّكة، تمكَّنت القوات النيجيرية من استعادة جميع الولايات المحلِّية، وجعلها تحت سيطرتها، فعاد المتمرِّدون إلى حرب العصابات. ومع هذا، لا يزال تهديدُ بوكو حرام قائمًا في الشَّمال الشرقي، ويحتاج المتخصِّصون والمخطِّطون العسكريون إلى ابتكار طرق جديدة للتعامل مع هذا الخطر. ومن المؤمَّل أن يزيدَ الجيش من قدُراته الاستخبارية؛ ليكون أقدرَ على مواجهة أساليب بوكو حرام في حرب العصابات، وليكون جاهزًا ومهيَّأً للتصدِّي لأيِّ خطر إرهابي في المستقبل.

المفاوضات لكسب الوقت 
أظهرت الحكومةُ النيجيرية نمطًا من السلوك في إدارتها لكل النزاعات، فهي تواجه أيَّ أزمة كبيرة أو ما تراه خطرًا باستخدام القوة الرادعة. وعادةً ما يؤدِّي هذا إلى إخماد الصراع مؤقَّتًا، ثم تحاول بعد ذلك تهدئةَ الأحوال المضطربة بإنشاء لجنة تحقيق قضائية شكلية! 

وتبنَّت الدولة أيضًا تجارِبَ منهجية متنوِّعة لحلِّ النزاع؛ منها المفاوضاتُ وبرامج العفو والمصالحة. وليس هذا بجديد؛ فقد استخدمت المفاوضات والعفو أول مرَّة بعد الحرب الأهلية النيجيرية (1967-1970م) حين أعلنت الحكومة العسكرية الفيدرالية بقيادة الجنرال ياكوبو جوون برنامجَ «لا مُنتصر ولا مهزوم»، واستخدمه بمهارة الرئيسُ عمر موسى يارادوا في عام 2009م؛ لإنهاء التمرُّد المسلَّح في دلتا النيجر، الذي شلَّ عمليات التنقيب عن النفط وعطَّلها زمنًا. وكان إنتاج النفط هو عصبَ الاقتصاد الرئيس من الإيرادات الحكومية التي تصل إلى %90 من عائدات العُملة الأجنبية.

كانت المفاوضاتُ مع بوكو حرام محفوفةً بكثير من الأخطار، فقد كان الرئيسُ غودلاك جوناثان يعارض تلك المفاوضات أولًا. وبذلت إدارةُ جوناثان جهودًا كبيرة لإحلال السلام؛ لكنَّها أخفقت في التفاوض؛ لأن أبو بكر شيكاو لم يفكِّر يومًا في التراجع أو الندم والتوبة. وبحسَب عدد من المراقبين، تصرَّفت الحكومةُ الفيدرالية مرارًا كما لو كانت في مهمَّة لاسترضاء المتمرِّدين. ويصرُّ الكاتب على ضرورة وضع برنامج للسلام يوفِّر الدعم للمفاوضات، وبرامج للصُّلح والتسامح؛ لأن التفاوض دون خُطَّة سلام واضحة، لن يحولَ دون الانزلاق السهل إلى العنف في المستقبل.

وقد تنبَّأ شيكاو بأن الحكومة ستتبنَّى خِيارَ التفاوض مع جماعته، وكان رافضًا لذلك. وحاولت السُّلطات حقًّا البدء في توجيه نداءات الحوار والتفاوض إلى مساعديه ومقاتليه الكبار، محاولةً عزله بطريقة ما، أو القبض عليه حيًّا أو قتله. مثلًا: في أكتوبر 2018م كان مامان نور قائدُ فصيل في بوكو حرام، وهو أحد كبار مقاتلي شيكاو، على وَشْك الاستسلام للحكومة الفيدرالية مع 300 من مقاتليه. فاعتقله قادةُ بوكو حرام وأعدموه؛ ليكون عبرةً لكلِّ مَن تسوِّل له نفسُه الاستسلام أو الخضوع للسلطات الحكومية.

تدويل الصراع والمساعدات الدَّولية
بدأ العنف المسلَّح لجماعة بوكو حرام عام 2009م، وكانت المواجهة مباشرةً بين الجيش النيجيري ومقاتلي الجماعة، وعقب قتل الزعيم محمد يوسف أخفق مسؤولو الأمن الحكوميون في فهم واقع الجماعة، وأن نائبه أبو بكر شيكاو لا يزال حيًّا، وأن عقيدة الجماعة القائمة على التطرف والكراهية قد عبرت حدودَ نيجيريا إلى النيجر وتشاد والكاميرون والدول المجاورة. لذلك فرَّ شيكاو المصاب إلى جمهورية النيجر بعد هزيمة بوكو حرام، هربًا من الشرطة العسكرية. ومع أن الصراع مع بوكو حرام كان إقليميًّا في البدء وليس وطنيًّا، فإن ما جهله محلِّلو رجال الاستخبارات النيجيرية هو قدرةُ الجماعة العابرة للحدود. 

وفي أبريل 2010م، نشر شيكاو تسجيلًا مصوَّرًا يُنصِّب فيه نفسَه زعيمًا جديدًا للجماعة المقاتلة، متعهِّدًا بالانتقام لمقتل محمد يوسف وأعضاء جماعتهم. وبصرف النظر عن الموقع الجغرافي للإرهاب في مِنطَقة حوض بحيرة تشاد الذي يربط بين أربع دول، قدَّمت عملياتُ بوكو حرام مؤشِّرات مبكِّرة أخرى على أنها تريد طابعًا دَوليًّا للصراع. على سبيل المثال:

  • في 12 مايو 2011م، اختُطِف المواطن البريطاني «كريس ماكمانوس» والإيطالي «فرانكو لامولينارا»، في ولاية كيبي، على يد جماعة أنصارو. قُتل كريس لاحقًا على أيدي خاطفيه في سوكوتو في أثناء محاولة إنقاذ مُخفقة، نفَّذتها خدمة القوارب الخاصَّة البريطانية ووِزارة الخِدْمات الحكومية والجيش النيجيري.
  • في 26 أغسطس 2011م، تعرَّض مقرُّ الأمم المتحدة لهجوم أسفر عن مقتل 23 شخصًا، وإصابة أكثر من مئة شخص بجروح.
  • في يناير 2012م، اختُطف المهندس الألماني «إدغار فريتز راوباتش» في كانو، على يد أنصار الحركة، ثم قُتِل لاحقًا في مايو.
  • في 21 يونيو 2012م، وضعت وِزارةُ الخارجية الأمريكية زعيمَ الحركة «أبو بكر شيكاو»، و«آدم كمبارا»، و«خالد البرناوي» زعيم جماعة أنصار في لائحة الإرهاب السوداء.
في المراحل الأولى من الصراع بين 2009 و2011م، كان الإشكال شأنًا محلِّيًا، وكانت القواتُ الوطنية تتولَّى ردعَ المتطرفين، لكنَّ الهجوم على مقرِّ الأمم المتحدة غيَّر المعادلة؛ فإن القنابل المستعملة لم تكن محلِّية الصنع، والهدف الذي اختِير، والسلاح الذي استُخدِم، وطريقة إيصال الذخائر إلى الهدف، وإعلان الجماعة أنها استهدفت العاملين في المجال الإنساني عمدًا، كلُّ هذا أظهر أن الصراع كان حربًا عابرة للحدود.

رفضت حكومةُ الولايات المتحدة ودولٌ غربية أخرى عدَّ إرهاب بوكو حرام مسألةً نيجيرية داخلية، فقد رأت المخابراتُ الأمريكية في جماعة بوكو حرام تهديدًا دَوليًّا قادرًا على تنفيذ هجَمات فتَّاكة متطوِّرة خارج نيجيريا (الكاميرون، وتشاد، والنيجر). وكان الرئيسُ محمد بخاري أكثر انفتاحًا على المساعدات العسكرية والإنسانية الدَّولية، حين بدأ رئاسته بزيارة جيران النيجر، في محاولة لإنشاء تحالفات صُلبة للتصدِّي للمتمردين المتطرفين، والمقاتلين الإرهابيين. وانضمَّ الجيرانُ إلى هذه الحملة بتأييد الحكومة الفرنسية، وسارت الحملةُ العسكرية سيرًا جيِّدًا لمصلحة نيجيريا وحلفائها، حتى جرى القضاء نسبيًّا على جماعة بوكو حرام.

وإضافةً إلى المساعدة العسكرية، ثمَّة جانبٌ آخرُ من المساعدة الدَّولية المقدَّمة من قِبَل الولايات المتحدة، وهي إذاعة الأقمار الصناعية التي تبثُّ على مدار 24 ساعة، وقناة TV في شمال نيجيريا؛ لمواجهة التيار القتالي المتطرف. وقد بلغت كُلفة تمويل القناة التلفازية من قِبَل مكتب مكافحة الإرهاب الأمريكي نحو 6 ملايين دولار.

​التدريب العسكري والاستخباراتي
في ديسمبر 2014م أنهت الحكومةُ النيجيرية التدريبَ المستمرَّ للأفراد العسكريين النيجيريين الذي يجري في إطار برنامج المساعدة الأمريكية لمكافحة الإرهاب في نيجيريا. وقد استفاد قرابة 600 جندي نيجيري من تدريبات مكافحة التمرُّد قبل أن توقف. وأوضح المتحدِّثُ العسكري النيجيري الميجور جنرال كريس أولوكولاد، أن التدريب كان عملًا إستراتيجيًّا مُجديًا. 

وأجرى فريقٌ من مدرِّبي مسرح جريمة القنابل مع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي بقيادة مايكل تروبنباك في سبتمبر 2016م تدريباتٍ لمحقِّقي القنابل النيجيريين من قوة الشرطة النيجيرية، والجيش النيجيري، والبحرية النيجيرية، والقوات الجوية النيجيرية، ومكتب القوات المسلَّحة الوطنية. وكان هذا التدريبُ أحد الخطط لمساعدتهم على التحقيق في مشهد ما بعد الانفجار، ووسائل معرفة الأجهزة المتفجِّرة المرتجَلة، وكيفية جمع الأدلَّة، وغير هذا من أمور مهمَّة.

ويعترف الكاتبُ بالبطولات والتضحيات التي قدَّمتها القوات الأمنية، ويحثُّ النخبة السياسية على تجنُّب التسييس والرَّدْع النفسي والروايات الخاطئة التي أدَّت إلى نشوء بوكو حرام من قبل. فقد وَجَبَ على الحكومة النيجيرية لمكافحة إرهاب هذه الجماعة؛ إنشاءُ بنية تحتية استخباراتية حديثة وقوية، مما يمكِّن المسؤولين الأمنيين من معرفة الخطط والمؤامرات الإرهابية قبل حدوثها. وقد ظهر من قبلُ عجز المخابرات النيجيرية عن اختراق بوكو حرام، ولم تتمكَّن من جمع معلومات مفيدة للجيش، ولم تتطوَّر إلا في بداية عام 2015م.

عملية نزع التطرف
حاولت السُّلطات التفريق بين القادة والمنظِّرين الذين سفكوا دمَ النيجيريين وبين المقاتلين والأتباع الذين انضمُّوا إلى الحركة تحت الإكراه أو الإغراء بغسل أدمغتهم. ففي حين نُفِّذت عقوباتٌ صارمة على الفريق الأول، حظيَ أعضاءٌ من الفريق الثاني بالعفو والصَّفح؛ ولا سيَّما بعض المقاتلين الصغار المغرَّر بهم، وسُمح لهم باستئناف حياتهم.

وبدأت الحكومةُ النيجيرية الحالية برنامجًا للمصالحة والمراجعات الفكرية مع مقاتلي بوكو حرام في السُّجون، وأُطلق سَراح الذين أثبتوا صدق نيَّاتهم في التخلِّي عن الأفكار المتطرفة، وصدق رغبتهم في إعادة الاندماج السِّلمي في المجتمع. ويشير الكاتب إلى أن هذه البرامجَ يجب أن تتجاوزَ المسجونين، وتعمَّم على الأسر والشباب في المناطق المتعاطفة مع فكر بوكو حرام، أو التي خضعت لحُكم الجماعة سابقًا. فإن البنية الحاضنة للإرهاب موجودة، ولا يزال الفسادُ والقمع والفقر والأمراض المجتمعية الأخرى التي ادَّعت بوكو حرام أنها تحارب لأجل الخلاص منها باقية. ويؤكِّد الكاتبُ أن الظلم في كثير من المناطق دفع الناسَ إلى السُّخط على الدولة، والتعاطف مع جماعة بوكو حرام ومع كلِّ مَن يحارب الدولة، مما سهَّل عمليات التجنيد. 

التعليم والتبصير
لعلَّ من أهمِّ وسائل مكافحة الإرهاب استثمارَ الحكومة في تعليم الأطفال والشباب النيجيريين وتبصيرهم؛ فقد ثبتَ أن الانتحاريين من الفتيان والشباب الذين انخرطوا في جماعة بوكو حرام كانوا من غير المتعلِّمين، وأفادت منظمةُ الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن نيجيريا فيها أكبرُ عدد من الأطفال الذين لم يتلقَّوا أي تعليم في العالم، ولا سيَّما أطفال المنطقة الشَّمالية الشرقية المسلمة التي سيطرت عليها بوكو حرام.

ويبقى التطرفُ مشكلة معقَّدة تنطوي على عقيدة التشدُّد والطائفية، والإرهاب الانتحاري، والتمرُّد على الوضع القائم. وجماعة بوكو حرام أشبهُ بتنظيم داعش، فهي لا تقاتل لبناء المجتمع، ولكن لتدمير كل شيء، ولهيمنة عقيدتها الفكرية المتطرفة التي تتبنَّى استخدام العنف وسيلةً لتحقيق أهدافها، وبلوغ غاياتها. ولهذا نستطيع القول: إن الإرهاب قبل أن يكون مشكلةً فكرية عقيدية، هو ظاهرةٌ اجتماعية معقَّدة، وهذا سببُ إخفاق نيجيريا في البدء؛ لأن الحكومة النيجيرية آثرت الحلَّ العسكري، وتجاهلت الحلول الأخرى للأزمة، التي هي بلا شكٍّ أكثر نجاحًا وأبعد أثرًا.
voice Order

PDF اضغط هنا لتحميل الملف بصيغة

تحميل الملف
voice Order
العدد الثالث والثلاثون
إصدار شهري، يقدم مراجعة علمية للكتب والدراسات المتميزة التي تعالج قضايا الإرهاب
03/01/2022 12:17