تسجيل الدخول
26/06/2022
يتناول هذا الكتابُ جهودَ مجلس الأمن في مكافحة الإرهاب، والطرقَ المتَّبعة للقضاء على التطرُّف والإرهاب المهدِّدَين للسِّلم والأمن العالميَّين، ومدى نجاح إجراءات المجلس في الحدِّ من هذه الظاهرة، والعواقب الناتجة عنها. 

وتنتقدُ الكاتبة أليس مارتيني تعريفَ مجلس الأمن للإرهاب، الذي قدَّمه في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ لأنه يُظهرُ عمقَ أثر الدول العُظمى، وعَلاقات القوة التي تُكوِّن المجتمع الدَّولي وتتحكَّمُ فيه. ويسعى الكتابُ إلى إبراز الجهود التي قدَّمها المجتمع الدولي، عبر ما تقوم به الأمم المتحدة واللجان التابعة لها، مستعرضًا هيكلَها في رؤية تحليلية مُفصَّلة، منذ منتصف القرن العشرين، إضافةً إلى الصلاحيات والقرارات والتطوُّرات التي حدثت في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. ثم الرؤية التي يقودُ بها مجلس الأمن حربه على الإرهاب ضمن مشروع دَولي عالمي.

نظرة شاملة
يُعَدُّ هذا الكتاب مرجعًا مهمًّا للباحثين والمتخصِّصين في الدراسات النقدية والإرهاب، والدراسات الأمنية، والحوكمة العالمية، والعَلاقات الدَّولية. ويقدِّم الكتاب سردًا وتحليلًا مفصَّلًا للقرارات القانونية الصادرة عن الأمم المتحدة، المتعلِّقة بمكافحة الإرهاب، مع قراءة نقدية لها ولمنهجها في إنتاج المعرفة، والسؤال عن الإسهام الحقيقي للمجلس في مكافحة الإرهاب، والتحدِّيات التي تواجهه.

في 12 سبتمبر 2001م، سارع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى عقد اجتماع عاجل؛ لبحث الهجَمات المروِّعة التي استهدفت مركز بُرجَي التجارة العالمي ومبنى البنتاغون بالولايات المتحدة الأمريكية، وأودت بحياة نحو ثلاثة آلاف شخص من 80 دولة. وأعلن المجلسُ آنذاك، عزمَه اتخاذ كلِّ الوسائل الممكنة لمكافحة الأخطار التي تُهدِّد السِّلم والأمن الدَّوليين، واستعدادَ الدول الأعضاء اتخاذَ خطوات أكثر صرامةً للردِّ على الهجَمات الإرهابية. وقد وقَّع الأعضاء مذكِّرةً رسميَّة تتضمَّن جميع القرارات التي اتُّفق عليها في هذه القضية. وبعد مرور شهرين على توقيع المذكرة، في 12 نوفمبر 2001م، اجتمع مجلسُ الأمن مرَّة أخرى؛ ليُعلنَ وَفقَ ميثاق الأمم المتحدة، أنَّ الإرهاب العالمي الجديد هو أحد أخطر التهديدات الوجودية في القرن الحادي والعشرين، مؤكدًا رفضَه القاطع لجميع الأعمال الإرهابية، واستنكاره الممارسات الإجرامية في أيِّ دولة في العالم، أيًّا كانت دوافعُ هذه الأعمال أو أيًّا كان مرتكبوها. وكانت هذه بدايةَ الكفاح العالمي الذي يقودُه مجلس الأمن على الإرهاب.

وفي 24 من سبتمبر 2014م، جدَّد المجلس مرَّة أخرى التزامه بــ «الجهود الشاملة لمكافحة هذه الآفة على المستوى العالمي» محذِّرًا من أنَّ الإرهاب لا يزال تهديدًا خطِرًا على السِّلم والأمن الدَّوليين، وعبَّر المجلس عن قلقه الشديد بشأن ازدياد الجرائم الإرهابية، التي أصبحت أكثرَ دموية ووحشيَّة، ولا سيَّما مع تفاقُم الأزَمات والحروب الأهلية في مناطقَ شتَّى من العالم، ومنها الجرائمُ التي باعثها التعصُّب والتطرُّف والتمييز والصراعات العرقية والدينية والقبليَّة. وشدَّد المجلسُ على ضرورة تعاون الدُّول العظمى في مكافحة جميع أنواع التطرُّف العنيف، التي يمكن أن تُفضيَ إلى الإرهاب، ومراقبة التشدُّد الفكري، ومحاولات استقطاب الأفراد وتجنيدهم في الجماعات الإرهابية، وتعزيز الجهود المشتركة والجادَّة في هذا المجال.

وأعربت الهيئة الأمميَّة عن رفضها القاطع لما يقوم به ما يُسمَّى «تنظيم داعش» و«تنظيم القاعدة» الإرهابيين، وحذَّرت من أعمالهما الإجرامية المتكرِّرة، وأبدَت قلقها الشديد لانتشار الفكر المتطرف والعنيف في أماكنَ مختلفة من العالم، وازدياد أعداد المتعاطفين مع هذه التنظيمات. فقد استطاع تنظيمُ داعش الإرهابي استقطاب عشَرات الآلاف من أوروبا وأمريكا والدول العربية، وضمَّهم إلى صفوفه. لذا أنكر مجلسُ الأمن جميعَ أنواع الدَّعم المقدَّم لهذه التنظيمات أو الحركات المشبوهة، وللإرهابيين عامَّة، سواءٌ من قِبَل الأفراد أو الجماعات أو الدول. 

وتدلُّ هذه المواقف والقرارات الجادَّة على كيفية تعامُل مجلس الأمن مع الظاهرة، والتزامه بمحاربة الإرهاب لأكثرَ من عِقدَين. وترى الكاتبةُ أن السبب في اهتمام المجتمع الدَّولي بمحاربة التطرف العنيف والإرهاب، يكمُن في أنه الخطر الأكبر الذي يهدِّد السِّلم والأمن الدَّوليين. ويرمز إلى الالتزام المتواصل للمجلس بمكافحة هذا التهديد العالمي بكلِّ الوسائل. 

وتكشفُ المواقف والتصريحات الرسميَّة الأممية عن كثير من القوى التي أسهمت في محاربة التطرف العنيف والإرهاب، مع ضرورة التشديد على عددٍ من الجماعات، مثل: تنظيمَي داعش والقاعدة، وحركة الشباب الصُّومالية، وجماعة بوكو حرام. وضرورة كَبْح نشاطات هذه الجماعات في الشرق الأوسط وإفريقيا، ومنعها من شنِّ هجَمات في دول العالم، أو السعي في تجنيد الشباب من دول العالم المختلفة. وتؤكِّد البياناتُ الصادرة عن مجلس الأمن أنَّ الجماعاتِ الإرهابيةَ أصبحت أكثرَ انتشارًا، وأكثر خطرًا في السنوات الأخيرة؛ وأنَّ الحرب العالمية على الإرهاب لم تضع أوزارها، وأنَّ الإرهاب لا يزال قضيةً مُلحَّة على طاولة مجلس الأمن، تتطلَّب تعاونَ جميع الدول لمكافحته والقضاء عليه.

وباتت قراراتُ مجلس الأمن نَواةً تأسيسيَّة مهمَّة في مجال محاربة الإرهاب، وأضفَت الشرعيةَ الدَّولية على إجراءات مكافحته. وتبقى الهيئةُ الأممية رمزًا لفهم تطوُّر التفاعلات العالمية في مكافحة الإرهاب على مرِّ السنين، فقد اشتملت على مجموعاتٍ جديدة أوسعَ وأعمق، واهتمَّت بالعقائد المتطرفة والعنيفة، والأفراد أو الجماعات التي تؤمن بالعنف وتتَّخذه منهجًا لتحقيق أهدافها، بدلًا من المسار السِّلمي أو الديمقراطي. ومن ناحية أخرى تكشف القراراتُ الأممية في هذه القضية، عن اختلاف الدُّول الأعضاء في المجلس فيما بينها، ومع الدول الأخرى، ولا سيَّما الدول غير دائمة العضوية، التي قد تعارض بعض قوانينَها. وعلى مرور عقدين ما زالت أعمالُ الإرهاب العالمي هي أكبرَ تهديد للسِّلم والأمن الدَّوليين، وما زال مجلس الأمن يُطوِّر قدُراته لمواجهة التحدِّيات المعاصرة والمستقبليَّة للإرهاب.

محتويات الكتاب
يتكوَّن الكتاب من ستة فصول، ترسُم خريطةً تخصُّصية، وتقدِّم دراسةً مستفيضة عن وسائل معالجة مجلس الأمن لمشكلة التطرُّف، وتطوُّرات حربه على الإرهاب. وتعتمدُ الكاتبة على دراسة تُعنى بفهم الموضوع وتحليله، والتفصيل في جميع القضايا المتعلِّقة بهذا الموضوع، وبالمعرفة التي يُنتجها الصراع، وَفقَ عَلاقة تأسيسية متبادَلة بين جميع الأطراف المعنية، دون إهمال المجالات الأخرى التي تُؤطِّر إنتاجَ المعرفة الخاصَّة بالتطرف والإرهاب وتؤثِّر فيها. 

وتؤكِّد الكاتبة أنَّ الخطاب بشأن الإرهاب هو خطاب مُتشعِّب؛ أي أنه يتداخل مع عددٍ من مجالات الحياة، الاجتماعية والسياسية والقانونية. فعلى سبيل المثال: هناك جماعاتٌ وحركات تَعدُّها بعض الدول جماعاتٍ إرهابية (مثل: الجيش الجمهوري الأيرلندي سابقًا)، في حين تراها دولٌ أخرى جماعاتٍ تحرُّرية، أو حركات مقاومة. 

يقدِّم الفصل الأول فهمًا نظريًّا للخطابات الرسميَّة بشأن الإرهاب، ويبحث في إنشاء الهُويَّات وعَلاقات القوى الفاعلة التي تُؤثر في المجتمع الدَّولي. وهي أساسيَّاتٌ لفهم الخبراء للمجتمع الدَّولي، وتقنين خطابات مكافحة الإرهاب وممارساتها، أو ما تسمِّيه الكاتبة «النظام العالمي لمحاربة الإرهاب»، وتؤكِّد أهميةَ تأصيل المفاهيم والمصطلحات في هذه المعركة؛ لأنَّ هذه القوانينَ أو القراراتِ تُتَّخذ نتيجةً لتفاعلات القوى العُظمى المكوِّنة للمجتمع الدَّولي ومجلس الأمن.

ويتتبَّعُ الفصل الثاني الطرقَ التي تبنَّاها المجتمع الدَّولي في حربه على الإرهاب، والتغييرات العالمية التي تؤثِّر في تصوُّر المجتمع الدَّولي للتهديدات الإرهابية، وتاريخ جهود المجلس في محاربتها. وبسبب هذه العَلاقة التأسيسية المتبادَلة بين ماهيَّة الإرهاب والفهم الرسمي له، وما ينتج عنها من معركة عالمية؛ يصفُ الفصل التكوينَ الطبقي للدول في المجلس، وتوازناتِ القوى في المجتمع الدَّولي، ويوضح الاحتمالات والخيارات الاجتماعية والتاريخية والسياسية للمجلس، وأثر الصراع والخلافات السياسية في تصوُّر الدول للإرهاب، التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على عَلاقات القوة المؤثرة في المجال الدَّولي.

وفي الفصل الثالث تبحث المؤلفة تطوُّرَ الحرب على الإرهاب، التي يقودها مجلسُ الأمن، وظهورَ النظام العالمي الجديد في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتطوُّرَ هذا النظام، ومدى تعاونه في التصدِّي لهذه الظاهرة المدمِّرة، والشروط الضرورية لنجاحه، وتفسيرَ مجلس الأمن لهجَمات 11 سبتمبر 2001م، وتأكيدَه المستمرَّ أنها أزمة أمنية جديدة. وتناقش الكاتبةُ التغييرات التي نشأت عن قوة تأثير هذه الهيئة التابعة للأمم المتحدة. ويتناول الفصل أيضًا العَلاقة بين التهديد الجديد للإرهاب الدَّولي والبناء الرمزي للعُنف السياسي، أي العنف الذي ترتكبه جهاتٌ ناشطة منظَّمة غير حكومية، تعتمد على عقيدة فكرية محدَّدة، وهي لا تقع دومًا في خانة الإرهاب. ويذكر الكتابُ أنَّ هذا النوعَ من العُنف قد ينشأ بسبب عَلاقات القوى العالمية الكبرى التي تُؤثر في المجتمع الدَّولي، والتوازنات الناتجة عنها.

وفي الفصل الرابع تبحث الكاتبةُ المفاهيم الرئيسة للإرهاب، واستقرارَ هذه المفاهيم، والسياسات الرسمية لمجلس الأمن بوصفه ممثلًا للمجتمع الدَّولي، ودراسة الدستور المشترك الذي يحكم الدولَ الأعضاء، والتكوين اللاحق للهيئة الدَّولية لمحاربة للإرهاب. ويتناول الجزء الأول من هذا الفصل المواصفاتِ الخطابيةَ للتهديد الإرهابي، واشتمالَ هذا الخطاب على العُنف، الذي يمكن أن يكون تحدِّيًا للقوى العالمية، والوسائل المناسبة لتفادي تسييس هذه القرارات والقوانين أو شيطنتها. ويتناول الجزء الثاني من الفصل القوى المؤثِّرة في تكوين المجتمع الدَّولي والحيثيات التي أدَّت إلى هذا التكوين. 

أما الفصل الخامس فيصفُ المرحلة الأخيرة من تطوُّر مجلس الأمن، في ظلِّ تحدِّيات القرن الحادي والعشرين، وطريقة معالجته للأزَمات الأمنية الجديدة، ومنها ظهورُ تنظيم داعش الإرهابي في العراق وسوريا، وإعلانه الخلافةَ المزعومة، وتدفُّقُ المقاتلين الأجانب، وانضمامهم إلى التنظيم، والقتال في صفوفه، وأثر الأحداث في تغيير طريقة تفاعل المجلس مع هذه القضايا، والاهتمام بالسياسات والخطط لمنع الإرهاب والتطرُّف في العالم. ويتتبَّعُ الفصل التغييرات المستمرَّة في النظام العالمي، والعواقب السياسية لصياغة ممارسات جديدة لمكافحة الإرهاب، ومنع التطرف والإرهاب، وتحليل عَلاقات القوة المكوِّنة للمجتمع الدَّولي.

ويشرح الفصل السادس الخلافاتِ والصراعات السياسيةَ المحيطة بمفهوم الإرهاب، وكيف أنَّ بعض هذه النضالات موروثة من تطوُّر الفهم المختلف للإرهاب لدى المجتمع الدَّولي، ولا سيَّما تطوُّره بعد أحداث 11 سبتمبر. ويهدِفُ هذا الفصل إلى إظهار الاختلاف في تحديد الإرهاب وفهمه، وإمكانية إنشاء نظام عالمي موحَّد لمحاربته، دون إجماع دَولي على تعريف واضح ومحدَّد لطبيعة هذا التهديد.

ويمكن القول: إنَّ الكتاب يقدِّم فهمًا جديدًا وشاملًا للتهديدات الإرهابية، وكيفية تعامل النظام العالمي مع مكافحة التطرف والإرهاب على المستويين الداخلي والخارجي للدول. وتؤكِّد الكاتبة فيه أهميةَ إضفاء الطابع الأمني على جميع المجالات التي تُعنى بمكافحة الإرهاب. 

القراءات البنيوية للتهديد
يقوم جوهرُ هذا الكتاب على توضيح تطوُّر المعركة الدَّولية التي يقودها مجلسُ الأمن على التنظيمات المتطرفة، وعلى الإرهاب والداعمين له، منذ نحو 20 عامًا، بدءًا من مطلع القرن الحالي حتى عام 2019م. ويتتبَّع الكتاب التطوُّرَ وَفقَ مقاربة زمنية دقيقة، تهتمُّ بإسهام الدُّول الكبرى في المجتمع الدَّولي، التي منحت الشرعيةَ لهيئة مجلس الأمن لمحاربة الإرهاب على نطاق واسع في هذه السنوات، لكنَّها لم تتوصَّل إلى اتفاق تامٍّ بشأن بعض سِماته، مثل: التعريف، والعقوبات، والأولويات، والخطوات، والوسائل. 

منذ أواخر تسعينيات القرن العشرين وبدايات القرن الحالي، اتفق المجتمع الدَّولي على مواجهة عدوٍّ مشترك، لم يكن له هيكلٌ واضح، أو تعريف محدَّد، ولكن كان له اسم فضفاض هو «الإرهاب». ولم يستطع المجتمع الدَّولي آنذاك، وضعَ وصف واضح ودقيق لهذا العدوِّ، أو الاتفاق على سياسة واحدة في محاربته، أو التمييز بين الأعمال الإرهابية التي يجب التصدِّي لها بحزم، والأعمال العَدائية التي لا تدخل في نطاق الإرهاب. لذا يحاول الكتابُ تفكيك فهم مجلس الأمن لهذه الظاهرة، مع الاهتمام بعَلاقات القوى العالمية الفاعلة والمؤثرة في هذا المجال، ثم التمييز بين الإرهاب والقرارات الملزِمة من جهة، وبين مصالح المجتمع الدَّولي الذي يُحارب الإرهابَ من جهة أخرى. وتؤكِّد الكاتبة أنَّ تطوُّر حرب مجلس الأمن العالمية على الإرهاب، واستمرارها وتغيُّرها، تعتمد على عَلاقات القوى العالمية الكبرى الفاعلة والمؤثرة في هذا الشأن. 

ولبيان هذه التطوُّرات، يتبنَّى الكتابُ وجهةَ نظر محدَّدة بشأن الواقع الذي يرتبط عادةً بالتفاهمات البنيوية وما بعد البنيوية لدراسة الإرهاب، إذ تُعرَّف البنيوية بأنها: منهجُ بحث مستخدَم في عدَّة تخصُّصات علمية، يقوم على دراسة العَلاقات المتبادلة بين العناصر الأساسية المكوِّنة لبِنًى يمكن أن تكون عقلية مجرَّدة، أو لغوية، أو اجتماعية، أو ثقافية. فإن البنيوية تصفُ مجموعةَ نظريات مطبَّقة في علوم ومجالات مختلفة، وما يجمع هذه النظريات كلَّها هو تأكيدُها أن العَلاقاتِ البنيويةَ بين المصطلحات تختلف بحسَب اللغة أو الثقافة، وأن هذه العَلاقات البنيوية بين المكوِّنات والاصطلاحات يمكن كشفُها ودراستها. وبهذا تكون البنيويةُ منهجًا ضمن التخصُّصات الأكاديمية، يستكشف العَلاقات الداخلية للعناصر الأساسية في اللغة، أو الأدب، أو الحقول المختلفة للثقافة.

وتُعرَّف البنيوية أيضًا بأنها: نسَقٌ يتألف من عناصرَ مختلفة، من شأن أيِّ تحوُّل في أحد هذه العناصر أن يُحدثَ تحوُّلًا في سائر العناصر، وتُؤطِّر الموضوعات والمفاهيم والأشياء والتصرُّفات التفسيرية اجتماعيًّا وسلوكيًّا. وتسمحُ البنيوية بفحص دراسات الإرهاب على أنها بُنى اجتماعية بُنيت على تصوُّرات الجهات الفاعلة وتفسيراتها وتمثيلاتها للتهديدات التي تواجهها. وتحاول الكاتبُة بيانَ الغموض الذي يحيطُ بدراسة الإرهاب، التي تبدو موضوعية أحيانًا، مع العناية بالجوانب النقدية للأمن والإرهاب في العَلاقات الدَّولية. 

ويهتمُّ العلماء البنيويون في تحليلهم للإرهاب الدَّولي، بالعمليات التاريخية التي تبني المعاييرَ والأفكار والقِيَم، وفهم التصوُّرات بشأن هذه التهديدات. وتشير الكاتبةُ في دراستها لطريقة عمل البنيويين، وكيفية بيانهم مفهوم الأمن، إلى أنهم كشفوا عن طابعه الذاتي وكينونته، تاريخيًّا وسياسيًّا؛ فعلى سبيل المثال: أكَّد الأكاديمي والعالم السياسي الأمريكي «كينيث والتز» أهميةَ البنيوية وأثرها في سلوك الدول، ومحاكاة الاستجابات الأمنية في السياسة الدَّولية، لذا لم تتعامل الكاتبةُ مع موضوع الإرهاب على أنه ظاهرة مستقلَّة؛ بل على أنه نوعٌ من العنف السياسي وَفقَ وسائل الفهم والتفسير، وأنَّ ما تراه بعضُ الدول إرهابًا خطِرًا ينبغي مكافحته والقضاء عليه، قد تراه دولٌ أخرى إجرامًا أو تمردًا سياسيًّا لا يأخذ صفةَ الإرهاب. لهذا، فإنَّ فهمَ الإرهاب يبقى مرتبطًا بأسباب تاريخية واجتماعية وسياسية، ويعتمد على الخطابات والمعرفة التي تُسيَّس في كثيرٍ من الأوقات.

ويعتمد الكتاب على دراسات وقراءات متنوِّعة للإرهاب، مستخلصًا ثلاثَ لَبِنات أساسية لفهم هذه الظاهرة، وهي:
أولًا) البناءُ الخطابي لمكافحة الإرهاب من قِبَل مجلس الأمن والمجتمع الدَّولي. وتُفسِّر الكاتبةُ كيفية تصوير العنف، ومدى تطوُّره في هذه السنوات المتتالية، وأثر السياسات الاستباقية لمحاربة الإرهاب، التي تؤدِّي إلى ظهور ممارسات تُعيد إنتاج الخطابات المتعلِّقة بالإرهاب.
ثانيًا) الممارسات الدَّولية لمكافحة الإرهاب، ولا سيَّما في مجلس الأمن، وإنشاء هيئات رسميَّة، وسنُّ تشريعات رادعة للتعامل مع الإرهاب. ويبحث جزءٌ من الكتاب في الخطابات الرسميَّة للدول، والعقائد الفكرية والممارسات السلوكية التي تُسهم في محاربة هذه الظاهرة.
ثالثًا) هُويَّة المجتمع الدَّولي وحالته في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والشروط التي وُضعَت لتحقيق الاستقرار ومواجهة عُنف الجماعات المتطرفة، ولا سيَّما ما يتعلَّق منها بالعقائد والأفكار. 

التهديدات العامة
من الضروريِّ لمعرفة أهمية هذا الكتاب في العَلاقات الدَّولية، وفي دراسات الأمن الدَّولي، أن تُذكَر بنيةُ القضايا المركزية في العَلاقات الدَّولية في القرن الحادي والعشرين، التي أحدثت مخاوفَ تُشبه المخاوف التي تلت أحداثَ الحربين العالميتين الأولى والثانية، وأعادت الانتباه للأهمية المركزية لقضايا الحرب والسلام. فعلى سبيل المثال: إنَّ الواقع السياسي للحرب الباردة اتخذ الفضاء وسيلةً إلى توازن القُوى في عالم ثنائي القطب آنذاك، واهتمَّت جهودُ الدول الكبرى في ذلك الوقت بالردع النووي، والردود العسكرية، والتحركات الإستراتيجية؛ للحفاظ على التوازن والسِّلم الدَّوليين، وهي العناصرُ التي دفعت أستاذ العلوم السياسية في جامعتي هارفارد وشيكاغو «ستيفن والت» إلى تعريف دراسات الأمن الدَّولي بأنها: «دراسة التهديد العالمي للتوازن الدَّولي واستخدام القوة العسكرية لفرض السِّلم». 

وفي الماضي القريب تبنَّت دراساتُ الأمن الدَّولي، أو العَلاقات الدَّولية، فهمًا موضوعيًّا للأمن والسِّلم، وأصبح مفهوم الأمن يقتصر على غياب تهديدات مباشرة للدولة. ويوضح هذا المفهومُ أمرين؛ الأول: أنَّ موضوع الأمن يبقى مقتصرًا على الدولة ومؤسساتها، وتأكيد أنها دولة ذاتُ سيادة ومسؤولة عن مواطنيها. والآخَر: أنَّ كلَّ التهديدات هي ظواهرُ موجودة، وتختلف عن التفسيرات المنطقية للواقع. وتصف المؤلفةُ هذا التصوُّرَ بأنه موضوعي؛ إذ تُعَدُّ مُكافحة كلِّ تهديد للدولة نتيجةً موضوعية للحالة الوجودية للتهديد. وقد تغيَّرت هذه القراءة في تسعينيات القرن الماضي، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وأخفق الخبراء في توقُّع هذا الانهيار، وفي تأمُّل التحدِّيات الجديدة التي أُثيرت على أنها أسئلة وجودية، وفي ردِّ الفعل على هذه الأزمة، مما أحدث ارتباكًا مؤقتًا في السياسات والعَلاقات الدَّولية.

 أمَّا اليوم فتُفسَّر التحدِّيات الدَّولية الجديدة، والحركات التي تنشط في مجالات شتَّى، مثل: تغيُّر المناخ، أو عدم الاستقرار المالي الدَّولي، على أنها قضايا أمنية جديدة، تتحدَّى المفاهيم العسكرية والإستراتيجية، وتدخل ضمن الاصطلاحات الجديدة للدراسات الإرهابية. وقد سبَّبت هذه الحركاتُ ظهور مفاهيمَ جديدة للعالم. ومن هنا سلَّط بعضُ العلماء من أمثال العالِم السياسي والمؤرخ «باري بوزان» الضوءَ على الطبيعة الذاتية للأمن، مشيرين إلى أنه مفهوم مُتنازَع عليه، ومتعدِّد الجوانب.

ماهيَّة الإرهاب والأمن 
العناصرُ الفكرية هي وسائلُ مهمَّة في بناء المفاهيم المادِّية للواقع. وتؤكِّد الكاتبة أنَّ ظاهرة الإرهاب وفهمنا وتصوُّرنا لها، وأداء الجهات الفاعلة التي تقف وراء هذه الظاهرة أو ضدها يؤثِّر بعضُها في بعض، ولا يسمح بإنتاج تعريف واضح ومتَّفق عليه للإرهاب؛ إذ إن تعاريف الإرهاب والقوانين المرتبطة به تتأثَّر بمصالح الدول ورؤاها وأولويَّاتها وتحالفاتها. 

لذا، فإنَّ الإرهاب لم يُفهم على أنه ظاهرة ثابتة مستقرَّة؛ بل هو بناءٌ وتكوين اجتماعي. وهي تسميةٌ لغوية تُعيد إنتاجَ تفسير محدَّد للعنف على أُسس فكرية، كالإدراك والهُويَّات والعقائد. ولمـَّا كان الفاعلون والمؤثرون مرتبطين بهذه العناصر؛ فإنهم يسهمون على نحو ما في صنع الإرهاب وفي فهمه، ممَّا يؤكِّد أن التعاريف المختلفة للإرهاب تتصل بالمعاني المتنوِّعة المنسوبة إلى العنف العقدي أو السياسي أو الاجتماعي، ويجعل سلوكَ الجهات الفاعلة متحكِّمة في السياسات والخُطط والإستراتيجيات التي تتبنَّاها الدولُ في محاربتها للإرهاب. وأهمُّ من ذلك أنَّ فهمنا يعتمد على التفسيرات السياسية والتاريخية والاجتماعية المحتملة للعنف. وتشدِّد الكاتبة على الأثر الحاسم للغة وللخطابات الرسميَّة في نشوء التهديدات، وبناء العنف بجميع أنواعه، وتحوُّله إلى تهديد وجودي. 

ويُرسي هذا التحوُّل الأسسَ المهمَّة لاتِّباع العلماء البنيويين، وما بعد البنيويين، والنقديين، لفهم الأمن الدَّولي والإرهاب، والبناء الاجتماعي للواقع. وأدَّت هذه القراءاتُ الجديدة إلى تأسيس تخصُّصات أمنيَّة نقدية، ودراسات الإرهاب المعقَّدة (CTS). ويسعى الكتاب في تفكيك الخطابات والممارسات الأمنية من وجهات نظر تجريدية تخصُّصية وسياسية مختلفة. 

دراسات الإرهاب النقدية 
تؤكِّد دراساتُ الإرهاب النقدية أنَّ الإرهاب بناء اجتماعي، وأنَّ عملية تصنيف الظاهرة الإرهابية على هذا النحو؛ تعتمد على بِنيات هرميَّة. ويستنكر علماءُ دراسات الإرهاب المعقَّدة القوةَ الكامنة التي تفرض فهمًا واحدًا للإرهاب؛ يخدِمُ بعض مصالح الدُّول، وهيمنتَها في مجال دراسات الإرهاب، مما يؤدِّي إلى العنف الرمزي تجاه الدُّول النامية، أو غير المؤثِّرة، وعدم المساواة بينها وبين الدُّول الكبرى.

وفي الدراسات النظرية، تُقسَم دراساتُ الأمن في الغالب إلى ثلاثة أقسام، وَفقًا لثلاث مدارسَ رئيسة، هي: «مدرسة كوبنهاغن»، و«مدرسة إبيريستويث»، و«مدرسة باريس». وتستعين الكاتبة في كتابها بكلِّ هذه المدارس، إلا أنها تمنح أهميةً كبيرة لمدرسة كوبنهاغن البنيوية التي يقودها علماءُ كبار، مثل: «باري بوزان»، و«أولي ويفر» أستاذ العَلاقات الدَّولية في قسم العلوم السياسية بجامعة كوبنهاغن. وتتصوَّر الكاتبة وباحثون آخرون أنَّ الأمن هو عملية استطرادية، تتجاوز عالم السياسة والإجرام، توجد في جانب استثنائي تُطلق عليه الكاتبة اسم «الأمْنَنة». وتعرِّف التوثيقَ الأمني بأنه عملية استطرادية، تهتمُّ بظاهرة مُسيَّسة في المجتمع، ممَّا يجعلها تهديدًا وجوديًّا للدولة، والقضيةَ الأولى والأخيرة لأصحاب القرار.

وتؤكِّد الكاتبة أنَّ الأمن هو عمليةٌ ذاتية، تتأثَّر بفهمنا للهُويَّة وللتهديد الذي ينشأ عن بعض الهُويَّات داخل المجتمع أو خارجه، وتُبنى هذه الظاهرة على تصوُّر المجتمع لتهديد مُتخيَّل بسبب هُويته وقيمه وثقافته وتاريخه. لذا، يُعيد المجتمع إنتاجَ تصوُّر الدولة لهذه التهديدات، وتأكيد أنها تهديدٌ لبقائه وشرعيَّته. وعلى هذا يبقى الإرهابيُّ والمجتمع من العناصر الرئيسة في صناعة فهم المواطنين للأمن؛ ففي حين يقوم الأول بالعملية الإرهابية التي تهدِّد أمن المواطنين، فإنَّ الآخَر (المجتمع) يبقى فضاءً سياسيًّا للمواجهة؛ أي موضع قَبول أو رفض للتصوُّر الذي تتبنَّاه الدولة. وبهذا يتكوَّن الفهمُ الجمعي للأمن، وتتحكَّم فيه المؤسساتُ الرسميَّة، مثل: وسائل الإعلام، والجامعات، ومراكز البحوث، والناطقين الرسميين. وبعد أن يتبنَّى المجتمع رؤية الدولة ويقبل تفسيرَها للأحداث، يسهُل فرض سياسات جديدة، وقوانينَ صارمة؛ تحدُّ من حرية الحركة والتعبير، بدعوى محاربة الإرهاب، وأنَّ الهدف الأسمى هو حماية المواطنين. 

إنَّ دراساتِ الإرهاب النقديةَ تستند إلى الدراسات الأمنية النقدية التي تهتمُّ بهذه الظاهرة، وتضع ضمن أهدافها إكمالَ النقص في هذه الدراسات، وربطها بوجهات نظر بنيوية نقدية. ويرى المتخصِّصون في دراسات الإرهاب النقدية أنَّ الإرهاب يجب أن يُفهَم على أنه بناءٌ اجتماعي أو سياسي أو تاريخي طارئ، يُطبَّق على أنواع محدَّدة من العنف، وفق مجموعة من التفسيرات السياسية والقانونية والتخصُّصية المختلفة. 

وتبيِّن الكاتبةُ أنَّ الدراساتِ الحديثةَ في الإرهاب تُفكِّك الخطاب المتعلِّق بهذه الظاهرة؛ بحُجَّة أنَّ وجودها المحدَّد هو جوهر إضفاء الشرعية على تدابير مكافحة الإرهاب، وفرض قوانينَ طارئة وإجراءات صارمة. 

وباتِّباع نهج إعادة الفهم في مدرسة كوبنهاغن، يصرُّ بعض الباحثين على التعامل مع الإرهاب على أنه ممارسات، مع الاهتمام أكثر بــ «العنف السياسي»، وبكلِّ ما له تأثيرٌ مباشر على الأفراد والدول والمناطق والأجناس والأعراق والأديان. وتدعو الكاتبةُ مجلسَ الأمن للاستفادة من مدارس الفكر المختلفة، بما يسمح للجهات الرسميَّة والعلماء بفحص إشكاليات تسمية الإرهاب، والردِّ عليها، وتحديد وسائل الحكم الرسمي، وكيفية التعامل مع الإرهاب دون أن يكون أداةً للتحكُّم في الشعوب.

مجلس الأمن ومكافحة الإرهاب
لا يزال تنظيمُ داعش وتنظيم القاعدة الإرهابيين، والجماعات المنتسبة لهما، تحدِّيًا كبيرًا لكثير من دول العالم، يحتاج إلى تضافر جهود المجتمع الدَّولي لمقاومته ووضع خطوط عريضة متَّفق عليها في محاربته.

وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الأمم المتحدة هي أهمُّ منظمة دَولية تمتلك تمثيلًا عالميًّا، وصلاحيةً دَوليةً لمحاربته؛ لأنها هيئةٌ دَولية وسياسية وقانونية، توفِّر شرعيةً لأعضائها من جميع الدول المعترف بها؛ من أجل بحث القضايا التي تمسُّ الجميع، والتشاور في الحلول المناسبة بشأنها. وقد وُجِّهَت انتقاداتٌ غير قليلة لطريقة إدارة الأمم المتحدة لقضايا مصيرية، مثل: الاحتباس الحراري، والصِّراع في سوريا واليمن. وفي الوثيقة التأسيسية لميثاق الأمم المتحدة، تُعطى المنظمة الدَّولية طابعًا عالميًّا فريدًا؛ من أجل تعزيز السلام والأمن والتنمية في جميع أرجاء العالم. وتتمتَّع هذه المعاهدة الدَّولية بوضع خاصٍّ في القانون الدَّولي؛ يجعلها الأقوى من الناحية القانونية في حالة تعارضها مع القوانين الوطنية أو الإقليميَّة، ممَّا يؤكِّد قوةَ الأمم المتحدة عالميًّا.

وللأمم المتحدة ثلاثة أجهزة رئيسة هي: 
الأمانة العامَّة، والجمعية العامَّة، ومجلس الأمن، والأخير هو الجهازُ المسؤول عن الحفاظ على السِّلم والأمن الدَّوليين، ويمتلك صلاحيات المبادرة في تحديد وجود تهديد للسِّلم والأمن، ويطلب من الدول الأطراف في النزاع تسويته بالطرق السلمية، ويمكن له فرضُ عقوبات، وصولًا إلى الإذن باستخدام القوة؛ لصَون السِّلم والأمن الدَّوليين. 

وترى الدُّول أنَّ مجلس الأمن هو الرقيبُ على الأمن العالمي، ممَّا جعل منه مركزًا لمكافحة الإرهاب في جميع أرجاء العالم. ويتمتَّع مجلسُ الأمن بسُلطة إنشاء لجان جديدة، وإصدار قرارات دَوليَّة مُلزمة، مثل: البيانات والقرارات الرئاسية. وتُعَدُّ البياناتُ الرئاسية إعلاناتٍ رسميَّةً يُصدرها الرئيس نيابةً عن الهيئة كلِّها. وتُعَدُّ القرارات تعبيرًا رسميًّا وقانونيًّا عن رغبة أعضاء مجلس الأمن، وتجري الموافقةُ عليها بالتصويت، وعادةً تكون ذاتَ طبيعة توجيهية، وتصبح هذه القراراتُ التزامات معياريَّة على الدُّول، في حالة وضعها ضمن الفصل السابع من الميثاق الرسمي لمجلس الأمن.

ويمثِّل مجلس الأمن جميعَ الدول الأعضاء التي توافق على قرارات الأمم المتحدة، وتلتزم بتنفيذ قوانينها، ويرأسها أحدُ أعضائها، وهو الذي يُقرِّر القضايا التي توضَع على جدول أعمال المجلس. ويتكوَّن الجهاز من 15 دولة عضوًا، منها خمسُ دول دائمة العضوية، هي: روسيا، والصين، وفرنسا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة. في حين تنتخبُ الجمعية العامَّة عشرةَ أعضاءٍ لمدَّة عامين. ويتمتَّع الأعضاءُ الدائمون بحقِّ النقض (الفيتو)، الذي يُمكِّنهم من وقف تمرير القوانين التي لا تتفقُ مع رؤاهم وسياساتهم ومصالحهم. ويسمح الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بتحديد القضايا التي تهدِّد السِّلم والأمن الدَّوليين، والبتِّ في الإجراءات التي يجب سَنُّها للإحاطة بهذه التهديدات. وإنَّ العضوية في مجلس الأمن لا تعني ضمنًا امتلاكَ سُلطة منح الموافقة على أعمال العنف أو حجبها، أو وقف الإجراءات التي تهدِفُ إلى مواجهة هذه التهديدات. ومن ثَمَّ فإنَّ هذه العضوية تستلزم سُلطة محدَّدة لاتخاذ قرارات مُلزمة باسم دول أخرى، ويسمح المجلسُ بالمشاركة في اجتماعاته، دون إعطاء حقِّ التصويت للدول الأعضاء في حالتين: إذا كانت الدولة طرفًا في نزاع في قيد النظر، أو أنَّ القضية التي نوقشت في الهيئة ذاتُ أهمية خاصَّة.

وقد أثَّرت هذه الحيويةُ في الاجتماعات الخاصَّة بمناقشة قضايا الإرهاب، التي انضمَّ إليها عددٌ كبير من الأعضاء، وكانت عنصرًا مهمًّا في محاربته. ويمكن للهيئة أن تدعوَ الأمين العام إلى اجتماعاتها، أو المقرِّرين الخاصِّين، أو رؤساء لجان محدَّدة، أو الخبراء المختصِّين في قضايا معيَّنة. وعلى سبيل المثال: يوجد 17 عضوًا مهمًّا في سلسلة الاجتماعات الخاصَّة بمكافحة الإرهاب. وقد سمحت هذه المعاييرُ بدعوة مزيدٍ من الجهات الناشطة والمؤثرة، وإتاحة المجال لها للإسهام في مهمَّة تطوير البناء الخطابي للمجلس. وتضمَّنت المشاركةُ الواسعة في هذه الاجتماعات مزيدًا من الشرعية لتنفيذ المعايير الملزمة باسم العمل الجماعي، وهي تُعَدُّ تجسيدًا واضحًا لقبول هذه الدول وشعوبها للقوانين المتعلِّقة بمكافحة الإرهاب.

ولا تقتصر مهامُّ المجلس على المعايير الدَّولية فحسب؛ بل كونها منظمة دَولية تُضفي الشرعيَّة أيضًا على تصرُّفات الدُّول وقراراتها وتحركاتها، وعلى سياسات الأمم المتحدة. ويبدو وجودُ تفاهم فيما يتعلَّق بالبناء المشترك لـفهم الدُّول للإرهاب؛ إذ لم يُستخدَم حقُّ النقض (الفيتو) مُطلقًا في وجه القرارات الخاصَّة بمكافحة الإرهاب؛ بل غالبًا ما يُوافَق عليها بالإجماع. وكثيرًا ما يلجأ المجلسُ إلى فرض قرارات مُلزمة على أعضائه؛ لإضفاء الطابع المؤسَّسي على مكافحة الإرهاب. وإنَّ مجلس الأمن يُقدِّم مثالًا رائعًا لبناء خطاب مكافحة الإرهاب، وممارساته تحت مِظلَّة النظام العالمي. 

ولمجلس الأمن إسهامٌ كبير ورئيس في صياغة فهمٍ دَولي لمعنى الإرهاب، والتحدِّيات المشتركة التي تواجه العالم؛ ممَّا يسمح له بتحديد التوجُّهات والخُطط العالمية، ووضع الأولويات، وتوجيه الدول والجهات الفاعلة الأخرى لمكافحة التطرف والإرهاب على المستوى الدَّولي.

ويعتمد المجلسُ على سياق معياري مُنظم، وقواعدَ محدَّدة لرسم السلوك المقبول للجهات الفاعلة فيه، مما يعني أنَّ المجلس والجهات الفاعلة في عَلاقة متبادَلة ودائمة. ومع أنَّ المجتمع الدَّولي يقرُّ الإجراءاتِ والقواعدَ بمجرَّد التصويت عليها، فتصبح ملزمةً للمجتمع الدَّولي، فإنها قد تقيِّد حركات الدول، وتفرض عليها إجراءاتٍ معيَّنةً في التعامل مع هذه الظاهرة. وتكوِّن هذه الجوانبُ السياق المعياريَّ لمجلس الأمن، وللسياسة العالمية كلِّها؛ مما يؤدِّي إلى تأسيس معانٍ ذاتية مشتركة لأدبيَّات المجلس، ويسمح للدول بتقويم جَودة سلوك الأعضاء الآخَرين.

تضبط هذه القواعدُ عمل جميع الدول الأعضاء، وتسمح بتقويم سلوك الفاعلين الآخرين، وتحدِّد شرعيَّتهم بصفتهم جهاتٍ دَوليةً فاعلة وناشطة، وأعضاءً في مكافحة الإرهاب. مع بعض الاستثناءات؛ (كالغزو الأمريكي للعراق سنة 2003م)؛ فلم تكن الجهاتُ الفاعلة حرةً تمامًا في محاربة الإرهاب خارج القواعد العالمية الراسخة لحقوق الإنسان والقانون الدَّولي، أو القانون الإنساني. وعندما اتخذت خطواتٍ فعليَّة، كان عليها تفسيرُ هذا السلوك ليكون مقبولًا، وكان عليها الاعترافُ بهذه القواعد. 

إنَّ الفهم البنيوي لمنظومة العمل الدَّولية يساعدنا على فهم الجهد الأساسي لمجلس الأمن وللأمم المتحدة في إنتاج الممارسات القانونية وتسويغها، ويبيِّن كيفية تكوينها وإعادة إنتاجها وصياغتها.

خاتمة القراءة
تقرُّ الكاتبة أنَّ هدفها من تأليف هذا الكتاب هو إبرازُ الطابع السياسي لإنشاء مجلس الأمن هيئاتٍ خاصةً تهتمُّ بمحاربة الإرهاب، ومثل ذلك أيضًا الدولُ المشاركة في تأسيس المجتمع الدَّولي، مع إبراز القضايا السياسية الداخلية التي تؤكِّد قوةَ النظام ومرونته، ونجاحَه في التغلُّب على التحدِّيات الداخلية بين الدول الأعضاء، وكيفية تطوُّره، مع الحفاظ على مكانة الدول الكبرى ومصالحها. 

وتطرح الكاتبة توصياتٍ ختاميةً بشأن المحاور الثلاثة الرئيسة لهذا الكتاب على النحو الآتي:
  • أولًا، ضرورةُ توسيع نطاق مكافحة الإرهاب، وأن تكونَ هذه المكافحة ممارساتٍ فعليَّةً على أرض الواقع، تهتمُّ بالتصدِّي للتطرف والإرهاب والعنف، مع الاهتمام بالعواقب التي قد تترتَّب عليها.
  • ثانيًا، أهميةُ تجاوز المجتمع الدَّولي، والقوى العالمية، والدول الدائمة في مجلس الأمن، للخلافات الجانبية، وإنشاء لجانٍ فرعية جادَّة لمكافحة الإرهاب.
  • ثالثًا، ضرورةُ أن يكونَ مجلس الأمن هو الممثِّلَ الرسميَّ الوحيد للمجتمع الدَّولي، والمظلة لعَلاقات القوة الفاعلة في المنظومة الدولية.
وتبقى الفكرةُ العامة للكتاب تقديمَ تصوُّرٍ جديد لعَلاقات القوة التي تُكوِّن هياكلَ مكافحة الإرهاب في المجال الدَّولي.
voice Order

PDF اضغط هنا لتحميل الملف بصيغة

تحميل الملف
voice Order
العدد الثامن والثلاثون
إصدار شهري، يقدم مراجعة علمية للكتب والدراسات المتميزة التي تعالج قضايا الإرهاب
26/06/2022 11:55