تسجيل الدخول
دون حوادث إرهابية في تاريخها الحديث، بروناي واحة آمنة في منطقة مضطربة
تقع سلطنةُ بروناي دار السلام في شمال غربيِّ جزيرة بورنيو في بحر الصين الجنوبي، الواقعة في جنوب شرقيِّ آسيا، تشترك فيها مع ماليزيا وإندونيسيا، وعاصمتُها "بندر سيري بكاوان" وهي مركزُ جميع الخِدْمات الحكومية. والمصدر الرئيسُ للدخل القومي فيها تصديرُ النفط والغاز، مما جعلها دولةً غنية مزدهرة.
آمنة في وسط العاصفة 
تشهد دولُ منطقة جنوب شرقي آسيا تهديداتٍ إرهابيةً كثيرة، وتنشَط فيها كثيرٌ من الجماعات والتنظيمات الإرهابية المحلِّية والعابرة للدولة، مثل: جماعة أنصار الخلافة، وجماعة أنصار الدولة، وهما شبكتان مرتبطتان بتنظيم داعش في إندونيسيا، ونفَّذتا كثيرًا من الهجَمات. وكذلك في ماليزيا التي أحبطت عددًا من الهجَمات الإرهابية، وعطَّلت عددًا من الخلايا الإرهابية. 
إلا أن سلطنة بروناي دار السلام كانت بعيدةً عن كلِّ تلك الأنشطة الإرهابية، حتى إنها لم تدخل في تقارير مؤشِّر الإرهاب العالمي الذي يصدر سنويًّا. وفي الوقت الذي تواجه فيه بعضُ دول تلك المنطقة اضطراباتٍ عِرقيةً ودينية مستمرَّة منذ عقود، بقيت بروناي محافظةً على الاستقرار والأمن والسلام، وهي من الدول المنخفضة الجريمة والعنف؛ سواءٌ العنف السياسي أو الاقتصادي أو الديني أو العِرقي. ولم تشهد بروناي أيَّ نوع من الاضطرابات منذ عقود، ولا يُتوقَّع حدوث أيٍّ منها في المستقبل القريب.
وقد وصفت وِزارةُ الخارجية الأمريكية العاصمة "بندر سيري بكاوان" بأنها موقعٌ آمنٌ منخفض التهديد الإرهابي. 
ولا تعرف سلطنةُ بروناي أيَّ تاريخ حديث للإرهاب، وليس فيها أيُّ منظمات أو جماعات إرهابية محلِّية، ولا يُعرف عن هذا البلد ومواطنيه أيُّ دعم أو تعاطف مع الإرهابيين العابرين للحدود. ولكن يبقى خطرُ الإرهاب العابر للحدود قائمًا، وكذلك الهجَماتُ الإرهابية العَشوائية التي يمكن أن تضربَ في أيِّ مكان وزمان، ولا يمكن إغفالُ هذا النوع من التهديد؛ لأنه يتسرَّب من المناطق الرِّخوة؛ ولا تزال الحكومةُ في بروناي سبَّاقة في مواجهة التهديدات المحتمَلة، ولهذا لم تشهد أيَّ حوادثَ إرهابية.
بروناي في مؤشِّر الإرهاب
يقيس مؤشِّر الإرهاب العالمي الأثرَ المباشر وغيرَ المباشر للإرهاب، ومن ذلك آثاره في الأرواح المفقودة، والإصابات، والأضرار التي تلحقُ بالممتلكات، والآثار النفسية اللاحقة، ويصنِّف الدولَ وَفقًا لتأثير الإرهاب في مقياس من (0) بلا تأثير، إلى (10) أعلى تأثير. 
وبتتبُّع حركة المؤشِّر في سلطنة بروناي دار السلام للأعوام من 2016 إلى 2019م نلاحظ النتائجَ الآتية: لم يرِد ذكرُ بروناي في المؤشِّر في هذه الأعوام، وهذا يعني أن السلطنة من الدول غير المتأثِّرة بالإرهاب، مع أن دولًا أخرى في المنطقة شغلت مراتبَ متقدِّمة ضمن الدول المتأثِّرة بالإرهاب في المؤشِّر، مثل: الفلبِّين 7.137 نقطة ومرتبتها 9، وتايلند 6.029 نقطة ومرتبتها 18، وميانمار 5.521 نقطة ومرتبتها 26، وإندونيسيا 5.07 نقطة ومرتبتها 35، وماليزيا 2.495 نقطة ومرتبتها 74، وفيتنام 0.999 نقطة ومرتبتها 97 على مستوى العالم.
أسُس كبح التطرف 
هناك عواملُ بنيوية وهيكلية في بروناي عزَّزت قدرة الدولة على مواجهة التطرف العنيف والإرهاب، وهي صِمامُ أمان لها، يمكنها كبحُ أثر نداءات الجماعات الإرهابية العابرة، ومن أبرزها:
1. القوانينُ والتشريعات الداخلية
لدى بروناي تشريعاتٌ مدنية وتشريعات إسلامية، تسيران بالتوازي والتكامل، وتعملان جنبًا إلى جنب من أجل حفظ الأمن الداخلي. وهناك وكالتان رئيستان لإنفاذ القانون المدني، هما: قوة الشرطة الملكية (RBPF)، وإدارة الأمن الداخلي (BISD) التي لديها تفويضٌ واسع في معالجة مخاوف الأمن القومي، مثل: الإرهاب، والجريمة المنظَّمة، والتهريب، والتهديدات الداخلية، ومن ثَمَّ فإن التشريعاتِ والقوانينَ والأجهزة الأمنية قادرةٌ على ضبط الوضع الداخلي بطريقة آمنة.
2. التركيبةُ الديموغرافية 
لطالما كانت الاختلافاتُ والنزاعات الطائفية والعِرقية والقبَلية والدينية والطبقية في أيِّ منطقة، مصدرًا للتطرف والعنف والإرهاب، ولا سيَّما حين تكون العَلاقةُ بين مكوِّنات النسيج الداخلي غيرَ متوازنة، ومتضاربة في المصالح، لكنَّ هذه العواملَ هي سبب قوة في سلطنة بروناي، فإن نسيج الدولة الداخلي متجانسٌ إلى حدٍّ كبير.
من جهة الدِّين: أغلب السكَّان من المسلمين، مع أقلِّية من البوذيين والمسيحيين.
ومن جهة العِرق: أغلب السكَّان من عِرق المالاوي، مع أقلِّية صينية، وأقلُّ منها السكَّان الأصليون.  
ومن جهة الثقافة: الثقافة الغالبة المالاوي ذات الطابع الإسلامي المحافظ.
ومن جهة اللغة: اللغة السائدة لغة المالاوي.

3. العواملُ الاقتصادية
تُعدُّ العواملُ الاقتصادية من العوامل الأساسية في انتشار التطرف العنيف والإرهاب، بسبب ما يرافق الانهيارَ الاقتصادي من إحباط عامٍّ وغضب محتدم، ويُلاحَظ أن بروناي تمتلك اقتصادًا قويًّا على مستوى المنطقة والعالم، وقد حقَّقت مركزًا عالميًّا متقدِّمًا في مؤشِّرات الرَّفاه، فعلى سبيل المثال: الناتج المحلِّي الإجمالي للفرد في بروناي مرتفع عالميًّا، ومتوسِّط دخل الفرد يزيد على 76 ألف دولار سنويًّا، ونسبة البطالة منخفضة. 
4. العاملُ الإداري
تجاوزت سلطنة بروناي المشكلات المرتبطة بالإخفاق الإداري والفساد والقمع، وتمكَّنت من تحقيق أداء متقدِّم بحسَب المؤشِّرات العالمية. فقد احتلَّت مركزًا متقدِّمًا بين الدول في مؤشِّر التنمية البشرية، ورقمًا عاليًا في مؤشِّر محو الأمِّية، بحسَب منظمة اليونسكو، وصل إلى ما يزيد على %96، وفي مؤشِّر معدَّل الجرائم حقَّقَت نسبة منخفضة عالميًّا. ومن ناحية الصحَّة والخِدْمات الاجتماعية، تُعَدُّ بروناي دولةَ رفاهية متطوِّرة، يتلقَّى مواطنوها الرعاية الطبِّية الأساسية ورعايةَ طبِّ الأسنان مجَّانًا، في شبكة من المراكز والعيادات الحكومية المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، إضافة إلى زيارة المناطق الريفية النائية بانتظام بواسطة خِدمة الطبيب الطائر الحكومية.  
5. الشراكةُ العالمية في محاربة الإرهاب
شاركت بروناي في عدد من المنظمات الإقليمية والدَّولية، وكانت جزءًا من عدد من برامجها وجلَسات العمل فيها، كالمشاركة في جلسة العمل الإقليمية المتعلِّقة بمكافحة الإرهاب في منطقة جنوب شرقيِّ آسيا، والإسهام في الحَراك العالميِّ المناهض للإرهاب. ومن أهمِّ الشراكات في هذا المجال (رابطةُ دول جنوب شرقي آسيا) المعروفة اختصارًا باسم آسيان – (Asean)،‏ التي انضمَّت بروناي إليها عام 1984م، وهي منظمة تضمُّ عشر دول في تلك المنطقة، ومن أهدافها الأساسية إحلالُ السلام والاستقرار في المنطقة.
ويدعم المنتدى الإقليمي لرابطة أمم جنوب شرقي آسيا (ARF) الذي تُقيمه (آسيان)، الحوارَ والتشاورَ بشأن القضايا السياسية والأمنية، وعلى رأسها الأنشطةُ الإقليمية لمكافحة الإرهاب. 
وتعمل بروناي في ظلِّ هذه الشراكة الإقليمية على تعزيز قدرة وكالات إنفاذ القانون والاستخبارات، وتعزيز التعاون في تبادُل المعلومات الاستخباراتية؛ من أجل التصدِّي للإرهاب والجرائم العابرة للحدود الوطنية، مثل: الاتِّجار غير المشروع بالأسلحة، وتهريب المخدِّرات، وتهريب البشر والبضائع.
وتعزيز التعاون والأطُر القانونية لمحاكمة الإرهابيين وتسليمهم، والتعاون وَفقَ الاتفاقات والمعاهدات الثنائية ومتعدِّدة الأطراف؛ لمنع الهجَمات الإرهابية، واتخاذ إجراءاتٍ تجاه مرتكبي هذه الأعمال.
كلُّ العوامل المذكورة آنفًا والخطط والوسائل المتَّبعة كان لها الأثرُ في بقاء سلطنة بروناي دار السلام بعيدةً عن آثار الإرهاب الإقليمية والعالمية، إلا أن خطر الإرهاب، ومخططات الجماعات الإرهابية، وعملياتها العَشوائية، تحتاج إلى اليقظة الدائمة والمستمرَّة، في محاربة التطرف العنيف وما ينتج عنه من إرهاب.





24/04/2022 10:42