تسجيل الدخول
03/01/2022

​​​​​أدَّى وباءُ كورونا العالمي إلى تعطيل كلِّ جوانب الحياة تقريبًا، وأحدث محنًا اجتماعية واقتصادية هيَّأت ظروفًا مواتية لازدهار خطاب مثير للانقسام. وفي حين حاول المتطرفون العنيفون في إندونيسيا الاستفادةَ من هذه الاضطرابات، تكيَّفت الوكالاتُ الأمنية الحكومية مع العقبات قصيرة المدى على نحو فاعل جدًّا. فقامت منظَّماتُ المجتمع المدني (CSOs)، والجمعياتُ الشعبية المشاركة في مبادرات منع التطرف العنيف ومكافحته (P / CVE)؛ بتعديل أنشطتها، والعناية بتوزيع المساعدات الإنسانية، ونقل هذه البرامج عبر الإنترنت.

عرض إجمالي

إن الحفاظَ على الحماسة والمشاركة بواسطة مؤتمرات (الفيديو) ليس بالأمر السهل، وإلغاءَ الاجتماعات الواقعية (وجهًا لوجه) سيؤدِّي إلى تلاشي المبادرات الهادفة إلى بناء الثقة، التي أصبحت هشَّة في أثناء انتشار وباء كورونا (كوفيد 19). وأحدُ الدروس المتصلة بالوباء هو أهميةُ القيادة المحلِّية الاستباقية والشاملة، التي تنطبق أيضًا على سياسة منع التطرف العنيف ومكافحته. وتشير التطوُّرات الأخيرة إلى تجدُّد حماسة الحكومة الإندونيسية للتعاون مع المجتمع المدني في جهود الوقاية. مع اهتمام الحكومة الكبير بإعادة بناء الثقة من طريق المبادرات التي تقودها محلِّيًّا.

بدأَ زحفُ (كوفيد 19) إلى عناوين الأخبار ببُطء في بداية عام 2020م، وبحلول منتصف مارس أعلنت منظمةُ الصحة العالمية (WHO) تفشِّيَ الجائحة عالميًّا، وأغلقت دولُ العالم حدودها، وأصبح من المستحيل معرفةُ أحوال الكثيرين.

وفي حالةٍ من عدم اليقين العالمي، والضغوط الشديدة على صانعي القرار الحكومي، بدأ المحرِّضون عقديًّا وفكريًّا في استغلال فرصٍ جديدة لتقويض الثقة في السُّلطات الحكومية. وسعى بعضُهم إلى تعميق الصَّدع الاجتماعي، في حين أن الأكثر تطرفًا هدَّد بتجديد العنف الإرهابي. ولم تكن معالجةُ هذه التطوُّرات أمرًا سهلًا على الحكومات التي أرهقَتها تحدِّياتُ الوباء، مع أن الناشطين في المجتمع المدني بذلوا جهودًا كبيرة، غير أن التباعد الاجتماعي عاقَ مساعيَهم. 

يبحث هذا التقريرُ في تأثير جائحة (كوفيد 19) في مكافحة الإرهاب ومنع التطرف العنيف في إندونيسيا، وقد لوحظ أن وكالات الأمن الإندونيسية كيَّفَت عملياتها جيِّدًا مع هذه الظروف الصعبة المتعلِّقة بتدابير الوقاية، فعُلِّقت برامجُ المشاركة الشخصية والمجتمعية المهمَّة، واستُبدل بها برامجُ عبر تطبيقات مؤتمرات الفيديو، وكان نجاحها محدودًا، لكنَّها حملت بصيصَ أمل في المضيِّ قدُمًا. أما منظماتُ المجتمع المدني المشاركةُ في مكافحة التطرف العنيف فتعمل بنشاط على تنظيم مساعدات إنسانية للأفراد، وقد سمح لها ذلك بالحفاظ على الاتصال وبناء النيَّات الحسنة.

وكانت إندونيسيا وضعَت على مدار السنوات العشر الماضية إستراتيجياتٍ لمكافحة الإرهاب ومنع التطرف العنيف، لكنَّ التطوُّرات الأخيرة تشير إلى جهدٍ لافت ومهمٍّ قامت به السُّلطات المحلِّية هناك. ويذكر التقريرُ أن النساء قد تأثَّرنَ بوباء (كوفيد 19) تأثُّرًا واضحًا؛ فإن غالبية العاملين الصحِّيين في الخطوط الأمامية من النساء. وبالنظر إلى أن أعدادًا كبيرة من النساء في إندونيسيا قد انخرطنَ بنشاط قتالي متشدِّد طَوالَ السنوات الخمس الماضية، يجب أخذُ ذلك في الحُسبان عند وضع برامج منع التطرف العنيف ومكافحته، ولا سيَّما في مرحلة التعافي من الجائحة.

يبدأ التقريرُ بتقويم الأساليب التي اعتمدَتها التنظيمات الإرهابية والمتطرفون في أجزاءٍ مختلفة من العالم؛ لتعزيز أهدافهم في أثناء الوباء. ثم ينظر في التأثير الواسع لأزمة كورونا في برامج مكافحة الإرهاب، مع الاهتمام بأنشطة المتطرفين العنيفين في إندونيسيا في هذه المرحلة. ويفحص القسمُ الثاني التعديلاتِ التي أجراها المعنيُّون بمكافحة الإرهاب ومنع التطرف العنيف في إندونيسيا، طَوالَ مراحل الاضطرابات التي سبَّبها الوباءُ، والقيود المرتبطة بها. ويشمل ذلك التحديثاتِ في إنفاذ القانون، والعدالة الجنائية، وأنظمة السُّجون، وتطوير السياسات الحديثة والمستمرَّة، ومساعي إشراك المجتمع. وتُبرز المناقشة الختامية فائدةَ المناهج المتَّبعة، وتُقدِّم دروسًا بنَّاءة في هذه المرحلة الصعبة. 

المنهج المتَّبَع
يستند البحثُ في هذا التقرير إلى اجتماعات استشارية مفصَّلة مع مجموعة من المعنيين (من 25 إلى 30 فردًا)؛ وناشطين من المجتمع المدني (عشر منظمات معنية بمشاريع منع التطرف العنيف ومكافحته، ومسؤولين حكوميين إندونيسيين يمثِّلون الشرطة الوطنية، والمديرية العامَّة للإصلاحيات، ووِزارة الشؤون الدينية، ووكالة حماية الشُّهود والضحايا). وعُقدت أيضًا مناقشاتٌ تشاورية مع خبراءَ وطنيين ودَوليين، منهم ممثِّلون للمنظمات الدَّولية، ولا سيَّما منظمة الصحَّة العالمية، ومكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (UNCHA)، واللجنة الدَّولية للصليب الأحمر (ICRC)، وذلك عبرَ مكالمات الهاتف والفيديو في عام 2020م.

ويستند التقرير أيضًا إلى مصادرَ ثانوية؛ كالتقارير الإعلامية، والمقالات الصَّحَفية، والمواقع الإلكترونية، والوثائق المتاحة للجمهور، التي تحدِّد التشريعاتِ واللوائحَ الصادرة عن الحكومة الإندونيسية. ولم يُهمل التقرير وثائقَ أجهزة الأمم المتحدة وقراراتها، ولا سيَّما إستراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، وخُطَّة عمل الأمين العام للأمم المتحدة لمنع التطرف العنيف.

عدم اليقين
أتاح الوباءُ للمنظمات الإرهابية وداعميها فرصًا، ووضع في طريقها عقَبات أيضًا؛ فقد شُنَّت كثيرٌ من الهجَمات، لكنَّ التطوُّر الإستراتيجي الأهمَّ كان ظهور روايات جديدة لدعاية التجنيد والانقسام المجتمعي. وبهذا المعنى وجَّه تنظيمُ داعش اهتمامه المبكِّر إلى الصين، مدَّعيًا أن تفشِّيَ الوباء فيها كان عقابًا على معاملة الحكومة لشعب الإيغور المسلمين، ثم تطوَّرت الروايةُ مع تطوُّر الوباء، ليدَّعيَ التنظيم أن وباء كورونا كان مظهرًا من مظاهر «عذاب الله الأليم»، ذلك أن الدول الوثنيَّة والكافرة كانت هدفًا أساسيًّا له.

وقام العنصريون البِيضُ والمتطرفون اليمينيون بدسِّ معلومات مضلِّلة، ونظريات المؤامرة، في النقاش العام. وشَمِلَ ذلك إلقاءَ اللوم على مجموعة من عوامل تفشِّي الوباء، من العولمة إلى الجماعات الدينية، حتى البنية التحتية التقنية الناشئة.

ويرى التقريرُ أن الإرهابيين وجدوا الفرصةَ سانحةً للقيام بهجَمات؛ إما لأن الأجهزة الأمنية كانت مشتَّتة، وإما بسبب الضرر المحدَّد الذي ستُلحقه عمليةٌ ما في هذه المرحلة الدقيقة. ففي الولايات المتحدة، اعترى وكالاتِ إنفاذ القانون (Law Enforcement) القلقُ من قيام النازيين الجدُد بنشر الوباء عن قصد بواسطة سوائل الجسم. وفي هذا الصَّدد قُتل متطرفٌ يميني بالرصاص، حين كان يخطِّط لقصف مستشفًى في ولاية ميسوري الأمريكية، وألقت الشرطةُ في ألمانيا وإسبانيا القبضَ على داعشيين مشتبه بهم قبل أن يتمكَّنوا من التصرف، في حين كانت هجَمات السكاكين والمركبات الفردية في المملكة المتحدة وفرنسا مرتبطةً أيضًا بالإرهابيين المتأثِّرين بداعش.

ومع ذلك، فإن المدى الذي طُوِّرت فيه عملياتٌ مباشرة بسبب الوباء، لا يزال غيرَ واضح إلى حدٍّ كبير، مع الوضوح الكبير في نيَّة التحريض على الانقسام عبر الإنترنت. فقد سعى المحرِّضون المتطرفون والقائمون على التجنيد إلى استغلال حالة عدم اليقين المحيطة بالوباء، مع الاستفادة من حالة الحَجْر المنزلي. وعملت بعضُ المنظمات الإرهابية على استغلال الصعوبات الاقتصادية المرتبطة بالوباء؛ من أجل تقويض الثقة في الحكومات الوطنية، التي يكافح كثيرٌ منها للتعامل مع متطلَّبات الاستجابة. ذلك أنه عندما تعجِزُ مؤسسات الدولة عن تقديم الخِدْمات الاجتماعية الكافية، فإن هذا يُتيح فراغًا تقوم الجهاتُ الفاعلة غير الحكومية بمَلْئه، إما بواسطة الحشد المباشر للمساعدة، وإما بجمع التبرُّعات الخيرية وتوزيعها وَفقَ خطة فاعلة. 

وقد قامت جماعاتٌ متشدِّدة بتقديم المساعدة الإنسانية أو الرعاية الصحية في أثناء الوباء، فأثارت الصورُ والمقاطع المصوَّرة لهذه الجماعات المتشدِّدة الانتباه وهي توزِّع الكِمامات والمعقِّمات، لكنَّ هذه الحوادثَ قد تقتصر إلى حدٍّ كبير على فرص إنشاء محتوًى دعائي. ومن المؤكَّد أن المنظمات الإرهابية نفسَها لم تسلم من الاضطرابات والمخاطر الصحية لكورونا، وسيواجه الكثيرون عقَباتٍ كبيرةً أمام أنشطتهم غير المتصلة بالإنترنت على المدى القصير. 

وأظهر التقريرُ أن التفاوت الطبقي والاقتصادي قد يؤدِّي إلى ازدياد أثر الجائحة بين الفئات الأقلِّ حظًّا، ومن المتوقَّع أن تزداد سوءًا في أعقاب الوباء؛ لأن العوامل التي تجعل المرء عُرضةً لجهود التوظيف كثيرةٌ ومتنوِّعة ومعقَّدة؛ ولكن يبدو أن السنوات المقبلة ستُتيح بيئاتٍ خِصبةً لانتشار العقائد المتطرفة وتبنِّيها، ولا سيَّما مع انخفاض الثقة في القادة السياسيين والحُكم. فقد سعى المتشدِّدون والمتطرفون العنيفون إلى استغلال انتفاضات عام 2020م، لكن ليس هناك أدلَّة مقنعة على أنهم حقَّقوا نجاحًا عمليًّا يتجاوز حمَلات الدعاية والمعلومات المضلِّلة.

كورونا والإرهاب
يشير التقريرُ إلى أن القيود المفروضةَ على الحركة سهَّلت إجراءاتِ السيطرة على الإرهابيين، لكنَّها تنطوي على خطرِ إثارة المظالم. وإن استنفادَ موارد الدولة وتحويلها إلى الاستجابة للوباء في جميع أنحاء العالم، جعل المراقبين يتخوَّفون من أن ضمانات الأمن القومي (ومنها أنشطةُ مكافحة الإرهاب) سوف تتضاءل، مما يمهِّد الطريق للمتطرفين للاستفادة من الأوضاع. فقد كُلِّفت الجيوشُ والقِطاعات الأمنية في كثير من الدول السَّهرَ على الصحَّة العامَّة، والحفاظ على مسافة اجتماعية آمنة، مما أثار تساؤلات عن العَلاقات المدنية العسكرية المتطوِّرة في بعض الدول.

أما عملياتُ مكافحة الإرهاب، فإن إجراءات الحَجْر الصحِّي (لكوفيد 19)، ونِقاطَ التفتيش العامَّة قد أتاحت فرصًا فريدة في سياقات محدَّدة للأجهزة الأمنية؛ لمراقبة الأشخاص واستجوابهم، مما قد يؤدِّي إلى إحباط المؤامرات على المدى القصير. وأدَّت قيودُ السفر التي فرضها الوباءُ إلى زيادة صعوبة الحياة للإرهابيين المحتمَلين، وتعقيد خططهم أو تأجيلها أو إعاقتها. ومع ذلك يشعر بعضُهم بالقلق من أن الأساليب القَسْرية المفرطة التي سبَّبَت حدوثَ انتهاكات لحقوق الإنسان في بعض الحالات، قد تُفاقم المظالم المرتبطةَ بالأسباب الجذرية للإرهاب أو محفِّزاته. وبذلك قد يكون للمزايا الأمنية قصيرة المدى عواقبُ مختلفة تمامًا على المدى الطويل. 

ويرى بعضُ المراقبين أن التحدِّياتِ الإضافيةَ التي واجهتها إداراتُ الشرطة في دول مختلفة في أثناء الوباء، ربما فرضت وسائلَ قاسية، يمكن أن تفسد العَلاقات بين الشرطة والمواطنين، ثم تُضعفَ عَلاقات الثقة الحاسمة وقنوات تبادُل المعلومات. ومع اعتماد السُّجون تدابير الطوارئ للحماية من العدوى، أو معالجة تفشِّي المرض بين السُّجناء، عُلِّقَت برامجُ إعادة التأهيل في الغالب.

ولأن التطرف عبر الإنترنت أصبح مدعاةً للقلق في أثناء الوباء، قرَّرت الوكالاتُ والمنظمات زيادةَ ما يسمَّى حمَلات «الرسائل المضادَّة»؛ لأنها الأنسبُ لواقع العمل من المنزل. وتحظى هذه المبادراتُ بشعبية نظرًا لسهولتها النسبية، مع ما لاحظه العلماءُ من ضعف تأثيرها. وإن إيجاد طرق مُجدية لمناشدة أنواع المشاعر نفسها التي يستهدفها المتطرفون بدعايتهم ليس بالأمر السهل.

وفضلًا عن الصعوبات المؤقَّتة لعمليات الإغلاق والتباعد، تواجه برامجُ مكافحة الإرهاب ومنع التطرف العنيف في دول مختلفة خطرَ خفض الميزانية؛ إذ تُحوَّل الموارد إلى مجالات الصحَّة العامَّة، وما يتصل بإجراءات مكافحة الوباء. 

وبعد دراسة استقصائية عن الوباء اشترك فيها خمسون منظمةً غير حكومية، تعمل مع برنامج مكافحة الإرهاب ومنع التطرف العنيف في ثمانية بلدان نامية في أنحاء العالم، اقترح الصندوقُ العالمي للمشاركة المجتمعية والصمود (GCERF) أن تحافظَ المنظماتُ المانحة على مشاركة المجتمع بواسطة المساعدة في مكافحة جائحة كورونا؛ مثل توفير مُعَدَّات الحماية ورفع مستوى الوعي بأفضل ممارسات الصحة العامَّة. وكانت التوصيةُ بأن يبدأ المانحون في الاهتمام أكثرَ على المدى الطويل، ببناء القدُرات بين الجهات الناشطة المحلِّية للعمل على نحو مستقلٍّ ومُستدام، بدلًا من مجرَّد تنفيذ البرامج المـُعدَّة في مكان آخر. وأكثرُ هذه القضايا البارزة عالميًّا تبدو صحيحةً أيضًا عند النظر في وضع إندونيسيا.

المحرِّضون العقائديون
تصاعد التطرفُ العنيف بين المنتسبين إلى المنظمات الإرهابية في إندونيسيا عبر الإنترنت، واستمرَّت الهجَماتُ المميتة التي تستهدف أجهزةَ إنفاذ القانون. ويرتبط ذلك إلى حدٍّ كبير بصعود تنظيم داعش الذي أثار الحماسة في حركة مفكَّكة، وجلب «علامةً تجارية» حصرية من التطرف العنيف. وكان أحدُ التفاصيل الغريبة لهذا الإرهاب الجديد هو جاذبية (النظرية الأُخروية) أو نظرية (نهاية الزمان)، التي كانت جانبًا بارزًا من رواية تنظيم داعش في سوريا، حين اعتقد «المؤمنون» أن معركة نهائيةً ملحمية تُنذر بنهاية العالم!.

عندما تفشَّى وباء (كوفيد 19) على نحو واسع، رأى كثيرٌ من المؤمنين بهذه النظرية أن النهاية قد بدأت، واختاروا البقاءَ في المنزل يترقَّبون، وهذا يعني أن لكوفيد تأثيرًا مخفَّفًا على النشاط الإرهابي بين بعض أقسام الشبكات الموالية لداعش في إندونيسيا. وفي حين أن المشاركةَ الشخصية تراجعت، ازداد النشاطُ عبر الإنترنت ازديادًا كبيرًا، وكانت السِّمة البارزة في الأيام الأولى للوباء هي انتشارُ الاتهامات الموجَّهة إلى الصين وشعبها، مما أحدث ظاهريًّا نوعًا من الاتفاق بين المتطرفين الموالين لداعش وبعض المتشدِّدين في المنظمات الدينية، وبعضُ هذا يشير إلى سكَّان الإيغور في الصين. واهتمَّت الادِّعاءاتُ في إندونيسيا باستيعاب حكومة «جوكوي» رئيسِ وزراء إندونيسيا، للمصالح التجارية الصينية في جاكارتا، ولا سيَّما في مجال التعدين.

انتشرت نظرياتُ المؤامرة في وسائل التواصل الاجتماعي، مع ادِّعاءات بتغلغُل صيني سرِّي في إندونيسيا، ففي شهر رمضان لاحظ محلِّلو وسائل التواصل الاجتماعي في إندونيسيا ارتفاعًا ملحوظًا في استخدام كلمة (الخلافة) على المنصَّات الرئيسة مثل تويتر وإنستغرام. ومع ذلك لم يكن هناك دليلٌ على أن هذا الارتفاع كان مدفوعًا بأفراد أو شبكات إرهابية. وقد اتُّهمت الحكومةُ الإندونيسية بإساءة التعامل مع الوباء، وكثُر الكلام على إتاحة نظام الخلافة رعايةً صحية وتعليمًا ومعلومات عامَّة أفضل مما فعلته الحكومة.

وعلى غِرار المتطرفين اليمينيين في أماكنَ أخرى من العالم، جادل بعضُهم دون أدلَّة داعمة بأن الحكوماتِ الاستبداديةَ كانت تتعامل مع تفشِّي وباء كورونا بحزم أكثرَ جدوى من الإدارات المنتخَبة ديمقراطيًّا. وقد ألقت الشرطةُ الوطنية الإندونيسية القبضَ على عدد من الأشخاص لنشرهم الأكاذيب، مع أن التقارير تشير إلى أن منظماتِ المجتمع المدني كان لها إسهامٌ مهمٌّ، وعلى نحو منهجي، في الكشف عن الأكاذيب عند ظهورها. ومن الأمثلة على ذلك: مقطع مصوَّر يُظهر رجلًا صينيًّا اندسَّ في البلاد عبر مطار جاوة الشرقية، ولكنَّ مدققي الحقائق اكتشفوا لاحقًا أنه كان عاملًا زائرًا يحتجُّ خوفًا من إعادته إلى الصين بعد انتهاء عقده في إندونيسيا. 

وزعم منشورٌ آخرُ في مجموعة على فيسبوك، أن 19 مطارًا إندونيسيًّا صُنِّفت على أنها نِقاطُ عبور سرِّية للمهاجرين الصينيين منذ عام 2014م. وزعم مقطعٌ مصوَّر انتشر على نطاق واسع في غربي سومطرة، أن السكَّان المحلِّيين أشعلوا النار في أصول التعدين الصينية، بعد حفل استقبال رسمي للسيَّاح الصينيين في أثناء تفشِّي وباء (كوفيد 19) في مدينة ووهان.

أيام الوباء
في أغسطس 2020م قبضَت الشرطةُ الإندونيسية على 17 عضوًا في «الجماعة الإسلامية» بتهمة التخطيط لمهاجمة أصحاب المتاجر الصينيين في جاوة الغربية. وقد أدَّى تفشِّي كورونا إلى نشاط «مجاهدي إندونيسيا تيمور MIT». ويُبرز هذا التطوُّر المقلق مرونةَ المجموعة على ما أصابها من انتكاسات كبرى، عندما قامت الشرطةُ والجيش الإندونيسيان بعملية مشتركة شارك فيها أكثرُ من ألفي عنصر؛ لتعقُّب القائد المؤسِّس للمجموعة، الملقَّب بـ «سانتوس». 

وفي أبريل 2020م شنَّت الجماعةُ المسلَّحة موجةً صغيرة من العنف، أسفرت عن إطلاق النار على ضابط شرطة، وقتل فلَّاحين محلِّيين (أحدهما قُطع رأسه)، وقتل مسلَّحين برصاص الشُّرطة. ويعتقد المراقبون والخبراء أن هذه الزيادةَ في النشاط كانت نتيجةً مباشرة لوباء (كوفيد 19).

ويتحدَّث التقريرُ بإيجاز عن «بوسو POSO»، المدينة الصغيرة التي توصَف بأنها «القلب الرمزي» لدعم داعش في إندونيسيا، فبعد أن عانت صراعًا مجتمعيًّا في الماضي اجتذبَ المقاتلين العقائديين من جميع أنحاء البلاد، جذبت هجَماتُ أبريل اهتمامًا كبيرًا عبر الإنترنت. لكنَّ النشاط الإرهابي في إندونيسيا منذ تفشِّي كورونا لم يقتصر على بوسو، ففي يونيو 2020م شنَّ أنصارُ داعش هجومين منفصلين على ضبَّاط الشرطة في كاليمانتان ووسَط جاوة، على التوالي.

وكشفت المشاوراتُ مع مسؤولي الأمن عن القلق المستمر من أن الجهات الإرهابية المرتبطة بداعش في إندونيسيا قد نظرت بالفعل إلى الوباء على أنه فرصةٌ لشنِّ مزيد من الهجَمات، باعتقادها أن الأعداء قد ضعُفوا. ويُذكر أن الإرهابيين ناقشوا إمكانيةَ تسليح «فايروس كورونا» بطريقة ما، ربما بواسطة الأطفال المصابين. ومن المحتمَل أن تكون مثلُ هذه التهديدات غيرَ واقعية ولا عملية، لكنَّها تُظهر على الأقلِّ رغبةً في استغلال الظروف الفريدة للوباء لمتابعة أهداف إرهابية.

الأعمال الخيرية
يرى التقريرُ أن جائحة كورونا (كوفيد 19) أتاحت فرصًا لتمويل المنظمات الإرهابية في إندونيسيا؛ فقد أفاد محلِّلون بإسهام المنظمات والجمعيات الخيرية، في تقويض مبادرات إزالة التطرف وإعادة الإدماج للإرهابيين المدانين. وظهر في السنوات الأخيرة عددٌ كبير من المنظمات الصغيرة التي تسعى إلى القيام بعمل مماثل، بعضُها له صلاتٌ مزعومة بالقاعدة أو بداعش. 

ففي عام 2020م قامت بعضُ المنظمات بتعديل أنشطتها؛ لدعم بعض الأُسَر والمدارس الداخلية المتأثِّرة بالوباء، في حين أن هذا المسعى الخيري قد يساعد حقًّا الأشخاص المحتاجين، ويعمل القيِّمون عليه وَفقَ أهداف تُعارض أهداف الدولة ومنظمات المجتمع المدني الناشطة في منع التطرف بواسطة المشاركة المجتمعية. 

وقد تؤدِّي المصاعبُ الاقتصادية المتمادية إلى زيادة اليأس والشكوى، وهو ما يصبُّ في نهاية المطاف في مصلحة الأهداف الإرهابية. ويرى التقريرُ أن من أكثر الاستجابات جدوى واستدامةً للنشاط الإرهابي المرتبط بالجائحة، زيادةَ الاستثمار في المبادرات المجتمعية المستنيرة محليًّا، التي تعالج الدوافعَ السياقية الكامنة وراء التطرف العنيف.

اللَّقاحات والاضطراب
تشترك اللَّقاحاتُ والتطرف العنيف في تاريخ مضطرب؛ فبعد عملية 2011م التي قُتل فيها أسامة ابن لادن في باكستان، ظهرت مزاعمُ بأن برنامجَ (تطعيم) ملفَّقًا كان متورِّطًا في العملية؛ لتأكيد موقع ابن لادن.

ومنذ أواخر عام 2012م بدأ مسلَّحو باكستان في استهداف المتطوِّعين لمكافحة شلل الأطفال (وكثير منهم من النساء المحلِّيات)، وقُصفَت العيادات أو حُرقت.

في عام 2018م طلبت الحكومةُ الأفغانية من العلماء المسلمين إقناعَ مقاتلي طالبان وداعش بالسَّماح لوَحَدات لَقاح شلل الأطفال بالعمل بحرِّية، ويمكن للزعماء الدينيين المحلِّيين في إندونيسيا أن يُسهموا إسهامًا جادًّا في تهدئة المخاوف، وإقناع الناس بأهمية اللَّقاح.

وقال متحدِّثٌ باسم جماعة طالبان باكستان (TTP)، التي أعلنت مسؤوليَّتَها عن كثير من الحوادث: إنهم سيتوقفون إذا أُقنعوا بأن لَقاحات شلل الأطفال إسلامية، وأن وكالات التجسُّس لا تستخدمها لقتل جنودهم المقاتلين. إن شبكات من التطرف العنيف تنظرُ إلى حملة التطعيم من جُرثومة كورونا على أنها فرصةٌ لإثارة الاضطراب والخلاف.

ويرى التقريرُ أن الهجوم على فريق التطعيم في إندونيسيا ليس بعيدًا من نطاق الاحتمال، ولكن من المرجَّح أن يسعى أنصارُ داعش إلى استغلال «السَّرديات» المضادَّة للَّقاحات بواسطة الشبكات عبر الإنترنت. وتشير المشاعرُ الأخيرة إلى أن زرعَ بذور الشكِّ لن يكون أمرًا صعبًا؛ إذ انتشرت حقًّا شائعاتٌ على وسائل التواصل، عن بنادق «مقياس حرارة» تعمل بالأشعَّة تحت الحمراء، تسبِّب تلفًا في الدماغ على نطاق واسع. وسوف تحتاج حملةُ إطلاق اللَّقاح إلى معلومات واضحة يقدِّمها مبعوثون يحظَون بالثقة في المجتمعات المستهدَفة.

وقد اقتضَت ظروفُ وباء كورونا تدابيرَ خاصَّة في مجال الصحَّة العامَّة، إلا أن الجائحة لم تمنع الشرطة الإندونيسية من التحقيق مع المتطرفين العنيفين المشتبَه بهم واحتجازهم، وكانت أعلنت وَحدةُ مكافحة الإرهاب في يوليو 2020م، أنه أعتُقل قُرابة مئة مشتبَه به في الأشهر الستة الأولى من السنة، مقارنةً بأقلَّ من 300 في الاثني عشر شهرًا من عام 2019م. وذكر إعلانٌ لاحق أنه قُبض على ما لا يقلُّ عن 70 من المشتبَه بهم بالإرهاب، بين الأول من يونيو و12 أغسطس، في حين أسفرت العملياتُ المنتظَمة عن مزيدٍ من الاعتقالات حتى الثلث الأخير من عام 2020م. ولكن ليس من المؤكَّد ما إذا كان الانخفاضُ الطفيف في الأرقام من عام 2019م مرتبطًا بوباء كورونا. 

وسَرعان ما طوَّرت وَحدةُ مكافحة الإرهاب في جنوب شرقيِّ آسيا، إجراءاتِ التشغيل القياسية الخاصَّة بها، للممارسة الآمنة في بيئة (كوفيد 19)، وشَمِلَ ذلك تدابيرَ لضمان حماية الضبَّاط لأنفسهم من المعتقَلين المشتبَه بهم، إضافةً إلى ممارسات أخرى للتخفيف من خطر أن تسهِّلَ عملياتُهم انتشار المرض. 

ومع الزيادة الكبيرة في استخدام الكِمامات (أقنعة الوجه) في الأماكن العامَّة، بات من الصَّعب متابعةُ الأفراد، ولا سيَّما الأهداف الجديدة. وقبل أسبوع واحد من تقديم الحكومة للائحة PSBB الخاصَّة بالقيود الاجتماعية في أواخر مارس، أصدرت المحكمةُ العليا الإندونيسية رسالةً إلى المحاكم الدنيا تحثُّها على إدخال تدابير التباعد عند الحاجة، ومن ذلك العملُ من المنازل. 

وقدَّمت وِزارةُ القانون وحقوق الإنسان، ومكتب المدَّعي العام، والمحكمة العليا، مذكِّرةَ تفاهم في 13 أبريل 2020م، تتناول تنفيذَ المحاكمات الجنائية بواسطة المؤتمرات والاجتماعات من بُعد. وكانت أبرزَ قضية إرهابية في هذه المرحلة قضيةُ اثنين من قادة الجماعة الإسلامية، حُكم عليهما عبر اتصال مرئي في 20 من يوليو؛ بسبب تسهيل سفر مواطنين إندونيسيين إلى سوريا، حيث تدرَّبوا أو قاتلوا مع الجماعات المسلَّحة المرتبطة بالقاعدة.

السُّجون وتأهيلها
بحلول نهاية شهر مارس 2020م اتخذَت السُّلطات المختصَّة في إندونيسيا قرارًا يقضي بالسماح للسُّجناء الذين سيُكملون ما لا يقلُّ عن ثلثي مدَّة عقوبتهم، أي بحلول ديسمبر 2020م، بقضاء مرحلة «الاستيعاب» التالية من عقوبتهم في المنزل. وكان قُرابة خمسين ألف نزيل مؤهَّلين وَفقَ خطة المراقبة المبكِّرة، التي لم تشمَل المجرمين المتطرفين العنيفين.

ولتلبية احتياجات الصحَّة العامَّة لأولئك الذين بقُوا في زنازينهم، وكذلك لضبَّاط الحراسة، أصدرت الإدارة العامَّة للإصلاحيات مبادئَ توجيهية تتعلَّق بعمليات التعقيم، وشجَّعت على زراعة المحاصيل في أراضي السِّجن لتعزيز الأمن الغذائي. ويتحدَّث التقريرُ عن دورات تعليمية تأهيلية تنظِّمها الوكالةُ الوطنية لمكافحة الإرهاب (BNPT) وتستهدِفُ الإرهابيين المـُدانين قبل الإفراج عنهم؛ لـ «إزالة التطرف» لمن هم في نهاية مدَّة عقوبتهم. وكان بُدِئ بهذه الدورات في أوائل عام 2017م، واستوعبَت أربع دُفعات من السُّجناء المدانين بجرائمَ إرهابية، الذين يقضون ما يقرب من 6 إلى 9 أشهر قبل إطلاق سَراحهم. ويبدو أن الدورات التي يُديرها علماءُ نفس من جامعة إندونيسيا هي سِمةٌ بنَّاءة لهذه المبادرة، وقد توقفت الصفوفُ في شهر مارس، لكن أُعيدَ تشغيلها في مايو بواسطة الغرف المرئية، ووَفقًا للخبير الرئيس فقد نجح هذا العمل نجاحًا مدهشًا.

وضمن هذا السياق احتفلت الوكالةُ الوطنية لمكافحة الإرهاب (BNPT) في يوليو 2020م، بالذكرى السنوية العاشرة لتأسيسها؛ لتكون وكالةً تنفيذية، وشهدت الوكالة تغييرًا في القيادة في أثناء الوباء. ففي الأول من مايو أصبح المفوَّض العام «بوي رفلي أمار» خامسَ زعيم للوكالة، ليحلَّ محلَّ المفوَّض العام «سوهاردي أليوس»، الذي شغَل المنصبَ الأول منذ منتصف عام 2016م.

وبعد تنصيبه أعلن «بوي» أن الرئيسَ «جوكوي» أصدر تعليماته له بمواصلة تطوير برامج مكافحة التطرف في الوكالة، وتعزيز التنسيق مع كلٍّ من الحكومة ومنظمات المجتمع المدني. وفي أوائل يناير 2021م أصدرت الحكومةُ لائحةً رئاسية (Perpres 7/2021) تتعلَّق بتطوير خُطَّة العمل الوطنية لإندونيسيا لمكافحة التطرف العنيف. وقد أطلقت (BNPT) كثيرًا من مبادرات الوقاية والتنسيق الجديدة؛ إذ انخرط «بوي» بنشاط مع وسائل الإعلام لتحديد الأولويات والتطوُّرات. ومن الخطط الجديدة الواعدة إنشاءُ مركز المعرفة لجمع المعلومات عن جميع الأنشطة المتعلِّقة بمنع التطرف العنيف الجارية في أنحاء البلاد. 

التنظيم والاتصال
أدَّى الخطابُ المثير للانقسام والتخريب، الذي ظهر في وسائل التواصل الاجتماعي في أثناء جائحة (كوفيد 19)، إلى ازدياد القلق بشأن المواقف عبر الإنترنت في السنوات الأخيرة. فبعد مجموعة كبيرة من التحديثات لتشريعات مكافحة الإرهاب في البلاد في يونيو 2018م، مُرِّرت لائحةٌ بعد 18 شهرًا أوضحت تقريبًا نهجَ الحكومة تجاه التطرف العنيف. وتنصُّ اللائحة الحكومية رقم 77/2019 على أن مبادراتِ مكافحة التطرف يجب أن تنفِّذَها الأطراف المعنية، وأن تنسِّقها (BNPT) بمشاركة الحكومات الإقليمية.

وتقرِّر اللائحة أيضًا أن أولويةَ مكافحة التطرف تتجلَّى في الاتصالات المضادَّة (للعقائد الفكرية) و(الروايات) و(الدعاية)، بواسطة مجموعة من الأحداث الإعلامية والشخصية، مع الاهتمام بالقِيَم الدينية والوطنية. وفي هذا السياق أُنشئ فريقُ عمل من علماء الدِّين، من أكبر منظمتين إسلاميتين هما: (نهضة العلماء) و(المحمَّدية)؛ لمواجهة الخطابات المتطرفة وتفنيد محتوياتها. وتنصُّ اللائحة 77/2019 على نيَّة تدريب النشطاء السيبرانيين المجتمعيين، وتمكينهم من العمل على هذه القضايا. ومن جانب آخرَ تقوم مبادرةٌ مموَّلة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، تسمَّى «هارموني Harmoni»، بتسهيل عمل المنظمات غير الحكومية الإندونيسية الصغيرة، ذات الأفكار الفريدة؛ لتعزيز التماسُك الاجتماعي، كإحياء العُروض الفنية المحلِّية، واستضافة أمسيَّات موسيقية. 

وتشارك منظماتُ المجتمع المدني في مجموعة من مبادرات منع التطرف العنيف في جميع أنحاء إندونيسيا، وتُشرك هذه المبادراتُ الأمَّهاتِ في المجتمعات الريفية، وتضمُّ ضبَّاطَ المراقبة الذين يعملون مع المجرمين السابقين.

لكن بدءًا من أواخر مارس، أُوقفَت جميعُ الاجتماعات الواقعية الحيَّة (وجهًا لوجه)، وانتقلت المناقشاتُ إلى مِنصَّات المؤتمرات التي تُبَثُّ عبر الإنترنت؛ مثل: زوم، وسكايبي، وجوجل هانج أوت. وقال أحدُ المشاركين المقيمين في جاكرتا: كان تنظيمُ الاجتماعات في العالم الحقيقي يستغرق وقتًا طويلًا، ولكن يمكننا الآن تنظيمُ اجتماعات معًا بسرعة عبر الإنترنت، وهو أمرٌ رائع.

ومع ذلك، فإن فوائد التيسير ترافقُها بعضُ المحاذير؛ فعلى سبيل المثال: وصفَ المشاركون صعوبةَ الحفاظ على التواصُل عبر الإنترنت مع السُّجناء السابقين المدانين بجرائم الإرهاب، الذين يُعيدون الآن الاندماج مرَّة أخرى في مجتمعاتهم. فمن الصعب تنميةُ الحماسة بواسطة اجتماعات التوعية عبر الإنترنت.

وتحتلُّ إندونيسيا المرتبةَ الأولى في العالم من حيثُ العملُ الخيري والتطوُّعي، وقد شهد الوباء حمَلات تمويل جماعي لدعم عمَّال الاقتصاد غير الرسمي في جميع أنحاء البلاد. وقد تأثَّرت النساءُ جدًّا؛ إذ هنَّ غالبية العاملين في مجال الرعاية الصحِّية في الخطوط الأمامية، وتحمَّلنَ مسؤولياتٍ وأعباءً إضافية في المنزل. وباتت مجموعاتُ النساء في طليعة العمل الإنساني التطوُّعي، وأسهمنَ إسهامًا بارزًا في تعزيز التماسُك الاجتماعي، فضلًا عن مكافحة التضليل التخريبي والخداع عبر الإنترنت. ويشير التقريرُ إلى تطوُّرات مهمَّة بين المتطرفين في إندونيسيا منذ ظهور تنظيم داعش، منها زيادةُ مشاركة المرأة في جميع جوانب الحركة، من التجنيد إلى شنِّ الهجَمات، على حين لا يزال تمثيلُ النساء في دوائر مكافحة الإرهاب الرسمية ناقصًا. 

الضحايا والناجون
كان لوباء كورونا (كوفيد 19) والضغوط الاقتصادية الناتجة عنه أثرٌ أعمق وأشدُّ في الفئات الضعيفة في المجتمع، ومن هذه الفئات في إندونيسيا ضحايا العنف الإرهابي والناجون منه. وحدَّدت التحديثات التي أُدخلت على تشريعات مكافحة الإرهاب في البلاد في يونيو 2018م، نيَّة الحكومة تقديمَ تعويضات ودعم عاطفي لضحايا التطرف العنيف، ولكن كانت هناك حاجةٌ إلى لائحة تنفيذية لاحقة لتوضيح الإجراءات.

جاء ذلك في أثناء الجائحة في يوليو 2020م، في لائحة (Perturan Pemerintah) ذات الرَّقْم 35/2020، التي وقَّعَها الرئيس «جوكوي» بعد اجتماع مع المعنيِّين. وتسمح اللائحةُ بمطالبات التعويض بأثر رجعي عن الأحداث الإرهابية التي وقعت منذ عام 2002م، وهي مدَّة زمنية تشمل الهجَمات التفجيرية المدمِّرة في بالي، التي أسفرت عن مقتل قرابة مئتي شخص، وإصابة أكثرَ من مئتين آخرين. وكُلِّفت وكالةُ حماية الشهود والضحايا (LPSK) الإشرافَ على عمليات التطبيق وتسهيلها، التي تحدِّدها اللائحةُ بالتفصيل. وفضلًا عن التعويض سيحظى ضحايا الإرهاب بالدعم الطبِّي والنفسي. ويذكر التقريرُ أنه على مدى السنوات الماضية، شارك ضحايا التطرف العنيف في إندونيسيا استباقيًّا في مبادرات إما لإبعاد الناس عن الشبكات الإرهابية، وإما لمنعهم الانضمامَ في المقام الأول.

وأوضحَت الاستجابةُ لوباء كورونا أهميةَ التنسيق بين السُّلطات المركزية والإقليمية والمحلِّية، وتحاول منظماتُ المجتمع المدني الإندونيسي، العاملة في مبادرات منع التطرف العنيف، التعاونَ مباشرةً مع إدارات الحكومة المحلِّية؛ لتوجيه الدعم إلى حيثُ تشتدُّ الحاجة إليه. وبذلك عُزِّزت النيَّات الحسنة وعَلاقات الثقة، التي ستكون ذاتَ قيمة في مواجهة التحدِّيات المستمرَّة والناشئة، ولكن لا تزال هناك عقَباتٌ أمام التنسيق والتعاون. 

وأوضحت بعضُ منظمات المجتمع المدني التي أُجريت مقابلاتٌ معها لأجل هذا التقرير، أنه عندما تتواصل مع المسؤولين الحكوميين الإقليميين (ولا سيَّما المستويات الحكومية الدنيا) مع وجود خطط في متناول اليد لتنفيذ مبادرة مكافحة التطرف العنيف، تُثار مخاوفُ في بعض الأحيان من أن الأطُرَ التنظيمية الحالية غيرُ كافية للسماح باتخاذ إجراءات محلِّية. وغالبًا ما ينظر المسؤولون الإقليميون إلى مكافحة الإرهاب، بل حتى إلى جهود الوقاية أو التخفيف منه التي هي أكثرُ ليونة، بوصفها الاختصاصَ الوحيد لوكالات الأمن القومي في العاصمة.

خاتمة التقرير
قضت جهودُ مكافحة الإرهاب الحازمةُ في إندونيسيا على موجة جديدة من التطرف العنيف أحدثها صعودُ تنظيم داعش في الشرق الأوسط. ووجدت الأجهزةُ الأمنية الإندونيسية طرقًا مفيدة لمواصلة أعمالها في مرحلة انتشار وباء كورونا. وإن وضع إجراءات التشغيل القياسية الخاصَّة، وإرشادات السلامة، مكَّن هذه الأجهزةَ الحيوية من الحفاظ على وظائفها الأساسية، مع مراعاة قيود التباعد الاجتماعي والاحتياطات الصحِّية ذات الصِّلة. وواصلت الشرطةُ اعتقال المشتبَه فيهم بالإرهاب، ونجحت المحاكمُ في مقاضاة الأفراد المتَّهمين بجرائمَ مرتبطة بهم.

وأُقيمت إجراءاتُ المحاكمة الجنائية بواسطة (الفيديو)، وحُكِم على اثنين من قادة الجماعة الإسلامية؛ بتهمة تسهيل سفر مواطنين إندونيسيين إلى سوريا، حيث تدرَّبوا أو قاتلوا مع جماعة مسلَّحة مرتبطة بالقاعدة.

وقد واجهت مبادراتُ المشاركة الواقعية (وجهًا لوجه) التي تسعى إلى منع التورُّط في التطرف العنيف أو العودة إلى الإجرام، عوائقَ شتَّى، ولكن يجب الحفاظُ على محاولات نقل بعض هذه الجهود عبر الإنترنت عندما يعود العالمُ إلى طبيعته. ويُعَدُّ الاستخدامُ الواسع لعقد المؤتمرات عبر الغرف المرئية لفصول إعادة التأهيل في مُنشأة سينتول لإزالة التطرف، مثالًا جيِّدًا على ذلك. غير أن لعقد المؤتمرات عبر (الفيديو) عيوبَها؛ إذ لا تزال التقنيةُ والبنية التحتية اللازمة منتشرةً انتشارًا غيرَ كافٍ للوصول إلى الجميع. وفي دولة تقارب مساحتُها مليوني كيلو متر مربع، وفيها عدَّة آلاف من الجُزر، فإن استخدام تطبيقاتٍ مثل (زوم)، على الأقلِّ بين أولئك الذين يمتلكون الوسائل، يمكن أن يفيدَ التعاون التنظيمي في عدد من المجالات.

وبالنظر إلى ميل الأفراد إلى (الدفع) أو (الانجذاب) نحو التطرف العنيف؛ لأسباب مختلفة، تشمل الظروفَ الهيكلية غير المستقرَّة، وتضاؤلَ الفرص الاجتماعية والاقتصادية، وازديادَ عدم المساواة، وتُتيح بيئةً خِصبةً لازدهار الخطابات المتطرفة. إن الانتعاش الإقصائيَّ الذي يترك فئاتٍ من السكَّان وراء الرَّكْب سيُوجد موطئَ قدم لنموِّ هذا الخطاب المتطرف. وعطفًا على أن  الانتعاش الشامل الذي يُعنى بالإنسان ولا يترك أحدًا وراء الرَّكْب، سيؤدِّي إلى تلاشي الظروف البيئية التي تسمح للخطابات المتطرفة باكتساب قَبول شعبي؛ فإن تدفقَ المساعدات الإنسانية والدعم المجتمعي في جميع أنحاء إندونيسيا في أثناء الوباء يرمز إلى مرونة الأمَّة، ويوحي بأن هذا العدوَّ المشترك عالميًّا ربما يكون قد جمعَ الناس معًا. ويبدو أن الوباء دفع الناس في كل مكان إلى إعادة تقويم ما هو مهمٌّ في حياتهم، ففي حين قد ينتهي الأمر بأقلِّية صغيرة باتِّباع مسارات مُستوحاة من الكراهية نحو نشاط تخريبي، فمن المغري أن نكونَ متفائلين بشأن ظهور المجتمعات أقوى وأكثر قربًا وتماسكًا. ويمكن لنهج الأمن البشَري تجاه منع التطرف العنيف أن يُبنى على هذا الشعور، مما يؤكِّد حصولَ عملية تشاركية تنطلق من الأساس، وتشارك فيها المجتمعاتُ بنشاط في تحديد مشكلاتها، ووضع الحلول المجدية لها.
voice Order

PDF اضغط هنا لتحميل الملف بصيغة

تحميل الملف
voice Order
العدد الثالث والثلاثون
إصدار شهري يقدم قراءة لتقارير دولية حول قضايا الإرهاب
03/01/2022 12:15