تسجيل الدخول
الشبكات التي تقف وراء برامج الأسلحة المرتجلة الخاصة بتنظيم داعش
أظهرت هزيمةُ تنظيم داعش الإرهابي كفاءة التحالف الدَّولي الذي ضمَّ 83 دولة ومنظمة دَولية، ونجاحه في القضاء على دولته المزعومة التي أنشأها في العراق وسوريا. وعلى الرغم من انحساره إلى بقعةٍ جغرافية صغيرة متناثرة لا تتجاوز مساحتُها %1 من مساحة دولته البائدة، إلا أنه تزدادُ المخاوف من عودة نشاط التنظيم الإرهابي، فقد شنَّ أكثرَ من مئة هجوم في شمال شرقيِّ سوريا في شهر يناير 2021م. لكن السؤال المطروح هو كيف استطاع هذا التنظيمُ الإرهابي السيطرة على أراضٍ في العراق وسوريا تزيد مساحتها على ضعف مساحة لبنان، وكيف بنى هياكله العسكرية؟ 

حاولت دراسات عدَّة الإجابةَ عن هذا السؤال من جوانبَ مختلفة، ومنها هذا التقريرُ الدَّولي «الشبكات التي تقف وراء برامج الأسلحة المرتجلة الخاصة بتنظيم داعش» الذي أعدَّته مؤسسة بحوث التسلُّح في أثناء الصراعات

Conflict Armament Research (كار CAR) لمصلحة الاتحاد الأوروبي، والذي يبحث في جوانبَ خفيَّة من برامج تسلُّح داعش التي امتدَّت خطوط إمدادها إلى بلدان مختلفة في الشرق الأوسط وأوروبا، وساعدته على إنشاء دولته المزعومة.

توطئة ممهِّدة
رصدَ هذا التقريرُ مصادرَ تسليح تنظيم داعش الإرهابي بين عامي 2014م و2017م، وكيف أنشأ التنظيمُ إحدى أكثر وَحَدات الإنتاج استخدامًا والمختصة بتصنيع العبوات الناسفة البدائية، إضافةً للأسلحة المرتجَلة (Improvised weapons)، وهي أسلحة تُصنَع من موادَّ متاحةٍ بسهولة، مثل: موادِّ الخُردة، والموادِّ الكيميائية المنزلية الشائعة (المنظفات ونحوها)، والموادِّ المتوافرة في المتاجر التقليدية. 

وقد تمكَّن التنظيم عبر سلاسل التوريد الدَّولية من امتلاك قاعدة إنتاج أسلحة شبه صناعية في الأراضي التي سيطر عليها، حيث سيطرت القوَّاتُ التي قاتلت داعش في هذه المدَّة على أسلحة مرتجَلة وعبُوات ناسفة صُنعت في أوروبا وآسيا.

وسعت التحقيقاتُ الميدانية التي أجرتها مؤسسة (كار) إلى رسم خريطة لسلاسل التوريد الدَّولية تلك، وحدَّدت أكثر من 50 شركة، في أكثر من 20 دولة، تُنتج أو توزِّع البضائع التي استخدمتها قواتُ داعش لاحقًا في صُنع العبوات الناسفة، والطائرات المسيَّرة، وأنظمة الأسلحة المرتجَلة. 

وشَمِلَت هذه الشركاتُ مصنِّعين وموزِّعين للموادِّ الكيميائية المستخدَمة في إنتاج المتفجِّرات أو العوامل الكيميائية، وشركات تنتج العناصر المستخدَمة في صناعة حاويات للعبوات الناسفة المرتجلة، ومنتجي المتفجِّرات من الموادِّ المتاحة تجاريًّا، والشركات التي تصنع منتجاتٍ معقَّدةً مثل: المكوِّنات الإلكترونية التقليدية، وأنظمة الطائرات المسيَّرة الجاهزة للاستعمال والمتوافرة تجاريًّا.

ووثَّقَ المحقِّقون الميدانيون في هذا التقرير أكثر من 40 ألف قطعة سلاح وذخيرة ومكوِّنات العبوات الناسفة التي يمكن تتبُّعها، والتي استُردَّت من تنظيم داعش في العراق وسوريا. ومنذ عام 2019م حاولوا تحديدَ أساليب نقل العناصر الرئيسة لتلك الأسلحة من الموزِّعين الإقليميين إلى منشآت إنتاج الأسلحة التابعة لتنظيم داعش.

وكشف المحقِّقون عن أساليب عمل شبكات الشراء الخاصَّة بتنظيم داعش، وتحديد النمط الذي ظهرت به تلك الشبكات؛ لمساعدة المصنِّعين والموزِّعين ومقدِّمي الخِدْمات على معرفة المؤشِّرات التحذيرية الدالَّة على عمليات التزوُّد المشبوهة، وعمليات تحويل الوجهة المريبة على يد جماعات مماثلة أو تابعة للتنظيم.

وأولى التقريرُ اهتمامًا تفصيليًّا بالطرق التي قدَّم بها المشترون أنفسَهم للمصنِّعين والموزِّعين التجاريين، وطبيعة الاتصالات معهم، وطرق الدفع المستخدَمة، وكيفية نقل البضائع. 

وتناول التقريرُ خمس مجموعات سِلَع رئيسة استخدمها تنظيمُ داعش في صُنع أسلحته ومتفجِّراته:
  • الأسمدة المكوَّنة من النترات، وتُستخدَم في إنتاج المتفجِّرات المصنَّعة يدويًّا.
  • معجون الألمنيوم، ويُستخدَم أيضًا في إنتاج المتفجِّرات المصنَّعة يدويًّا.
  • السوربيتول، ويُستخدَم في إنتاج وَقود الصواريخ.
  • الطائرات المسيَّرة (دون طيار) المتاحة تجاريًّا، التي استخدمها مقاتلو داعش بأعدادٍ كبيرة؛ للمراقبة والاستطلاع والتوجيه الناريِّ غير المباشر، ولتوصيل العبوات الناسفة المرتجلة الصغيرة.
  • العناصر التي اشتُريت لتطوير أو تصنيع طائرات مسيَّرة وتسليحها، ومن ذلك: المحرِّكات، والأنظمة البصرية، والبرمجيَّات الـمُعَدَّة بحسَب الطلب.
مصادر معلومات التقرير
بدأت تحقيقاتُ مؤسسة (كار) الجامعة لمعلومات هذا التقرير بالاقتفاء الرسمي للسِّلَع والمكوِّنات التجارية، سواءٌ التي عثَرت عليها فرقُ التحقيقات الميدانية في مصانع الأسلحة المهجورة لقوَّات تنظيم داعش، أو التي قامت بتوثيقها في إثر اكتشاف العبوات الناسفة، والأسلحة المرتجلة الناتجة عن الحوادث التي استُخدمَت فيها هذه العناصر. 

ولتحديد عمليات النقل اللاحقة لهذه العناصر، أجرت المؤسسةُ مقابلات مع مورِّدين ومشترين في أوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشَّمالية، وحصلت على وثائقِ المبيعات والجمارك والنقل، وفحصَت التوثيق الداخلي لقوَّات داعش نفسها، وراجعت سِجِلَّات المحاكم في الدنمارك وتركيا والولايات المتحدة، وحدَّدت مجموعةً من الشركات والأشخاص من: هونغ كونغ، والمملكة المتحدة، والإمارات، ولبنان، وتركيا.  

ووثقت فرقُ التحقيق الأسلحةَ والذخائر غيرَ المشروعة، والعتادَ المتصل بها في مناطق الصِّراعات، وقامت باقتفاء مصادر توريدها. وفحصت أسلحةَ داعش التي حصلت عليها القواتُ الأمنية الحكومية، والتي سُلِّمت عند وقف المواجهات، وقد وثقَت كلَّ ذلك بالصور، وأثبتت تاريخَ التوثيق ومواقعه، وأضافت بياناتٍ سياقيةً مستمدَّة من المقابلات التي أجراها المحقِّقون مع القوات المسيطرة على تلك العناصر عند تاريخ التوثيق.

واقتفَت المؤسسة جزءًا فقط من العناصر التي وثقتها في الميدان، وهو العتادُ ذو الأهمية الخاصَّة للتحقيقات. ففي حال اقتفاء عددٍ كبير من العناصر ستتحمَّل الحكوماتُ الوطنية والشركات المصنِّعة المعنية عبئًا زائدًا، فضلًا عن أن بعض العناصر الموثقة غيرُ قابلة للاقتفاء، مثل: معظم الذخائر غير المغلَّفة ذات العيارات الصغيرة؛ لأنها لا تحمل أرقامَ التشغيل اللازمة لتحديدها في سِجِلَّات الإنتاج والبيع والتصدير، وأن السِّجِلَّات المتعلِّقةَ بإنتاج كثير من الأسلحة القديمة وبيعها وتصديرها لم تعُد متوافرة.

وعزَّز المحقِّقون الاقتفاء الرسميَّ للأسلحة؛ بتحليل الأدلَّة المادِّية التي جُمعت من الأسلحة والعتاد المتصل بها، وبالحصول على الوثائق الحكومية والتجارية والوثائق الخاصَّة بالنقل وغيرها، ومقابلة الأشخاص الذين لديهم معلوماتٌ بشأن عمليات نقل العتاد الذي هو في قيد التمحيص.

واحتفظت المؤسسةُ بكلِّ الوثائق والملاحظات التي جمعها محقِّقوها؛ من مقابلاتٍ ورسائلَ إلكترونية وتسجيلاتٍ مرئية وصور، وغيرها من البيانات التي حصلوا عليها من أطراف خارجية. وحمايةً لمصادر المؤسسة، فإنها لا تنشُر كلَّ التفاصيل المتعلِّقة بالمصادر أو الظروف التي حصلت فيها على بعض العناصر، فقد أتاحت المصادرُ كلَّ هذه العناصر طوعًا وعن دراية تامَّة بكيفية استخدام المؤسسة لها. ولأغراض تتعلَّق بالخصوصية، فإن المؤسسة لا تشيرُ إلى الأشخاص بأسمائهم إلا في حال تعلُّق الأمر بمسؤولين عامِّين معروفين. 

وقد أشار التقرير إلى أن ورود أسماء بلدان التصنيع، أو الشركات المصنِّعة، أو الأطراف الوسيطة، أو الموزِّعين، أو المستخدِمين النهائيين المقصودين، أو غيرهم من الأشخاص أو الشركات- لا تعني أنهم كانوا متواطئين في تحويل وجهة منتجاتهم إلى إنتاج أسلحة داعش، أو أنهم قاموا بما يخالف القانون، ما لم يُذكَر خلافُ ذلك صراحة. 

معجون الألمنيوم
إن دورةَ إنتاج أسلحة داعش تتطلَّبُ أن يكونَ العاملون في شبكات التوريد المتعاونة قادرين على تنفيذ عمليات شراء متكرِّرة بالتجزئة أو بالجملة، وتشغيل شركات مسجَّلة لاستخدامها واجهةً لعمليات الشراء ودفع المبالغ الكبيرة، ولديها القدرةُ على ترتيب الخِدْمات الداعمة (اللوجستية) المرتبطة بتوصيل البضائع إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة تنظيم داعش، ونقل الأموال بواسطة التحويلات المصرفية. ولذلك استخدم التنظيمُ أشخاصًا وشركاتٍ في الدنمارك، والمملكة المتحدة، وإسبانيا، وسوريا، وتركيا لأداء هذه المهامِّ، وكانوا غالبًا شبكات عائلية. 

وثَّقَت فرقُ التحقيق في مؤسسة (كار) بين عامي 2015م و2017م، أكثرَ من مئة وِعاء من معجون الألمنيوم الورقيِّ صيني الصُّنع، وهي مادَّة تُباع للمصنِّعين لاستخدامها في الدِّهانات الواقية، عثرت عليها في ستة مواقعَ متفرقة لإنتاج المتفجِّرات أنشأتها داعش في وسَط العراق، وقد صَنعَت جميعَ الأوعية شركةُ واحدة. 

وتحمل جميعُ الأوعية ملصَقاتٍ تشير إلى أنها تُباع حصرًا لدى موزِّع موادَّ كيميائية واحد في إسطنبول، وليس هناك ما يشير إلى أن هذا الموزِّعَ كان بأيِّ حال من الأحوال متواطئًا في تزويد داعش بها، أو أنه متورِّط في أيِّ مخالفات أخرى. ولم يسجِّل هذا الموزِّعُ في إسطنبول المبيعاتِ على أساس رَقْم التشغيل أو الدُّفعة قبل عام 2018م، ولذلك لم يتمكَّن من تحديد هُويَّة المشتري في تلك العمليات التي وثقتها المؤسسةُ في العراق. ولكنَّ الموزِّع ذكر أنه عند مراجعة قائمة العملاء الذين اشتَرَوا معجون الألمنيوم الورقي منذ عام 2013م لاحظ عمليةَ بيع واحدة كانت غيرَ اعتيادية، وهي بيع كميَّة كبيرة في أواخر عام 2014م وأوائل 2015م بلغت ستة أطنان من معجون الألمنيوم، كان مصدرَها أحد متاجر تقنية المعلومات. وكانت هذه الكميَّة هي الأولى والوحيدة التي أبرمها المتجرُ مع هذا الموزِّع. وحدَّدت الشركة أعمالها في أنشطة استيراد الهواتف المحمولة وتصديرها، وكانت الشركة مشتريًا غيرَ مُعتاد لكميَّات كبيرة من معجون الألمنيوم الورقي.

وثبت لدى مؤسسة (كار) أنه في يوليو عام 2015م قُبض على مالك الشركة واثنين من إخوته، وأربعة رجال آخرين، بعد أربعة أشهر من مراقبة الشرطة لهم، ووُجِّهت لهم تهمُ الانتماء إلى منظمة إرهابية مسلَّحة، وحيازة موادَّ خطِرة، وتبادلها بطريقة غير مشروعة. ولم تتمكَّن (كار) من تحديد ما إذا كانت هذه التهمُ تتعلَّق بالمعاملات الخاصَّة بمعجون الألمنيوم. وتشير سِجِلَّات المحكمة التركية إلى أن هؤلاءِ الرجالَ السبعة يخضعون لمحاكمة جنائية منذ 10 فبراير 2016م. 

وأكَّد شقيق مالك الشركة لمؤسسة (كار) أنه سُجن وأُطلق سراحه بعد 17 شهرًا، زاعمًا أن ذلك راجع إلى تمكُّنه من تقديم سِجِلَّات بيع وقوائم عملاء تُبرِّئه. وحُلَّت الشركة في 21 من أكتوبر 2019م. وفرضت وِزارةُ الخزانة الأمريكية في 18 نوفمبر 2019م، عقوباتٍ على شخصين يحملان اسمَي مالك الشركة وشقيقه، إضافة إلى شركة على صلة بهما. وزعمت الوِزارةُ أن هذين الشخصين وهذه الشركة زوَّدوا داعش بالمعدَّات في عامي 2015م و2017م، وكانوا بمنزلة وكلاء شراء لمصلحة تنظيم داعش. وتؤكِّد الأدلَّة التي جمعتها مؤسسة (كار) أن هذين الشخصين لم يكونا يُديران الشركة المعنية، وإنما هما رجلٌ وابن أخيه يحملان الاسم نفسَه، ولم تكن لهما عَلاقةٌ بالشركة، ولم تفرض حكومة الولايات المتحدة حتى كتابة هذا التقرير أيَّ عقوبات على الشركة.

وفي ديسمبر 2014م، اشترت شركة «إباكستل إليكترونيكس Ibacstel Electronics Ltd»، إحدى شركات «سيف الحقِّ سوجان» في المملكة المتحدة، محرِّكًا (توربينًا) صغيرًا من مورِّد ألماني للتوربينات والطائرات المسيَّرة المدنية، ودفعت 2400 يورو ثمنًا له، بواسطة تحويل مصرفي من حسابها. كان النشاطُ التجاري للشركة في مجال أنظمة نِقاط البيع الإلكترونية للمطاعم وشركات البيع بالتجزئة، ولم يكن لها أيُّ عَلاقة واضحة بالطائرات المسيَّرة. وثبت لدى المحاكمات الجنائية في الولايات المتحدة وإسبانيا أن «سوجان» كان مرتبطًا بتنظيم داعش. ووَفقًا لمكتب التحقيقات الاتحادي، سافر «سوجان» إلى الرقَّة بسوريا في منتصف عام 2014م، وعمل خبيرًا في تقنيَّة المعلومات والأسلحة لدى تنظيم داعش.

وأفاد سلاحُ الجوِّ الأمريكي أن غارةً جوِّية للتحالف الذي تقودُه الولايات المتحدة قتلت «سيفَ الحقِّ سوجان» في الرقَّة في 10 ديسمبر 2015م، وأُلقيَ القبض على شقيقه في إسبانيا في 22 من سبتمبر 2017م، وأُدين في 27 من أبريل 2020م بتهمة إرسال أموال إلى شخصٍ مُوالٍ لتنظيم داعش في الولايات المتحدة؛ لأغراض التحضير لهجوم إرهابي.

السَّماد لصناعة المتفجِّرات
كشفت تحقيقاتُ مؤسسة (كار) تجمُّعًا عائليًّا ثانيًا متصلًا بسلسلة توريد مادَّة سماد «نترات الأمونيوم» الذي استخدمته قواتُ داعش في العراق؛ لإنتاج متفجِّرات مصنَّعة يدويًّا. وليس لدى المؤسسة أيُّ دليل على أن هذا التجمُّع العائلي، والشركات التي يمتلكها، قد قام عن قصدٍ بإمداد تنظيم داعش، أو كان متواطئًا في تهريب البضائع عبر الحدود التركية السورية، أو متورِّطًا في أيِّ مخالفات أخرى. ومع ذلك، فإن موقع هذا التجمُّع العائلي -وإن كان عن غير قصد- في سلاسل التزويد الخاصَّة بتنظيم داعش، يوضح أهميةَ التجمُّعات العائلية في التجارة عبر الحدود التي استغلَّتها داعش لدعم إنتاجها العسكري.

وأظهرت الصورُ المنشورة على نطاق واسع، التي التُقطَت عند بوابة «أقجة قلعة» الحدودية في 27 من أبريل 2015م، وتحقَّقَت منها (كار) بإجراء مقابلات - أظهرت عمَّالًا محلِّيين ينقلون بضع مئات من أكياس سماد «فيتاغرو Vitagro» الذي يحتوي على نسبة %33 من «نترات الأمونيوم» عالي النترات، من الجانب التركي من الحدود إلى بلدة «تلِّ أبيض» الخاضعة آنذاك لسيطرة داعش على الجانب السوري من الحدود. وشهد الصَّحَفيون عملية النقل هذه، وأجرَوا مقابلاتٍ مع السكَّان المحلِّيين، الذين أكَّدوا أن عملياتِ نقل سماد «نترات الأمونيوم» عبر الحدود كانت تجري منذ عدَّة أشهر. وأخبرت السُّلطات التركية في «شانلي أورفا» الصَّحَفيين أن المواطنين السوريين الذين كانوا عائدين من تركيا إلى سوريا عبر بوابة «أقجة قلعة» الحدودية كان يمكنهم العبورُ حاملين 30 إلى 40 كيسًا من الأسمدة المنخفضة النترات.

وللعلم فإنه يمكن استخدامُ السماد المنخفض النترات في إنتاج المتفجِّرات يدويًّا، بعد قدرٍ كبير من المعالجة. أما السمادُ العالي النترات فهو أسهلُ بكثير في الاستخدام لإنتاج هذه المتفجِّرات، مما يفسِّر حظرَه في عدد من البلدان. وعقب تقاريرَ إعلامية عن نقل السماد العالي النترات عبر الحدود، منعَت السُّلطات المحلِّية في «أقجة قلعة» مرورَ هذه البضائع. غير أن هذه البوابة لم تكن نقطةَ العبور الوحيدة في تركيا التي تستخدمُها شبكات التزوُّد التابعة لقوات تنظيم داعش. فقد حصلت مؤسسة (كار) على صور التُقطَت في أبريل 2015م تُظهر رجالًا مجهولين على ضفاف نهر «البليخ» جنوب الحدود التركية السورية، على بُعد نحو أربعة كيلومترات شرق بوابة «أقجة قلعة» الحدودية، منهمكين في انتشال عبوات غاز، ومنتجات كيميائية متنوِّعة داخل عبوات بلاستيكية، وتشمل هذه المنتجاتُ الكيميائية مادَّة «النيتروسليلوز» ومعجون الألمنيوم الورقي. 

وتوحي الصورُ أنه بينما كان التهريبُ واسع النطاق جاريًا عند بوابة «أقجة قلعة» الحدودية حتى أبريل 2015م، كان المهرِّبون في الوقت نفسه، يستخدمون الممرَّات المائيةَ في المنطقة لنقل الموادِّ المتفجِّرة عبر الحدود التركية السورية. وفي يونيو 2015م نشرت قواتُ داعش صورًا دعائية تزعم أنها لمنشأة إنتاج متفجِّرات مصنَّعة يدويًّا يشغِّلها التنظيم في الفَلُّوجة بالعراق. وتُظهر الصور أكياسًا من سماد «فيتاغرو». 

وقد فرضت تركيا في 10 أكتوبر 2015م، شروطًا إضافيةً على موزِّعي السماد العالي النترات (الذي يحتوي على نسبة %33 أو أكثر من النيتروجين)، شَمِلَت تحديدَ هُويَّة المشتري، مما يفرض على الموزِّعين تقديمَ سجلَّات المبيعات إلى سُلطات المقاطعات والمحافظات بانتظام. وفي أعقاب سلسلة من التفجيرات بواسطة سيَّارات مفخَّخة في تركيا في يونيو 2016م، منعت الحكومةُ التركية البيع المحلِّي للسماد العالي النترات تمامًا.

صناعة طائرات مسيَّرة 
إذا كانت سلاسلُ توريد الموادِّ الكيميائية خطرًا بسبب تحويل الوجهة من قِبَل مورِّدي المنتجات الصناعية الشائعة، فإن جهود تنظيم داعش لتطوير نظُم جديدة للأسلحة المرتجَلة، باتت أيضًا خطرًا لمورِّدي منتجات التقنية العالية والخِدْمات التقنية المتخصِّصة.

وقد اكتسب المتخصِّصون في الأسلحة في التنظيم الإرهابي الخبرةَ، وأنشؤوا النظُمَ والبرامجَ بإشراك المورِّدين دون علمهم، وصنعوا نماذجَ وظيفيةً باستخدام الموادِّ والمكوِّنات التي تزوَّدوا بها جزئيًّا عبر الشبكات. وعلى خلاف ترتيبات الشراء الشخصية والمحلِّية للمجموعات القائمة على العَلاقات العائلية التي أوضحناها فيما سبق، سعى مصمِّمو أسلحة داعش في هذه الحالات إلى استغلال الأسواق العالمية والإلكترونية للحصول على الأجهزة والخبرة.

واستخدم تنظيمُ داعش الطائرات المسيَّرة (دون طيَّار) في العراق وسوريا منذ سنة 2016م، واعتنى بشدَّة بالطائرات المروحية الصغيرة التي تعمل بالطاقة الكهربائية، والمتوافرة في الأسواق التجارية في جميع أنحاء العالم.

والغالبيةُ العظمى من عيِّنة الطائرات المسيَّرة التي وثقتها (كار) في العراق وسوريا هي طائراتٌ رباعية المراوح، صينية الصُّنع، بلغت 28 طائرة حصلت عليها وَحَدات الدفاع والأمن العراقية في عمليات شنَّتها على قوات داعش فيما بين ديسمبر 2016م وسبتمبر 2019م، وقد أدخل التقنيُّون التابعون لتنظيم داعش تعديلاتٍ على بعض هذه الطائرات؛ لتتمكَّنَ من إلقاء أنواع معدَّلة من الذخائر التقليدية، أو العبوات الناسفة المرتجلة على أهداف أرضية.

وعلى النقيض من عمليات شراء الموادِّ الكيميائية الأوَّلية، والمكوِّنات الأخرى التي قام بها عددٌ ضئيل من المشترين بالجملة مباشرة من الموزِّعين الإقليميين، استندت عمليةُ شراء الطائرات الرباعية المراوح إلى عددٍ أكبرَ من المورِّدين، ربما بسبب توافرها على نطاق واسع لدى باعة التجزئة، والكُلفة العالية لكل واحدة منها، مما يجعل المشتريات بالجملة تتطلَّب تحويلاتٍ مصرفيةً كبيرة ورسمية وقابلة للتعقُّب.

وتتبَّعَت مؤسسة (كار) سبعَ طائرات رباعية المراوح، استولت عليها قواتُ تنظيم داعش في العراق، للوصول إلى موزِّعين مستقلِّين في الكويت، ولبنان، وسنغافورة، وتركيا، وأوزبكستان. واقتفَت المؤسسةُ بعض هذه الطائرات للوصول إلى عمليات بيع لاحقة في العراق والإمارات العربية المتحدة، إلا أن كيفية وصولها إلى قوات تنظيم داعش لا تزال غامضة.

في نوفمبر 2015م باع موزِّع لبناني إحدى هذه الطائرات إلى شركة عراقية متخصِّصة في مجال تقنية المعلومات في بغداد، وكانت جزءًا من خمس شِحنات تضمُّ 21 طائرةً مسيَّرة، بين أغسطس 2015م ومارس 2016م. وفي الشهر نفسه فرضت وِزارةُ الخزانة الأمريكية عقوباتٍ على الشركة اللبنانية ورئيسها التنفيذي، بدعوى أن الشركة عملت بصفة (وكيل مشتريات لحزب الله)، واشترت طائراتٍ مسيَّرةً وملحقاتها ومعدَّات إلكترونية متنوِّعة من شركات في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا والشرق الأوسط.

وتلقَّى موزِّع في سنغافورة طائرتين مسيَّرتين جرى توثيقُهما في العراق، وباع طائرةً منهما في أغسطس 2016م، في عملية بيع 150 طائرة رباعية المراوح لشركة مبيعات أبلغت مؤسسةَ (كار) أنها باعت جميعَ الطائرات المسيَّرة الرباعية المراوح لعملاء التجزئة الذين يدفعون نقدًا عبر متجر إلكتروني، ولم تحتفظ بسجِلَّات العملاء الذين اشترَوا هذه الطائرات، أو الأرقام التسلسلية للطائرات. وزعم الموزِّع أنه كان يبيع نحو 100 طائرة رباعية المراوح شهريًّا لهذه الشركة، في ذروة الطلب أواخر 2015م و2016م، وأن حجم المعاملات هذا انخفض بعد ذلك. 

وتجدُر الإشارة هنا إلى أن الشركة الصينية المصنِّعة لهذه الطائرات أدرجَتها في وثائق الشحن على أنها كاميرات رَقْميَّة، وهذا ما جعل تتبُّعَ الشِّحنات الدَّولية لهذه الطائرات بواسطة البيانات الجمركية أمرًا أكثر صعوبة. 

وسعى تقنيُّو تنظيم داعش أيضًا منذ عام 2015م، إلى تطوير طائرات مسيَّرة أكبر وأسرع تعمل بمحرِّك نفَّاث نبضي، وهو نوع من المحرِّكات التي طُوِّرت في الأصل من أجل صواريخ كروزV1 على طريقة (القنبلة المحلِّقة) في حِقبة الحرب العالمية الثانية، ولم تعُد تُستعمَل في الطائرات الكبيرة منذ خمسينيَّات القرن الماضي، بعد التقدُّم السريع الذي عرفته تصاميمُ المحرِّك النفَّاث التوربيني. 

وفي أغسطس 2015م، قام شخصٌ من شركة تقنية بشراء تصاميمَ خاصَّة بمحرِّك نفَّاث نبضي أكبر حجمًا، مزوَّدٍ بصِمامٍ ذي قوة دفع تصل إلى نحو 222 نيوتن (50 رطلًا) من شركة أمريكية تُعنى بالهواة المتقدِّمين، اشتراها إلكترونيًّا، وبعث رسالةً بالبريد الإلكتروني لصاحب الشركة للاستفسار عمَّا إذا كان يمكن استخدامُ المحرِّك لتشغيل طائرة يبلغ وزنها 40 كلغ. 

وفي أثناء احتلال الموصِل، استخدمت قواتُ داعش مجمَّعَ مستشفى الشفاء في غربيِّ الموصِل لتخزين الأسلحة والذخيرة، وإنتاج العبوات الناسفة المرتجلة المحمولة جوًّا، وفي سبتمبر 2017م عُثر على محرِّك نبضي طوله أكثرُ من مترين في عملية إزالة ذخائرَ وعبوات ناسفة غير منفجرة في المجمَّع. وتشير المحرِّكات النفَّاثة النبضية التي عُثر عليها هناك إلى أنه إضافةً إلى التصاميم التي اشتراها مسؤول شركة التقنية، اكتسب مصمِّمو الطائرات المسيَّرة في داعش خبرةً في المحرِّكات النفَّاثة من مصادرَ أخرى لم تُحدَّد. فتصميمُ المحرِّك النفَّاث النبضي الذي وجدوه في الموصِل يختلف عن التصاميم المذكورة سابقًا. وتتوافر تصاميمُ الطائرات ذات المحرِّك النفَّاث النبضي لدى مصادرَ مختلفة على شبكة الإنترنت، فضلًا عن مورِّدين متخصِّصين في الولايات المتحدة وأوروبا.

وأظهرت ملاحظاتٌ مَيدانية أخرى جهودَ قوات تنظيم داعش الإرهابي في صُنع طائراتٍ مسيَّرة أكبر حجمًا من تلك المتاحة في الأسواق التجارية، التي كان استعمالها سائدًا في عملياتها في سوريا والعراق. ووثَّق الباحثون الميدانيون في مؤسسة (كار) مجموعةً من مكوِّنات طائرة مسيَّرة في مصانع داعش في الموصِل والرمادي.

تطوير أنظمة مضادَّة للطائرات
أكَّدت تحقيقاتُ المؤسسة أنه في سنة 2015م، سعى مطوِّرو الأسلحة في داعش إلى تصميم نظام تتبُّع جوِّي بصري، ليكون أساسًا لمنظومة آلية مضادَّة للطائرات. وفي العام نفسه أبرمت شركةٌ وهمية مسجَّلة في المملكة المتحدة، أنشأها مصمِّم أسلحة لدى تنظيم داعش، عقودًا مع مورِّدين في أمريكا الشَّمالية وآسيا في مجال البرمجيات وأجهزة الرؤية الآلية، مثل: الكاميرات العالية المواصفات ووَحَدات التحكُّم في الحركة، بغرض وهمي هو تطويرُ نظام بصري لاكتشاف الأجسام الطائرة، مثل: بالونات الأرصاد الجوية، وتسجيل مواقعها، وَفقَ ادِّعاء الشركة الوارد في أحد العقود، ووسَّعت الشركة هذا الغرض الظاهري ليشملَ مراقبة المجال الجوِّي للأراضي الزراعية؛ لرصد رشِّ المحاصيل على سبيل المثال. 

وكان الهدفَ الحقيقي هو استخدامُ كاميرات مثبَّتة على مِنصَّات متحركة، وعندما يحدِّد النظام عنصرًا طائرًا، فإن جميع الكاميرات في النظام تقوم بتحديد هذا العنصر وتتعقَّبه، باستخدام وَحَدات متينة للتحكُّم في الحركة في جميع الاتجاهات. وكان ممثِّلو الشركة الوهمية حريصين على إخفاء هُويَّاتهم وإخفاء أيِّ نية عسكرية لاستخدام النظام، فتواصلُهم مع المتعاقدين والمورِّدين كان يجري فقط عبر البريد الإلكتروني ومواقعَ تابعةٍ لطرف ثالث، وكذلك المكالماتُ أو المحادثات بواسطة تقنيَّة الصوت عبر اتفاقيات الإنترنت.

واستخدمت الشركةُ ثلاثة عناوين إلكترونية بأسماءٍ مستعارة، ودفعت للمورِّدين عبر شركات تحويل العملات بواسطة شخصٍ في هونغ كونغ لم تتمكَّن مؤسسة (كار) من تحديد هُويَّته. وفي إحدى المرَّات اضطُرَّت الشركة إلى دفع مبلغ 18 ألف دولار أمريكي لمورِّد أجهزة في أمريكا الشَّمالية عبر تحويل مصرفي مباشر؛ لأن طرق التحويل الأخرى، مثل: التحويلات النقدية أو (باي بال)، تتطلَّب التحقُّقَ من هُويَّة المرسِل في حال كان المبلغ كبيرًا. وأبلغ ممثِّل الشركة أن التحويل المصرفي سيكون عبر إحدى شركاتهم في المملكة المتحدة أو هونغ كونغ، لكنَّ المورِّد تلقَّى دُفعةً من حسابٍ مصرفي تركي لشركة غير ذات صلة في إسطنبول، لمواطن تركي سجَّلها قبل خمسة أشهر في يناير 2015م، كشركة تأجير سيارات فاخرة. ولم تصِل مؤسسة (كار) إلى أيِّ دليل على أن هذه الشركةَ أو مالكها كانا على علم بتورُّط وكلاء تنظيم داعش في هذه المعاملة، أو أنهما تورَّطا في أيِّ مخالفات. 

وعلى الرغم من أن هذا المثالَ يبيِّن الطموح التقني والبُعد العالمي لجهود تطوير أسلحة تنظيم داعش، لم تصِل (كار) إلى دليل قطعي على أن النظام قد اكتمل، فبعضُ المورِّدين أنهَوا عقودهم قبل الأوان، بعد أن ساورتهم شكوكٌ بخصوص هُويَّة الشركة الوهمية ونيَّاتها.

خُلاصة التقرير 
تضمَّنت سلاسلُ التوريد العابرةُ للحدود المتوجِّهة إلى المناطق السورية الخارجة عن سيطرة الحكومة، ومنها: تلك التي شَمِلَت الموادَّ الكيميائية الأوَّلية المتفجِّرة، والمكوِّنات الإلكترونية التي استخدمتها قواتُ داعش - تضمَّنت الشراء المركزي والتسلُّم والتحويل اللاحق لسِلَع مختلفة من قِبل الشبكات العائلية على طول الحدود التركية السورية. وأظهرت طلباتُ المنتجات والمدفوعات كثيرًا من الأنماط غير المألوفة، نظرًا للطريقة التي قدَّم بها العملاءُ أنفسهم، والطرق التي استخدموها للدفع مقابل المنتجات والخِدْمات.

وأوضحت جهودُ تنظيم داعش للحصول على التقنية والخبرة؛ لتطوير نظُم أسلحة جديدة وطموحة، أنماطًا تتضمَّن (مؤشِّرات تحذيرية) تبيِّن نشاطًا غير مشروع في حدِّ ذاته. ومع ذلك فإنها تشيرُ مجتمعةً إلى أن الأفرادَ والشركاتِ ربما يعملون خارج نطاق عملهم المعتاد، فهم ربما يتعاونون لأغراض أخرى، غير تلك المرتبطة بأعمالهم التجارية الظاهرة للعموم. وليس هناك ما يؤكِّد أن هذه الأغراضَ كانت شائنة، ومع ذلك تستدعي هذه المعاملاتُ مزيدًا من الحرص الواجب.

وقد عملت مجموعاتٌ صغيرة من الأفراد والشركات التي تربطهم عَلاقاتٌ عائلية، في نقل البضائع ضمن سلاسل توريد مختلفة تمكَّن تنظيمُ داعش الإرهابي من الوصول إليها واستغلالها. وهؤلاء المشترون والجهاتُ المرسَل إليها لم يكونوا ظاهرين ظهورًا كاملًا للمنتجين والمورِّدين الدَّوليين لهذه السِّلَع. ففي معظم الحالات لم يكونوا ظاهرين إلا للموزِّعين الوطنيين أو الإقليميين، أي في موقع أدنى بدرجةٍ ضمن درجات سلسلة التوريد. وعلى هذا، حتى لو تبادل المنتجون أو المورِّدون الرئيسون المعلومات على مستوى العالم عن المشترَيات المشبوهة، فربما ما كانوا لينجحوا في تحديد هُويَّة هذه التجمُّعات العائلية وصِلاتها.

وقد تجنَّب التقريرُ إلقاء اللوم على المصنِّعين أو الموزِّعين؛ إذ لم تكن أيٌّ من المؤشِّرات التحذيرية تكشف على نحو قاطع عمليات تزوُّد غير مشروعة، أو مرتبطة بأنشطة عسكرية، لكنَّ هذه المؤشِّرات في نمطها التراكمي كفيلةٌ بالتنبيه على ضرورة اتخاذ المورِّدين تدابيرَ إضافيةً من العناية الواجبة.

وتشير الأمثلةُ المبيَّنة في هذا التقرير إلى أن الجهاتِ المشتريةَ التابعة لتنظيم داعش الإرهابي لم تعتمد على الشبكات الشخصية المحلِّية فحسب؛ بل استخدمت مِنصَّاتٍ تجاريةً عالمية للتجارة الإلكترونية والتوظيف. وفي الوقت الذي قد تكون فيه الثقةُ الشخصية مهمَّة للنوع الأول، فإن قوات تنظيم داعش استغلَّت إخفاء الهُويَّة النسبيَّ الذي يتميَّز به النوع الثاني. وسدَّد المشترون التابعون للتنظيم المدفوعات بمبالغَ صغيرة عبر نظام تحويل (باي بال)، أو عمليات التحويل الدَّولية بالدفع نقدًا، واستخدموا عناوينَ البريد الإلكتروني وتطبيقات المراسلة بأسماءٍ مستعارة للتواصُل مع المورِّدين والمتعاقدين المحتملين، الذين ربما اعتادوا العملَ مع العملاء الدَّوليين، والاعتماد على البريد الإلكتروني، وتطبيقات المراسلة أسُسًا للتواصل. 

ولا تتحقَّق بعضُ مِنصَّات التعاقد عبر الإنترنت من صحَّة بيانات المشترين أو البائعين، فقد كان المشترون التابعون لتنظيم داعش قادرين على التعامل مع المورِّدين باستخدام شركة وهمية مسجَّلة بأسماء مديرين ومُسهمين وهميين، ولم يُتحقَّق من هُويَّاتهم في سجلِّ الشركات في المملكة المتحدة. وفضلًا عن العناية والحرص الواجبين اللذَين يجب على القطاع الخاصِّ التحلِّي بهما، قد يكون في مقدرة مصالح الجمارك ودوائر التجارة الحكومية اكتشافُ الحالات الشاذَّة في العمليات التجارية العابرة للحدود من النوع المبيَّن في هذا التقرير، المتعلِّقة بسِلَع مثل: معجون الألمنيوم أو السوربيتول، ولا سيَّما إذا ارتفعت صادرات أو واردات عدَّة أنواع من الموادِّ الكيميائية الأوَّلية ارتفاعًا لافتًا في وقت واحد.

ومن المهمِّ الإشارةُ إلى أن سلاسل التوريد المبيَّنة في هذا التقرير لم تكن تعتمدُ على السيطرة على المناطق، أو الاستيلاء على السِّلع أو المنشآت التجارية؛ لذلك ومع أن قوات تنظيم داعش لم تعُد تسيطر على الأراضي، أصبحت خلاياها المتبقِّية في العراق وسوريا أكثرَ نشاطًا، وإن رصد المؤشِّرات التحذيرية للمعاملات التجارية لتعطيل جهود تسلُّح التنظيم الإرهابي، سيظلُّ أداةً مهمة لمناهضة عودة ظهوره أو ظهور خلفائه.​​
30/05/2022 09:12