تسجيل الدخول
"ثريَّا محمد الهادي" معركة الوعي في مواجهة تنظيم داعش

حرَص تنظيمُ داعش الإرهابي منذ وَطِئَت قدماه مدينة الرَّقَّة السورية عام 2014م، على بثِّ الخوف والرعب في نفوس الأهالي، والتنكيل بكلِّ من يرفض الخضوعَ له، والامتثالَ لأوامره. وكانت المرأةُ السورية أكثرَ معاناةً تحت وطأة هذا التنظيم؛ إذ انتُهِكت حقوقها؛ فحُرمَت من التعليم، وتعرَّضت للإهانة والبيع والاغتصاب الجنسي والزواج قسرًا وقهرًا. وعُني التنظيم باستهداف النساء بصفة خاصَّة؛ استقطابًا وتجنيدًا، وإقناعهنَّ بعقيدته الفكرية المنحرفة. 

وفي تلك الأوضاع المأساوية، برزت المعلِّمة السورية ثريَّا محمد الهادي، التي تعيش في مدينة الرَّقَّة، حين قرَّرت ألا تستسلمَ لبطش التنظيم وقهره، وأن يكون لها إسهامٌ إيجابيٌّ في معركة التنوير والتبصير؛ في مواجهة أفكار داعش المشوَّهة والظلامية، مع حرصها على بناء مناعة فكرية متينة حيالَ الرسائل المتطرفة العنيفة، وتعزيز حسٍّ إيجابيٍّ من الهُويَّة والانتماء، مستغلَّةً مهنتها السامية في مَيدان التعليم، في إيصال رسالتها، والنهوض بمهمَّتها.

ومع ارتفاع وتيرة الجرائم الإرهابية، واستهداف المدارس والتضييق على الفتيات في التعليم، بدأت ثريَّا الهادي في التردُّد إلى بيوت الأهالي سرًّا؛ تناشِدُ الآباء والأمَّهات الموافقةَ على تعليم بناتهنَّ، وتبصيرهنَّ بالواقع حتى لا يقعنَ صرعى طموحات تنظيم داعش الإرهابي التخريبية. وعلى الرغم من وطأة الصُّعوبات التي واجهتها؛ استطاعت أن تكسِبَ ثقة الأهالي، وأن تجمعَ عددًا من النساء والفتيات، تعقد لهنَّ دوراتٍ تعليمية وإرشادية خاصَّة، ومع مرور الوقت ارتفعت أعدادُ الدَّارِسات شيئًا فشيئًا، وازداد الإقبالُ على هذه الدورات. 

لكنَّ التنظيم سَرعانَ ما اكتشف أنشطتها، بعدما أحكمَ قبضته على مدينة الرقة؛ فاضطُرَّت إلى الفِرار إلى ريف حلب الشَّمالي عام 2017م، وهناك واصلت مهمَّتها في تعليم النازحات واللاجئات وبناتهنَّ، وزاد عددُ الدارسات لديها على 450 امرأة.

ومن المشكلات التي واجهتها في معركة الوعي، زيادةُ معدَّلات الفقر، والظروف المعيشية الصعبة في المخيَّمات، ومحاولات التهميش التي تواجهها المرأة، ممَّا يجعلها فريسةً سهلة لذئاب التطرف. لذا اتجهت ثريَّا إلى تعليم النساء بعضَ المهن اليدوية الحرَّة التي تساعدُهنَّ في الاعتماد على أنفسهنَّ؛ لتحقيق الاكتفاء الذاتي والاستقلال المالي، ولتربية أبنائهنَّ التربية الرشيدة، وتعزيز دورهنَّ في المجتمع. ومن تلك المِهَن: الخياطة والتطريز، والأشغال اليدوية، والإسعافات الأولية. 

 وقد لاقت أنشطةُ ثريَّا قَبولًا وانتشارًا واسعًا؛ شجَّع بعضَ المسؤولين والنشطاء على التعاون معها ومدِّ يد المعونة لها، فأسَّسَت (معهد التعليم الشعبي) الذي وسَّعت فيه نطاقَ نشاطاتها، فتضمَّن فصولًا لمحو الأمِّية، وتعليم تِقنيَّات الحاسوب، وفنون الخياطة والحياكة. ثم أنشأت (معهد طموح امرأة) في بلدة الزيادية، و(مركز سحابة وطن) وهو منظَّمة ترفضُ العنف والتصرُّفات الشائنة تجاه المرأة وحقوقها. 

ونشِطَت ثريَّا أيضًا في المشاركة في كثير من البرامج والندَوات التي تُبرز معاناة المرأة السورية، وتكشف الانتهاكات البشعة التي تتعرَّض لها في ظلِّ تنظيم داعش الإرهابي، فضلًا عن معاناتها بسبب الحرب والقصف والتهجير.

أمَّا سببُ اهتمامها بالمرأة، فتؤكِّد ثريَّا أنها تعرفُ مقدار التحدِّيات والصعوبات التي تواجهها المرأة السورية، بسبب طمس داعش لهُويَّتها، وتغييب أثرها في المجتمع، ومعاملتها وكأنها سِلعة رخيصة تُباع وتُشترى. لذلك أخذت على نفسها عهدًا أن تبذلَ الجهد في رفع الظلم عنها، وتحويل معاناتها إلى قصص كفاح ونجاح تتحدَّى بها هذا الواقعَ الأليم. 

وتذكر أنه ينبغي على المجتمع أن يعترفَ بقدرة المرأة على التغيير الإيجابي، وأنها حائطُ الصدِّ الأوَّل أمام انحرافات الأبناء أو أيِّ فردٍ من أفراد الأسرة، فمكانتُها في البيت تجعلها قادرةً على ملاحظة المراحل المبكِّرة من التطرف، ومعالجتها في أسرع وقت قبل أن تتجذَّر وتتفشَّى. والمرأة هي الأقدرُ على بناء مجتمع واعٍ محصَّن من التطرف والعنف، يتصدَّى لعقيدة التنظيمات الإرهابية وأفكارها، ومن ثَمَّ تحقيق الأمن والسلام. 

وتؤمن ثريَّا أيضًا بأن التعاونَ والتكاتف في تبصير النساء ورفع مستوى تعليمهنَّ ووعيهنَّ مهمٌّ جدًّا؛ لئلا يعودَ داعش بآرائه المتطرفة المنحرفة. وتصرِّح بأن السعادة تغمرها حين ترى طالباتها وهنَّ يحصلنَ على أعمال تجعلهنَّ في استقلال مالي واستقرار نفسي، وقد كان هذا مستحيلًا حقًّا تحت حكم داعش المَقيت.

15/05/2023 09:24