تسجيل الدخول
لطيفة بن زياتن - من أمٍّ مكلومة إلى رمزٍ لمكافحة التطرف
​​​لطيفة بن زياتن ناشطة فرنسية من أصول مغربية، تبلغ من العمر 61 عامًا، عملت في مجال مكافحة التطرف وتعزيز التسامح، اكتسبت شُهرتها بعد صدمةٍ قوية تعرَّضَت لها عام 2012م، عندما فقدَت ابنها الجنديَّ في الجيش الفرنسي بطريقة مأساوية، في هجوم نفَّذه إرهابيٌّ فرنسي من أصل جزائري، ممَّا أثار في داخلها عزيمةً صُلبة للعمل الجادِّ في مكافحة تطرُّف الشباب في فرنسا ودول العالم، ونبذ التعصُّب الفكري، وكلِّ مظاهر التمييز بين البشر؛ بسبب الدين أو العِرق أو اللغة أو الجنس أو اللون، وتثبيت ثقافة الحوار والتعايش والتآلف. وتحوَّلت في سنوات قليلة من أمٍّ مكلومة إلى رمز للتسامح ومكافحة التطرف.

حادث إرهابي
كان عماد بن زياتن البالغُ 30 عامًا قد نشر إعلانًا لبيع درَّاجة بخارية في أحد مواقع الإنترنت، فاتفق معه محمد مراح (وهو إرهابي تابعٌ لتنظيم القاعدة) على اللقاء في موقف سيَّارات بمدينة «تولوز» غربي فرنسا؛ لإتمام عملية الشراء، لكنَّه غدرَ به بإطلاق رصاصةٍ في رأسه، ولاذ بالفِرار، ليشرعَ في عمليات قتلٍ جماعية راح ضحيَّتَها عددٌ من الجنود والأطفال، قبل أن تتمكَّن الشرطةُ الفرنسية من قتله.

تقول لطيفة بن زياتن أمُّ عماد: في أوج آلامي وبكائي، قرَّرتُ زيارةَ مكان الحادث، وهناك فوجئتُ ببُقَع دمِ ولدي لا تزال باقية، ولقد كانت حقًّا لحظةً عَصيبةً لا يمكن وصفُها! ولكنِّي تجلَّدتُّ وذهبتُ للبحث عن منزل القاتل؛ لأعرفَ ما حملَه على جريمته النَّكراء التي حرمَتني من فِلذة كبدي، فكانت صدمتي شديدةً بما سمعتُه من أبناء الحي؛ من إشادةٍ بفعل القاتل، ووصفه بالبطولة!

حينئذٍ صرَختُ فيهم بقوة: أنا أمُّ عماد الذي قتله مراح، هل هذا ما تفخَرون به؟! لترتسمَ على وجوههم ملامحُ الدهشة والأسف، والاعتذار عمَّا صدرَ منهم، وبدؤوا يُلقون اللومَ على الواقع الصَّعب الذي يعيشونه في أحياءٍ مغلقة، وأنهم معزولون ومنبوذون في المجتمع الفرنسي، ممَّا جعلهم فريسةً سهلة لتلك الجماعات المتطرفة. فكان هذا اللقاء نقطة تحوُّل في فكر لطيفة بن زياتن التي قالت: على الرغم من حالتي النفسية الصَّعبة قرَّرتُ محاورتهم وتصحيحَ تصوُّراتهم الخاطئة التي غُذِّيَت بها عقولهم، ودعوتُهم إلى التخلُّص من مشاعر الكراهية والحقد، وسَرعان ما قرَّرتُ تأسيس «جمعية عماد من أجل الشباب والسلام».

جمعية عماد
ترى لطيفة بن زياتن أن من أبرز دوافع التطرف افتقارَ كثير من الشباب إلى التعليم الجيِّد، وقلَّة فرص العمل، وضعف الثقة بالنفس، والتفكُّك الأُسَري، فضلًا عن مشكلات الهجرة والاندماج، وهيمنة أفكارٍ خاطئة عن الدِّين، وأجواءٍ مشحونة بالتعصُّب والكراهية والصراع. وهي مشكلاتٌ تستوجب التعاونَ الجادَّ لمعالجتها، والسعيَ لتعزيز قِيَم السِّلم والتعايش، وحماية النشء من الوقوع فريسةً لدعاة التطرف، وتوفير مستقبلٍ أفضلَ لهم. 

ونشِطَت لطيفةُ منذ تأسيس جمعيَّتها في زيارة الأحياء المهمَّشة والفقيرة في أنحاء فرنسا ودول العالم، والمناطق التي تعمُّ فيها مظاهرُ الجريمة، ولقاء طلَّاب المدارس والجامعات والتواصُل معهم وتبصيرهم، وإقامة ندَوات وملتقيات للشباب من مختلِف الأديان؛ لتعزيز المحبَّة والتسامح، والحفاظ على التماسُك الاجتماعي.

وأطلقت لطيفةُ حركةً خاصَّة بالسُّجناء؛ فهي ترى أن السِّجن هو المكان الأكثرُ كراهيةً في العالم، حيث يُصاب السُّجَناء بكثير من العُقَد النفسية، وكان الهدفُ من هذا النشاط الاستماعَ إليهم ومناقشتَهم، وتقديم النصائح لهم، وحثَّهم على التسامح في حياتهم داخل السِّجن وبعد مغادرته، وعلى استدبار مشاعر الكراهية والحقد، والانطلاق إلى حياةٍ جديدة عنوانها المحبَّة والتآخي والوئام.

جوائز وأوسِمة
تقديرًا لجهودها في إرساء السلام وحماية الشَّباب من التطرف، نالت لطيفة بن زياتن عددًا من الجوائز والأوسمة، منها: جائزة «مؤسسة شيراك» المخصَّصة لمناهضة النِّزاعات، وجائزة «التسامح» من جمعية أصدقاء «مارسيل رودلوف» التي تُمنَح سنويًّا لصاحب أكثر المبادرات الرافضة للطائفية والمعزِّزة لقَبول الآخَر، ووسام «جوقة الشرف» من الرئيس الفرنسي «فرانسوا هولاند». ومنحها العاهلُ المغربي محمد السادس وسامًا رفيعًا، وكرَّمَها بابا الفاتيكان فرانسيس والإمامُ الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيِّب، وحصلت على جائزة الشيخ زايد للأخوَّة الإنسانية عام 2021م.

توثيق التجرِبة
اتجهت لطيفةُ إلى توثيق تجرِبتها في كتاب ألَّفَته بعنوان «موتٌ من أجل فرنسا، محمد مراح قتل ابني» ذكرت فيه قصَّة استقرارها بفرنسا، ومشكلات الهجرة والاندماج، وكيف يمكنُ للأبناء من أصول غير فرنسية أن يصبحوا مواطنين فرنسيين صالحين دون التنكُّر لأصولهم، وكيف يمكنُ ممارسة الشَّعائر الدينية دون المساس بأسُس الدولة. 

وتناول الفيلمُ الوثائقي «لطيفة في قلب المعركة» قصَّةَ كفاح هذه المناضلة التي تحوَّلت من أمٍّ مكلومة فقدَت بَضعةً من رُوحها في حادثٍ إرهابي بغيض، إلى رمز للسلام والمحبَّة والتسامح ومكافحة التطرف والإرهاب.
15/11/2022 11:14